• Default
  • Title
  • Date
الخميس, 07 شباط/فبراير 2013

مناشدة الحكومة العراقية لإسناد تأسيس الأكاديمية المندائية

  أ. د. قيس مغشغش السعدي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

نبدأ من مسلمة عراقية أن الصابئة المندائيين تراث أصيل في بلاد ما بين النهرين عمقه لا يتحدد بزمن.. وظل موصولا على مدى التأريخ حتى يومنا هذا. عرفوا بالعراق وعرف العراق بهم حين تذكر أقدم الأديان. وتعددت جوانب الإمتلاك لديهم بدءً بالمعتقد التوحيدي والإيماني الذي يظهر أن بذرة التوحيد الأولى إنما في بلاد ما بين النهرين وليس في أي مكان آخر. ثم في الطقوس الدينية المتعددة التي أساسها الماء هبة الحي للحياة ومنه كانت وتكون، فقدسوه تعميدا. وفي الأساطير التي تختلط عمقا ومعنى مع الأساطير السومرية والبابلية. وفي اللغة المندائية وهي الفرع النقي للآرامية الشرقية بحسب تصنيف علماء اللغات السامية، هذه اللغة التي حفظت أدبهم وطقوسهم وهي ما تزال ماثلة في مئات المفردات المعتمدة في اللغة العامية العراقية كدليل على قدم الإستخدام وإلتصاق المفردة باللسان العراقي فلا ينفك من أن يقول أكو ماكو. وفي تأريخهم الممتد على ما مروا به من وجود وإضطهاد وتهديد ومعاناة وحرص على البقاء أيضا. وفي إنسانهم العراقي الطيب المسالم الممتلئ مهنية البناء والإخلاص الوظيفي. وهم بهذا، وبكل ما يحفظه لهم العراق في ذاكرته، إستحقوا محبة العراقيين بجدارة ، خاصة وأن ديانتهم لا تحض على أي مطمع سياسي، فليس غير محبة الله وخلقه والعيش بسلام حتى الإنتقال إلى عالم الأنوار.

وما يؤسف أن هذا التراث الرافديني الكبير والكثير الذي يحتفظون به لم تنله رعاية متخصصة في البحث والدراسة والتعليم والتوثيق، فصار آثارا بدلا من أن يكون أثرا وإثراءا، إلى أن تلقفه الغرب فنقلوا آثار الصابئة المندائيين وأدبهم بمخطوطاته وكتبه التي عكفوا على ترجمتها إلى الألمانية والإنكليزية والفرنسية من خلال ما نقله المبشرون البرتغاليون حين قدموا إلى العراق في القرن السادس عشر الميلادي. وصارت المندائية تدرس في عدد من الجامعات الغربية، وحتى زارهم العالم الألماني هنريك بيترمان في عام 1853 في سوق الشيوخ وتعلم لغتهم، وحتى وضع عالم الساميات ثيودور نولدكه كتابه قواعد اللغة المندائية في العام 1875. وهكذا تواصلا يقوم عالم الساميات مارك لدبارسكي بترجمة كتاب النبي يحيى (ع) للألمانية في العام 1915 ومن ثم كتاب الصابئة المندائيين الرئيس " الكنزا ربا" في العام 1925، وتكمل الليدي دراور مسعى أكاديميا منذ العام 1935 وحتى وفاتها في العام 1972 بما صار يعرف بـ " مجموعة الليدي دراور المندائية" التي تحتوي على عشرات المخطوطات وترجماتها محفوظة اليوم في جامعة أكسفورد.

ومقابل ذلك حُرم الصابئة المندائيون من دراسة دينهم وصاروا أميين في لغتهم وفقدوا حلقات عديدة وبعيدة في تدوين تأريخهم وتسجيل وقائع وجودهم، وذهبت ثقافتهم بآدابها وفنونها ولم يحضوا بمدرسة واحدة في أي زمن وعصر تعمل على هذا بشكل نظامي ورسمي، وهم الذين يمسى بيت العبادة عندهم " بيت مندا " بمعنى بيت المعرفة. وقد يستغرب البعض أن جميع رجال الدين المندائيين غير متخرجين في مدرسة دينية متخصصة، ولم يحصلوا على تعليمهم الديني بشكل أكاديمي ممنهج إنما بالإعتماد على الدراسة الذاتية سواء في معرفة المعتقد أو في ممارسة الطقوس الدينية على الرغم من التزمت المندائي المعروف فيها. ولذلك فقد ظلوا يطمحون لأي مؤهل أكاديمي مندائي متخصص.

ونتيجة لما حصل في العراق الوطن الأم لهذا المكون العراقي الأصيل، فقد تهدد كيان المندائيين بخصوصيتهم أكثر من جميع المكونات الأخرى وبإعتراف دولي موثق، حيث أضطرت النسبة الأغلب منهم إلى مغادرة وطنها فرارا بالنفس والدين. وكان من نتيجة ذلك أن توزعوا دون هدي على أربع قارات وفي حوالي 20 بلدا في المهجر على محدودية عددهم. وصارت الخشية اليوم من ضياع هذا الكيان بأسباب التوزع الخطير وطبيعة وإغراءات ثقافات الشعوب التي صاروا بينها، والمعاناة في التجمع وإقامة الطقوس مع ضعف الإمكانات الذاتية لدرء خطر كل هذا. وما كل هذا إلا نتيجة لم يكونوا هم السبب فيها. كما أن التهديد داخل العراق مازال قائما ومستمرا والخشية في أي وقت أن يتعرض هذا الكيان لمجزرة فيفقد من يفقد ويتشرد من يتشرد من جديد. ومن أجل كل هذا صار المعنيون بالشأن المندائي يناشدون الحكومات والمنظمات الدولية والإنسانية للمساهمة معهم في حفظ كيانهم كحق إنساني، ولكونهم دليلا بشريا ملموسا على حضارات وادي الرافدين، وعلى ديانة تسجل على أنها واحدة من منابع ديانات الشرق بحسب التصنيف والإهتمام الأكاديمي العالمي بالأديان.

