• Default
  • Title
  • Date
السبت, 02 تشرين2/نوفمبر 2013

الإضراب-3

  فهيم عيسى السليم
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

 

الإضراب

فهيم عيسى السليم

 

1

 

كان تشارلي في الأربعين من عمره وهو أب لولدين قد إقتنع منذ أمد بعيد أن رئيسه في العمل لن يمنحه وزملائه الزيادة المقررة منذ ثلاث سنوات متحججاً بشتى الذرائع ورغم أن كل شيئ قد إرتفع سعره من الخبز وحتى البنزين إلا أنه ظل يراوح في مكانه ويصر على أسنانه غيضاً كل مساء وهو يحيي رئيسه بالتحية المعتادة.

 

كان تشارلي يعمل عملاً عادياً في إحدى الشركات الضخمة لمكائن النقود في نيويورك وكان عمله المتعب و الحساس الخطر يبدأ عادة في العاشرة ليلاً وينتهي في السادسة صباحاً هو إستبدال الصناديق المليئة التي تحوي آلاف الدولارات من فئة المائة والخمسين والعشرين والعشرة دولارات في مكائن النقود.

 

كانت ساعات العمل الثماني بكل دقائقها الأربعمائة والثمانين مليئة بالتوتر فمن جانب عليه إنجاز كل ماكنه خلال عشرة دقائق بضمنها فترة ترك السيارة والعودة لها ورغم أن مكان رصف السيارة مؤمّن إلا أنه يجب عليه أن لا يضيّع أي دقيقة لإنجاز إستبدال الصناديق في المكائن الأربعين المسؤول عنها!

 

كانت كمية النقود التي تحتويها سيارته تزيد عن الربع مليون دولار كافية ليسيل لها لعاب أي لص محترف أو غير محترف ورغم أن المنطقة التي يعمل فيها تعج باللصوص والسكارى ومدمني المخدرات ورغم أنه وزملائه طالبوا مراراً بوجوب مرافقة حارس مسلح لهم في عملهم الخطرهذا كانت الإدارة تصم أذنيها عن مطالبه ومطالب زملائه متذرعة بالقول أن كل العملية مؤمنه كما أن صناديق النقود مغلقة وكل محاولة لفتح أي منها بالقوة تنبه جرس الإنذار العالي داخلها والذي بدوره يصدر صوتاً عالياً جداً يجعل أي لص يولي الأدبار كما أن الصندوق مزود بجهاز يتلف العملة إذا ما سحب من مكانه المحدد في السيارة ولم يودع في مكانه المحدد في الماكنة خلال ثلاثين دقيقة!

 

كان جميع زملائه يعلمون أنهم في خطر داهم وما هي إلا مسألة وقت ويقع حادث لأحدهم لأن اللصوص لا يعلمون بكل هذه التدابير المعقدة.

 

كانت طبيعة العمل تتطلب أن يقود سيارته إلى مكان عمله ويصل قبل العاشرة بعشر دقائق.كانت السيارة مجهزة بالصناديق الأربعين المرقمة والمرصوفة بطريقة تسهل للسائق جذب الصندوق المقصود المطلوب لماكنة معينة حسب تسلسل وصوله إليها بأقصر الطرق.

 

العملية بسيطة عليه سحب الصندوق والسير به إلى المدخل الخلفي أو الجانبي للبناية التي يكون حارس البناية قد فتحها له في الوقت المتفق عليه كل يوم ليدخل ساحباً الصندوق القديم ومستبدلاً به الصندوق الجديد والعودة بالقديم إلى السيارة حيث يعيد الصندوق إلى مكانه المحدد وهكذا حتى يكمل آخر الصناديق في تمام الساعة السادسة صباحاً ليعود أدراجه إلى مقر الشركة ويركن سيارته في المكان المخصص لها داخل البناية بطريقة تجعل خلفية السيارة ضمن الآلية الميكانيكية لتفريغ الصناديق حيث يبدأ موظفون متخصصون بعدها وإكمال حشو النقود الجديدة وإكمال الصناديق الجديدة التي تشحن ميكانيكياً في مكانها المخصص تمهيداً لدورة جديدة تبدأ في العاشرة مساءً.

