• Default
  • Title
  • Date
الخميس, 05 أيلول/سبتمبر 2013

يقين الانسان في رواية - عزازيل

  عزيز عربي ساجت
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

ان المفهوم العام لرواية ( عزازيل ) للكاتب المصري يوسف زيدان ، تتمحور حول  اثارة العديد من التساؤلات الخاصة والمشروعة  بتاريخ الاديان والمقدسات وانعكاساتها  السياسية في مختلف مراحل التاريخ البشري ، كانت ولازالت  تؤرق  بثقلها وجبروتها على كاهل الانسان الذي اتخذ منها كمتنفس وحيد لحياته الارضية والابدية .

تقدم رواية عزازيل العديد من الافكار المهمة حول مسالة المتاجرة بالدين ، واستخدام السياسة في الدين ، وما لجوء الكاتب الى حقبة تاريخية من الصراع الديني المسيحي  الا اشارة واضحة الى الصراع المعاصر في المجتمعات الاسلامية ، ومدى سطوة رجال الدين في بعض المجتمعات الاسلامية اليوم ، وقدرتهم على الاغتيال الفكري والمعنوي لكل من يخالفهم الرأي ، ومصادرتهم حق الناس في اختيارهم طريقة عيشهم .

 ان الممارسات اللا انسانية من خلال احداث هذه الرواية ، التي مورست ضد احد الخصوم لانسانة وعالمه حُرقت حية ، حسب المفهوم الخاطىء التي كانت تحرض عليه السلطة الدينية ، والتي ذاقت الضحية الوانا وحشية من الحقد والتنكيل التي سبقت القتل ، هذه السلطة الظالمة كانت ترى  في التفكير العقلي والعلم خطرا عليها وعلى سلطتها على الناس . ان الكاتب من خلال هذه الرواية اعاد بنا تذكير الماضي والى الماّسي التي حصلت ضد رجال الفلسفة والمعرفة والعلم عبر التاريخ ، وفي هذه الرواية بالذات نرى ان التاريخ  يعيد نفسه بشكل او باخر ، لانه يشير بوضوح لا يقبل الشك الى شواهد التاريخ التي نرى اثارها الى اليوم وفي تاريخنا المعاصر، ان تتبع الكاتب الروائي يوسف زيدان لهذه الواقعة التاريخية القصد منها تمثيل فكرة التشدد الديني ، والعنف الذي اقترفته جماعات بشرية باسم الدين بعيدا كل البعد عن الافكار والقيم الانسانية النبيلة التي جاءت من اجلها الرسالات السماوية  باقامة العدل والانصاف والمحبة والتسامح ، بأعتبارها ظاهرة لم تقتصر على دين بعينه او طائفة في حد ذاتها . ان في هذه الرواية  نصاً في غاية الاهمية وهو موضوع امتلاك الحقيقة ، ومن يمتلك القدرة على تصور انه يمتلك الحقيقة وحده دون غيره من البشر فهو واهم ، كما قال الشاعر ابو العلاء المعري : ( اما اليقين فلا يقين وانما ... اقصى اجتهادي ان اظن وأحدسا ) . لذا نرى ان اصحاب الفتاوى ورجال الدين يستثمرون الدين في التكسب وقد اكتسبوا لوناً من القداسة ، يتحصنون بها ويستخدمون الاعلام من اجل اضفاء هالة من النجومية عليهم ما يرسخ صورتهم المقدسة ، كالأبطال والنجوم .

ان بطل رواية عزازيل ( هيباتيا) الراهب الذي يواصل رحلته الروحية باحثا عن حقيقة الوجود عبر الدين ، امنيته ان يتعلم من كبار الكهنة ، لكنه سرعان ما يصدم بواقعه الانساني ويقع في أسر اغواء امراة ظهرت له فجأة بينما كان يسبح على الشاطىء لتنقلب حياته رأسا على عقب ، كان هدفها الاساس ابعاده عن همه الديني المخالف لمعتقداتها ، ثم تتعرض للقتل لاحقا لدرء الخطر عنه ، لكن في سره كان يتمنى ان يفقد شهوته الجنسية للابد حتى يواصل طريقه في التعبد واللاهوت ، لكن كثيرا ما تمر بعقله اسئلة عديدة تبدو منطلقة من منطق الشك اكثر من كونها دليلا على اليقين.

