• Default
  • Title
  • Date
الأربعاء, 24 تموز/يوليو 2013

الدين

  نعيم عـربي ساجت
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

إنَّ ظهور الدين في حياة البشر منذُ آلاف السنين بالتأكيد لم يأتِ فجأَةً ومن فراغ ولم يكن إعتباطاً أو لترفٍ فكري أو (فلكلور) وإنما حتَّمتهُ الضرورةُ التاريخية لحياة الأنسان في تلك الحقب السحيقة في القِدَم وقد بدأَ بإرهاصاتٍ فكريَّةٍ تخيليةٍ لأنسانٍ كان يعيشُ بأجواء الخوف والفوبيا تجاه التهديد الدائم لحياتهِ ووجوده من عناصر الطبيعة وقواها القاسية المدمرةِ هذا من جهة والحاجةُ الى تنظيم حياته ليس كفرد وإنما كمجموعات بشرية تعيش وتعملُ سويَّةً متحدةً متعاونةً لأَجلِ بقائهم في تلك الحقب القديمة . وبلا شك إنَّ هذا قد حدث في حياة الأنسان قبلَ امتلاكهِ المعرفة التي تمكنهُ من سَبرِ أغوارِ غياهبِ ما وراء الطبيعةِ ، وقبلَ أن يتوصلَ الى القوانين الوضعيَّةِ لأستخدامها في تنظيمِ حياته كإنسانٍ يعيش مع جماعة كمجتمعٍ بشري وليس كما كان تائهاً في الغابات والبراري

 

. بلاشك إنَّ ـ وجود الرب أو الأله الخالق في فكر الأنسانِ وتصوُّرهِ شيئ ، ووجود الدين كعقيدةٍ شيئُ آخر إذ لو كان ( الدين ) أو العقيدةِ الدينية يعني ( الله أو الأله ) إذأً لأنتفتْ حالة أو ظاهرة تعدد الأديان ، فيكون بالضرورة الحتمية ( إلهٌ واحد.. لدينٍ واحد ) .. ولكن الحقيقة ليست كذلك إذ أنَّ تنوع الأديان جاءَ نتيجةُ لأختلاف التصورات الميتافيزيقية المتراكمةِ للبشرِ عِبرَ تلك الحُقَبِ التاريخية المختلفةِ ، فكل جماعةٍ من البشرِ تعيشُ في بقعةٍ معيَّنةٍ من الأرض أي مجتمع ٍ معيَّن إتخذَ له تصوراتٍ خاصةٍ عن (الرب أوالأله ) وهذهِ التصورات لتلكَ الجماعات بحكمِ أنها في أماكن متباعدة وبيئاتٍ مختلفةٍ لم تنشأَ متطابقةً بل ظهرتْ بأشكالٍ مختلفةٍ وعلى هذه الأشكالِ المختلفة من التصورات صيغتْ الطقوس وطرق العبادةِ للخالق .. من هنا نرى إنَّ الدين كلَّ دين الذي هو مجموعة ( التصورات عن الخالق والطقوس وطرق العبادة ) الموجودة في الوقت الحاضر لدى الشعوب هيَ امتدادٌ لتلك َالأديان القديمة التي قام بتكوينها الأنسان إذ لو لم يكن الأنسانُ صانعها لكانتْ ديناً واحداً .. لكنها رغم الأختلاف فيما بينها بالطقوس وطرق العبادةِ إلاّ إنَّها تلتقي جميعاً في فكرةِ التوحيد للخالق ( الأله أو الله أو الحي العظيم الأزلي أوهوارا مازدا وغيرها ) ولكنها تقتربُ من بعضها في جوهر الدين وأهدافه فـكل ما جاءت به الشرائعُ والعقائدُ الدينية كافة ، يؤَكِدُ على أن الدين هو مسلكٌ وطريقٌ يمنحنا قوانيناً وتعاليماً وقواعداً أخلاقيَّةً تحِدُّ من أنانيتنا ، وتُلجِمُ أهواءَنا السلبيَّةِ وتُساهِمُ في تهذيبِ غرائزنا وتحثُّ نفوسَنا نحو السمو والأرتفاع عن الحيوانيةِ .. لأنَّ الله لا يريدُ منّا سوى أن نعرِفَ مواقع الخيرِ في نفوسنا ونهتدي بها في حياتنا ونبتعد عن كلِ الشرورِ وأن نعالجَ الخلل والأعوجاجِ إذا تسللَ الى داخلِ نفوسنا فنرتفع الى رحاب الأنسانية التي يكونُ فيها الأنسانُ دائماً مع الحقِ والعدلِ وبالتالي فهوَ يحملُ مسؤوليةَ مكافحة الخطأِ والأعوجاجِ في المجتمع ومحاربة الظلم والأعتداء والتهور.