 

بعد ظهر ذلك اليوم الكئيب البارد من أيام كانون الأول جلس تشارلي مع زوجته هيلين يتسامران كما هي العادة حيث قال لها أنه يشعر بالكآبة والحزن وخيبة الأمل كل مساء عند إقتراب موعد ذهابه إلى العمل لكنه كان يدرك أن لا مجال للمناورة فأقساط المنزل هي السيف المسلول على رقبته ورقبة العائلة والأولاد يكبرون ولهم في كل يوم مطلب بل مطالب.

 

صحيح أنه ورث من عائلته المزرعة الصغيرة والبيت لكنه إرث مشترك بينه وبين أخته كارولين التي تكبرة بستة أعوام والتي تعيش وتعمل هي وزوجها وولديها الشابين فيها . وحيث أن المزرعة تدر دخلاً معقولاً لكارولين وعائلتها إنما والحال هذه فلا مجال للتفكير في بيعها والإستفادة من المبلغ في سداد دين المنزل إلى المصرف.

 

كان تشارلي وعائلته قد إعتادوا الذهاب إلى المزرعة كل إسبوعين حيث يقضون عطلة نهاية الإسبوع هناك  يساعدون في أعمال المزرعة ويعودون محملين مساء الأحد بالفاكهة والخضار الطازجة والبيض والنبيذ والتي تكفيهم لإسبوعين عادة .كان تشارلي وهيلين سعداء وراضين بهذا الترتيب خصوصاً وأن أخته تحرص على أن لا يصرفوا أي شيئ خلال فترة وجودهم هناك وكأنها تعوض أخاها عن حصته في المزرعة والدار.

 

في ذلك المساء البارد الأغبر أعلن تشارلي لزوجته أنه قرر أن لا يذهب للعمل اليوم ! هكذا وبدون سابق إنذار أو حتى تحسب لما سيحصل .

 

صحيح أنه فكر مراراً هو وزملائه بالطريقة التي يستطيعون معها كسر شوكة الإستغلال المريع الذي يمارَس عليهم يومياً فهم يعلمون على وجه التقريب كم تجني الشركة من أرباح كل يوم لقاء عملهم حيث تتقاضى الشركة دولارين عن كل عملية سحب فإذا إفترضنا أن معدل السحب في المرة الواحدة 100 دولاراً فإن الشركة تجني لقاء ال 25000عملية سحب في المكائن الأربعين ما يعادل 50 ألف دولار يومياً لقاء أجر كل منهم البالغ 240 دولاراً في اليوم قبل إستقطاع الضريبة!!

 

قال لزوجته أنه مل وبشكل لا يطاق هذا العمل المضني الخطر دون أمل في زيادة راتبه.

 

إتصل بثلاثة من أخلص زملائه وأعلمهم بالأمر.

 

إتصل بأخته كارولين (وكان يوم جمعة) وأعلمها أنهما قادمان مساءالجمعة بدل المعتاد وهو السبت بعد أن أخبر أولاده الذين أبديا سعادتهما بهذا الخبر.

 

إنه يوم متعة إضافي لا أكثر ولا أقل.

 

كانت الشركة تملك حوالي ألفي ماكنة لسحب النقود لذا فهناك ثمانون سائقاً مع سواق إحتياط  في حالات التغيب الإضطراري ولتغطية عطلات نهاية الإسبوع والعطلات السنوية.

 

من العجيب الغريب أن جميع السواق إنتابتهم نفس المشاعر مساء ذلك اليوم الكئيب من أماسي كانون الأول وقرروا ولكل أسبابه وكانوا تحت ضغط عمل قاتل عدم الذهاب إلى العمل ذلك المساء مع القناعة أن الشركة الهائلة المتعددة الفروع تستطيع وبسهولة تدبير البدلاء وكان أولهم أصدقاء تشارلي المقربين.