وحيث يصعب التجميع ولم الشمل بأسباب تعدد بلدان اللجوء، فإنه لا يصعب جمع ولم تراثهم وثقافتهم وتعليمهم والإحتفاظ به حقا وتكرمة لهم وثوابا، مثلما هو حق للعراق والإنسانية فيما يكتنزون. فإن ظلت بهم المندائية قائمة نكون قد حافظنا عليها شاهدا حيا على الأصالة والتسامح الديني والرعاية، وإن غلبهم هذا العصر بجبروته وبأسباب مغادرة العراق وطبيعة عيشهم فيه، فنكون قد سعينا لتوثيق هذا التراث والأحتفاظ به جزءا أصيلا من التراث الرافديني. بمثل هذا المسعى كان توجهنا لمخاطبة منظمة اليونسكو. ويوم لم نفلح بمشروع ثقافي، فاتحنا سمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند حرم سمو أمير قطر بحكم أنها الممثل الخاص لمنظمة اليونسكو في الشرق الأوسط حول اللغة المندائية كونها لغة مهددة بالإنقراض، فكان مسعى سموها طيبا ومثمرا في تسجيل اللغة المندائية لغة مهددة بالإنقراض من قبل اليونسكو في أطلسها منذ عام 2006 . لكن الأمر ظل تسجيلا دونما أي إسهام بأسباب أن العراق غير موقع على وثيقة الأمم المتحدة بحفظ اللغات المهددة بالإنقراض وبالتالي فإن اليونسكو لا تتكفل مشروعا بذلك بحسب آخر رسالة إستلمناها من اليونسكو بهذا الخصوص.

ويبقى العراق الوطن والحضن، ويبقى الوفاء لأبنائه من جميع أديانه وقومياته شعار الجميع ومسعى الجميع، إلا أن الصابئة المندائيين لم يشملوا لحد الآن بخصوصيتهم في إستحقاقات ملموسة. وتأسيسا على ما يكفله الدستور العراقي اليوم لمكونات الشعب العراقي كافة وللثقافة والتراث العراقي عامة، ولحرص مجلس النواب والحكومة العراقية على تنفيذ أحكامه وبنوده بالإستحقاق المتكافئ والمكفول بالمساواة بين العراقيين جميعا مع مراعاة خصوصياتهم الدينية والثقافية واللغوية، فقد تدارس الصابئة المندائيون سبل المحافظة على تراثهم بتنوعه، وتعزيز دراسته وتوثيقه، وإجراء الدراسات والبحوث فيه والدراسات المقارنة مع الأديان السماوية، وتخريج رجال دين بمؤهلات ومستويات أكاديمية وإنتظام الموجودين منهم بها، وحصول الراغبين على شهادات عليا في اللاهوت المندائي والطقوس الدينية، وتحفيز الكفاءات المندائية والراغبين من غير المندائيين عراقيين وعرب في دراسة المندائية وتأريخها، ولغرض الإنفتاح على الجامعات العالمية ومراكز البحث المعنية بالدراسات السامية والمندائية، وخرج الأكاديميون والمعنيون المندائيون في كل بلدان تواجدهم بإقرار تأسيس أكاديمية مندائية تكون مجمعا ثقافيا وتعليميا وتوثيقيا لكل ما يمتلكون وما يحرصون على تعليمه والمحافظة عليه، أساسها العراق وتنفتح على بلدان تواجدهم. وهم بهذا التوجه ينطلقون من أن هذا الأمر بالنتيجة هو إسهام عراقي متخصص يناط بهم على ما عرفوا به من كفاءات وإسهامات وطنية. وقد تم وضع مخطط المشروع الذي كان لنا شرف التكلف بمتابعته وإنجازه بنظامه وأقسامه ومستوياته وطبيعة الدراسة فيه.

ومن أجل أن يوضع هذا المشروع موضع التنفيذ فإن الحاجة لا مناص منها لمساهمة العراق رئاسة وحكومة وبرلمانا في مد يد العون لإسناد هذا التأسيس العراقي وجعله قائما متحققا ومحققا لأهدافه. وبه سيقدم العراق العزيز دلالة عملية على التسامح الديني والحرص التراثي وتقدير أصالة شعبه ومكافأة الصابئة المندائيين على حرصهم على البقاء وعلى مواطنتهم الشريفة والمعهودة.

إن الصابئة المندائيين يحذوهم الأمل بأن يلقى مشروعهم الأكاديمي الثقافي هذا القبول والإسناد ليتباركوا بإعلانه وهم يستعدون في العام 2011 للإحتفال بإحياء الذكرى المئوية لولادة العالم العراقي المندائي عبد الجبار عبد الله، فيقدمونه شهادة تقدير ومحبة وعرفان له ولأنفسهم وللعراقيين عامة بل وللمجتمع الإنساني. وسيعتزون كثيرا بمساندة كل أكاديمي عراقي وكل مسؤول منصف يسهم معهم في دعم بناء هذا الصرح الأكاديمي وقيامه.

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014