يقول المهاتما غاندي زعيم الهند : [ الديانات دروبٌ تختلفُ وتتقاربُ حول الرأيِ ذاتهِ .. ماذا يهمُّ أن نسلكَ دروباً تختلِفُ ، طالما سنصلُ كلنا الى الهدفِ نفسه ] أي عبادة الخالق الواحد والأسترشاد بالتعاليم الدينية . لقد إستُغلَّ الدين على مدى الحُقَب التاريخية من قِبَلِ الملوكِ والأباطرة والسلاطين والطبقات الحاكمةِ، بتكريس الدين لخدمةِ أغراضهم ومصالحهم الخاصة وذلك بتحريف وتشويهِ تعاليمه في العدالة والمساواة واحترام حقوق الأنسان ، بتخديرِ الناس وخاصةً الطبقات الفقيرةِ والمسحوقةِ من العمال والفلاحين وكل الكاحيين الذين يقومُ على عملهم وتعبهم بناءُ كلِّ مجتمعٍ وديمومة حياته ، وذلك بجعلهم بواسطة الدجالين ووعّاظ السلاطين ، يعتقدون أن هذا هو قَدَرُهُم وإن رضى الله من رضى ( أُ ولي ألأمرِ ) وطاعته من طاعتهم ، نعم منذُ نشأَةِ الدين والحكام جعلوهُ لخدمة أغراضهم في الحكم والتسلط على رقاب العبادِ هكذا فعل ملوك السومريين والبابليين والآشوريين والفرس والفراعنةِ والرومان واليونانيون القدماء وما قامت به الكنيسة في القرون الوسطى لمحاربة الشعب وفي طليعتهم الفلاسفة والعلماء الذين كانت تسجنهم في أقبية محاكم التفتيش وتقتلهم وبيعها ( صكوك الغفران ) كمافعل الخميني ببيعهِ مفاتيحَ الجنة للجنودِ الأيرانيين الذاهبين لمحاربة العراق وكذلك ما قام به الدكتاتور صدام بـ (حملتهِ الأيمانية ) لخداع الشعب وتخديره .. نعم فكل الطغاة والبغاة استخدموا الدين لخداع الجماهير وحرف نضالها وتطلعاتها في الحرية والكرامة والعدالة .. أمّا الدين في الوقت الحاضر فهوَ في المجتمعات المتقدمة حضارياً والعلمانيةِ قد أخلا مكانه السابق في التدخل السافر في الحياة المدنية وسياسة الدولة لشئون المجتمع قد أخلا مكانه للدولةِ لأدارة نظام المجتمع حسب القوانين الوضعيَّةِ التي تقومُ على العلمِ والمعرفةِ في كلِ أُمورِالحياة الماديةِ والثقافية وتنظيم حياة الناس تنظيماً حضارياً تحت ظل القوانين السياسيةِ والأجتماعيةِ والأقتصاديةِ التي تحققُ العدالة الأجتماعية والحرية السياسيةِ والفكريةِ بهدى نظريات وآيديولجيات سياسيةٍ مختلفةٍ، رأسماليةٍ واشتراكيةِ وشيوعيةٍ ولبراليةٍ تتنافس في ما بينها بطرقٍ سلميَّةٍ حضاريةٍ تحتَ خيمة الدولةِ العلمانيةِ ، إنَّ هذهِ الأنظمةِ الحضاريةِ وقوانينها المدنية جعلت الأنسان ينعمُ بالأستقرار والأطمئنان ويمارسُ حياتَهُ بحريةٍ بعيداً عن أيَّةِ قيودٍ ما عدا الألتزام بالقضايا المتعلقةِ بالمصالح العامةِ واحترام حقوق الآخرين وحرياتهم ، والمساهمةِ في بناءِ المجتمعِ على ضوء العلمِ والتكنولوجيا والأساليب الحضاريةِ الحديثةِ .. فالدين قد صارَ مكانه الحقيقي في داخل الأنسانِ أي بين الأنسان والأله فله الحق الكامل في معتقدهِ الديني الذي نشأَ هو وعائلتُهُ عليهِ وليس هناك الحق لأيِ جهةٍ أخرى سواءٌ كانت دينيَّةً أو مدنيَّةً أو سلطة لأجبارهِ على اعتناقِ دينٍ آخرَ .