 

لابد من القول أن الزملاء الخلّص الثلاثة لتشارلي الذين أعلمهم بنيته على التغيب قد أعلم كل منهم بدوره بعض زملائة المخلصين الآخرين عن هذه النية المبيتة للتغيب.

 

في الحقيقة كانت شروط العمل قاسية جداً حتى أن السائق لا يستطيع أن يذهب إلى الحمام خلال دورة العمل البالغة ثمان ساعات ولا يستطيع أن يأكل وممنوع علية إستخدام الهاتف النقال إلا للضرورة القصوى كل هذا مع أجر شحيح يشبه أجر السائق النهاري العادي وبدون وجود مساعد لهذه المهمة الخطرة.

 

2

 

إعتاد جون هنتر مدير المجموعة أن يجلس مسترخياً في كرسيه الوثير الدوار أمام النافذة الكبيرة المطلة على ساحة وقوف السيارات حيث يراقب منها قدوم السواق وكذلك خروجهم تمام العاشرة مساءً منطلقين إلى عملهم.

 

حلت الساعة العاشرة إلا عشر دقائق في نفس الوقت الذي إنشغل فيه جون بتحضير كوب القهوة الأول وحينما عاد إلى كرسيه إنتابه القلق حيث إختطف نظرة إلى الساعة الكبيرة المعلقة فوق النافذة وكانت تشير إلى تمام العاشرة إلا دقيقتين إثنتين!

 

ياللهول قالها بصوت عالٍ مالذي حصل؟

 

لابد أن هناك حادثاً على الطريق منع السائقين من الوصول لكن هذا مستحيل لأنهم يقدمون من إتجاهات مختلفة ويستطيعون الوصول من أكثر من مدخل.

 

أجرى إتصاله الأول مع تشارلي تمام العاشرة فكانت الإجابة مخيبة تماماً.

 

أكمل الإتصال مع جميع السائقين الآخرين والإحتياط الذين أجابوا جميعاً من خلال هواتفهم النقالة برسائل أنهم مرضى ولا يستطيعون القدوم إلى العمل وأسقط في يده تماماً!

 

مر خلال هذه الفترة من الإتصالات العصبية في بال جون هنتر شريط ما سيحصل غداً لآلاف الناس الذين إعتادوا سحب النقود  كل يوم لتمشية أمورهم وإحتياجاتهم وكيف سيتدبرون أمورهم حين يجدون ماكنات سحب النقود بلا نقود! إنها عطلة نهاية الإسبوع حيث تعج نيويورك بالناس من كل حدب وصوب والمصارف مقفلة .وحين يتجهون إلى الماكنة التالية يجدون أنها خالية أيضاً والمصيبة أن شركتهم عملت وبشكل منظم على طرد جميع منافسيها من المنطقة المركزية في نيويورك وبكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة بما في ذلك شراء الشركات الصغيرة المنتشرة في المنطقة وإستبدال مكائنها شيئاً فشيئاً حتى غدت المنطقة المركزية وفي دائرة قطرها عشرة أميال تحوي على مكائن الشركة فقط.

 

من يستطيع أن يغطي سحب مايزيد عن 40 مليوناً من الدولارات كل يوم؟

 

كم ستكون خسارة الشركة وماذا سيحصل غداً إذا إستمر المرض المزعوم لهؤلاء السائقين.

 

هل هم متفقون على كسر سمعة الشركة وتمريغها في الوحل؟

 

هل أسأنا معاملتهم وعدم منحهم الزيادات السنوية المقررة؟

 

إنها العاشرة والنصف يا ألهي !

 

إتصل برئيسه الأعلى فقيل له أنه نائم وطلب إيقاظه على الفور وتحدث إليه عن المصيبة التي حلت بهم

 

-هل عرضت على السواق مكافآت نظير الحضور؟

 

- لقد فعلت ياسيدي وقد إستهزئوا بي لأن عقود عملهم واضحة فمن يدعي المرض يطرد من عمله وماداموا قد قالوا أنهم مرضى وثبتوا ذلك برسائلهم الهاتفية للشركة فلن يستطيعوا الرجوع عن هذا الإدعاء لأي سبب.