وتقدم الرواية في مواضيع عديدة منها امثلة من نماذج الفكر والفلسفة وقضايا اللاهوت ومعنى الخير والشر وجوهرهما في الحياة ، على ما يتداعى على ذهن بطل الرواية او حواراته في مراحل مختلفة من حياته ، مقدما نماذج لاصحاب الفكر الديني ، ممن يتسامحون مع العقل والمنطق وحرية التفكير ، الذي يعتبر من جوهر الدين ، ونماذج من المتشددين ضيقي الافق والمتعصبين ، الذين اما يفتقرون للمعرفة العميقة ، او يعرفون لكنهم يغلقون الباب على التفكير الحر لغرض في أنفسهم ، وهو عادة ما يكون من اجل تحقيق السلطة والثروة او النفوذ ، ضاربين بعرض الحائط كل القيم العظيمة التي جاءت بها الاديان السماوية .

ان هذا اليقين الذي يدعي البعض امتلاكه ، كما تشير الرواية ، ادى الى تاسيس سلطة رجال الدين ، ولا يبدو الدافع الحقيقي منها دينيا وروحيا ، بقدر ما يبدو دافعا لامتلاك السلطة . والتي عادة ما يكون الهدف منها سلطة دنيوية خالصة ، سلطة سياسية وليست دينية ، سلطة تتحالف مع الحاكم الامبراطور ضد مخالفيها من دينها وعقيدتها ، وايقاع المظالم باسم الدين وبحجة الدفاع عنه ،

ان الفكرة التي برع فيها كاتبنا هي كيفية اختزال الفكرة العميقة لتحول الدين الى تجارة وسلطة ، هذا هو جوهر المسالة ، لان الانبياء جاءوا للناس لانقاذهم من الطغيان والتسلط ، ونشر الاخوة بين البشر وتعليمهم التسامح وكيفية التعايش والمحبة والايمان بالحوار  وبحق الفرد اي كان في التحاور وفق الاسلوب الهادىء المفيد ، وليس استغلالهم ، ولم تختص ديانة سماوية بقيمة من قيم الدين لاتجدها في بقية الاديان . فنرى هؤلاء الذين  يتشدقون بالدين ، هم اصحاب الحق والحقيقة ولا تجوز مراجعته او محاسبته او مخالفته ، وهناك شواهد كثيرة لهذا النموذج الجديد لسلطة رجال الدين في عالمنا المعاصر ممن عرفوا بشيوخ التكفير ، الذين لم نسمع انهم يهتمون الا بتكفير الافراد من الكتاب والمثقفين والفنانين كانهم هم فقط ملاك الحقيقة ومفاتيح الدين والغفران .

ولعله من البديهي الاشارة الى ان هناك بالتأكيد – بجانب هذا التسلط والغلو – الكثير من الرموز الدينية الاصلاحية الذين يحافظون على جوهر الدين ، والبعد به عن كل ما هو مشبوه ، وعن تلك المظاهر التي تسيء اليه ، وتضر به اكثر كثيرا مما تضيف اليه ، لكن الرموز اصبحوا قلة في عالمنا اليوم الذي اصبحت فيه الشهرة والتكالب على النفوذ والكرسي والامر والنهي باي شكل وعلى حساب اي قيمة انسانية سامية .

ان رواية عزازيل يجب ان الا ننظر اليها على انها طعن في تاريخ الديني ، لكنها رواية تشخص واقعا نعيشه اليوم كما عاشته البشرية في ازمان غابرة واماكن مختلفة ، وهي تثير الانتباه الى ما يجري حولنا ، وفي زماننا من افكار واحداث متشابهة ، ان لم تكن متماثلة ، وعلينا ان نعتبر مما جرى على غيرنا ونتدارك الامور قبل ان يفلت الزمام من بين ايدينا ، مع اسمى وارق تحياتي .

ملحوظة : بعض الفقرات الواردة بقلم د. سليمان ابراهيم العسكري .

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014