 

أمّا الدين في المجتمعات المتخلفة حضارياً فهو لازال مسيساً وفي قبضةِ وسيطرةِ الحكام والطبقات الغنيَّةِ المتنفذةِ فهؤلاء استخدموا الدينَ سياجاً لحمايةِ مصالحهم بتجنيدهم الكثيرِمن رجالِ الدين كوعاّظٍ لتخديرالناس وغسلِ أدمغتهم لكي يضلواقانعين بحياتهم المزرية ِالتعسةِ فلا يحتجوا او يثوروا على ظالميهم فهذا هو قدرَهُم المكتوبُ .. وفي هذهِ الدول المتخلِّفة نرى سيطرة دينِ واحد على المجتمع وبقيةِ الأديان فهي تظلَّ أقلياتٍ مهمَّشَةٍ في كلِّ مجالات الحياةِ بل ومحاربةً ومحتقرةً من قبلِ معتنقي الدين المسيطربسبب التوجيه الخاطئ المتوارث، لهذا نرى التطرف الديني يظهرويزدادُ يوماً بعدَ يوم حتى وصلَ هذا التطرف الديني بشكل إرهابٍ دمويٍ مسعورٍ يهدفُ الى الغاءِ دين الآخرينَ بل وحتى وجودهم في الحياة ، فجعلوا من أنفسِهِم قضاةً وحاكمين بدل الله الذي يعرفون هم جيداً كما جاءَ في كتبِ الدين التي يدينون بها إنَّه هو وحدَهُ عندهُ ـ العقاب والثواب ـ وكل الأديان تقولُ أَنَّ ليسَ هناكَ من شريكٍ لِلألهِ في حكمهِ وسلطانهِ ، لا من البشرِ ولا مِنَ الملائكةِ .. نقولُ لهؤلاءِ الذينَ جعلوا من أنفسهم شركاءَ للهِ في حكمهِ وسلطانهِ ، وراحوا ينفِّذونَ حكمَ الموتِ على كلِّ الذين ليسوا على دينهم . ونسوا أو تناسوأ ما جاء في القرآن الكريم من نصوصٍ عظيمةٍ تدعوا الى احترام الأنسان من أيي دينٍ أو ملةٍ والحث على نشرِروح المحبَّةِ والتآخي بين كافة البشرِ فـ ( لو شاءَ بُّكَ لجعلهم أُمَّةً واحدَةً . القرآن الكريم ) أي لو أرادَ الله لجعلهم مُلَّةً واحدَةً أي ديناً واحدأً ولكنهُ أرادهم هكذا أدياناً متنوعِّةً في العالم وكلها طرقٌ لعبادته ، فالبشربتنوِّعِ أديانهم أشبهُ بحديقةٍ أزهارٍ متنوِّعةِ الأشكال والألوانِ .. فـ ( لا إكـراهَ في الدين . القرآن ) يقول ـ توماس المفكر اللاهوتي الألماني : ( النعيم ليسَ شيئاً فقط في العالم الآخر بل علينا أن نبحثَ عنهُ في حياتنا الدنيا هذهِ .. واجب المؤمنين أن يقيموا ملكوت الله على هذهِ الأرضِ ) .. فيا أيُّها البشر لتجعلوا من أشجارِ حديقةِ الحياةِ على هذهِ الأرضِ كلُّها خضراءَ بالمحبَّةِ والتعاطفِ الأنساني فالله محبَّة ، والدينُ محبَّةٌ والحياةُ محبَّةٌ .. فعالم الحبِ هوَ الباقي وعالم البغضاءِ هوَ المنهزم الفاني ، فَلتَندحركلُّ أفاعي الكراهيةِ والعداوةِ من حياتنا فلا يبقى من آثارِ سمومها المدمَّرَةِ شيئاً يذكر كما تندَحِرُ الظلمةُ أمامَ النورِ .. وفي عالم المحبَّةِ وحدَهُ يتأَلَّق النـور .

/ الـــــسويــــــد

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014