 

وهكذا وقعت الشركة الشرهة في شر مخططاتها الخبيثة.

 

-إذن إعرض عليهم زيادة في الرواتب قال مدير الشركة وهو يفور غضباً

 

- لقد فعلت والجواب واضح ومعروف

 

- لم يبق أمامنا إلا أن نحاول جلب بدلاء ياجون وحاوِلْ مع جميع شركاتنا الرئيسية والفرعية

 

كانت الشركة الرئيسية تملك شبكة واسعة من شركات النقل تسيطر على معظم نيويورك إبتداءً من شركات نقل اللحوم والخضروات ومروراً بنقل الركاب والطيارين من وإلى مطارات نيويورك وكذلك البريد والرزم وسيارات الأجرة وإنتهاءً بنقل الذهب والعملات.

 

- وفي هذه الساعة من الليل ياسيدي

 

- لا نملك أن نخسر هذه المعركة مع هؤلاء السائقين الأوغاد المتآمرين على الشركة.إنه نوع من الإضراب ورغم أننا عرضنا عليهم الزيادات المؤجلة لثلاث سنوات وكذلك مكافأة خاصة مجزية فلم يقبلوها.

 

- سأحاول كل ما أستطيع

 

كتب جون هنتر رسالة هاتفية وبثها إلى جميع الشركات المرتبطة بشركة أم أم سي وكان نصها التالي :

 

نظراً لإضراب سائقي شركتنا هذه الليلة نرجو من أي سائق متوفر لديكم سواء كان سائقاً إحتياطا أو أصيلاً ويرغب بالمساهمة في حل المشكلة إرساله فوراً إلى مقرنا المعروف لديكم وله مكافأة قددرها ألف دولار إضافة لأجوره الإعتيادية.إنتهى

 

كانت الرسالة أكبر غلطة إرتكبها جون هنتر في حياته!

 

ضربت الرسالة مدينة نيويورك من أقصاها إلى أقصاها ووصلت إلى كل من يعمل ليلاً في المدينة حيث أرسلتها الشركات الفرعية لجميع سائقيها العاملين ليلة الجمعة تلك وإتصل الكثيرون بزملائهم عن طريق الرسائل الهاتفية في شركة نقل النقود مهنئينهم بنجاح الإضراب وكسر شوكة الشركة ومعلنين عن تضامنهم معهم وعدم رغبتهم بالمشاركة في كسر الإضراب ورغم أن الوقت كان قد تجاوز منتصف الليل لكن السواق الليليين كانوا يتبادلون الرسائل الهاتفية فيما بينهم رغم المنع!

 

تلقفت مواقع التواصل الإجتماعي الأخبار وإنتشرت إنتشار النار في الهشيم وكان أول من أعلن الإضراب عمال نقل الركاب والطيارين من وإلى مطارات نيويورك تبعهم بعد خمسة عشر دقيقة عمال نقل البريد والرزم وسائقو التاكسي وتتالت على الفيسبوك أنباء الإضراب الهائل الذي ضرب مدينة نيويورك حيث تجاوز عدد المضربين ليلة الجمعة ما يزيد عن العشرين ألفاً.وما أن حل صباح السبت حتى كان عدد المضربين قد تجاوز الربع مليون إنسان.

 

كانت المطالب في البداية تنحصر في منحهم نفس ما منحت الشركة الرئيسية عمال نقل النقود. الزيادات المتراكمة للسنوات الثلاث الماضية وظروف عمل أفضل.

 

بدأت محطات التلفزيون نقلها الحي حوالي السادسة صباحاً من مطار كنيدي الدولي حيث ظهرت واضحة للعيان النتائج الأولى للإضراب حيث حوصر مئات الركاب هناك لتوقف معظم عمليات النقل بالباصات والتاكسي خصوصاً بعد إلتحاق سواق القطارات وقطارات الأنفاق بالإضراب

 

وتعددت المطالب وإتسعت.

 

صحت نيويورك السبت على مشهد مذهل لم تعتده أبداً وعندما حلت الساعة العاشرة صباحاً إتضحت تماماً معالم شلل المدينة شبه الكامل وفي الحادية عشرة إنقطع التيار الكهربائي وفي منتصف النهار توقفت الخدمة الهاتفية !

 

في الرابعة بعد الظهر عادت مدينة نيويورك مئتي عام إلى الوراء ولم تعد غير الدراجات الهوائية والقليل من السيارت تسير في الشوارع المقفرة.

 

كانت المولدات الإحتياط متوفرة لكن إلى حين وفي السادسة مساءً سبحت المدينة في ظلام دامس

 

كانت المعضلة الأكبر هي الإتصالات فبدونها كيف يمكن الوصول إلى زعماء الإضرابات ومعرفة مطالبهم وإذا جرت تلبيتها فمن وكيف سيعلن ذلك؟ إنه حقاً حوار الطرشان.

 

في محاولات محمومة بحثت محطات التلفزيون ال أي بي سي وسي بي أس وال أن بي سي والفوكس وغيرها عن مركز الإضراب الهائل المنظم ومن نظّمه وتوصلت شيئاً فشيئاً من خلال تتبع المصادر من السائقين في شركة تجهيز النقود أن زعيم الإضراب ومطلق شرارته هو تشارلي دبليو ستيد وتوصلت بسهولة أنه كامن في مزرعة منعزلة في أطراف الولاية حيث يوجه من مخبئه هناك الإضراب الرهيب

 

3

 

كان المنظر أمام بوابة المزرعة مثيراً ومدهشاً.

 

كانت هناك العشرات من السيارات وسيارات النقل التلفزيوني والمصورين.كان أول من شاهد ذلك بيتر أصغر أولاد تشارلي ،عاد مسرعا لأمه وأخبرها بالأمر وسرعان ماكانت العائلة كلها في الخارج تستطلع الأمر وهالها ما رأت.

 

تقدمت كارولين لتستطلع الأمر فكان الجميع يسألون عن تشارلي دبليو ستيد قائد الإضراب!

 

ذهلت كارولين خصوصاً وأن تشارلي كان لا يمكن أن يخفي عليها مثل هذا الأمر الخطير.

 

عادت وهي تجرجر خطاها متعجبة أن تشارلي يعمل في السياسة ويخطط لمثل هذا الأمر وبسرية تامة.هذا مستحيل.

 

أفضت بسرعة ولهوجة لأخيها والعائلة بالأمر فذهل تشارلي وقال مندهشاً هل فعلت كل هذا وأنا لا أدري؟

 

قال لأخته عودي وأخبري الجميع بأنه يريد التحدث داخل البيت مع ممثل شركة سي بي أس الإخبارية على إنفراد وهذا ماحصل.

 

دخل الرجل وجلس مع العائلة في المطبخ حيث كانت العمة كارولين تعد طعام الغداء وهناك سأله تشارلي عن الموضوع فأفضى له بسير الأحداث من الألف إلى الياء

 

كان الأمر أكثر من مذهل ومخيف.

 

كان ذهن تشارلي في هذه الأثناء مشغولاً بكيفية معالجة الأمر وقد وضعه القدر في هذا المأزق الخطير.

 

طلب من الجميع الإختلاء بزوجته وأخته لدقائق.

 

قلب الأمر على عجل معهما فمن المحتم أنه فقد وظيفته وإتفقوا جميعاً أن أسوء الأوضاع هو مجيئ العائلة إلى المزرعة والسكن في الكوخ القديم الذي كان يعيش فيه والداه بعد ترميمه وإصلاحه.

 

لم يقل لهما حينذاك كل ما كان يدور في باله.

 

قال لهما أن يذهبا لأنه يريد أن يكتب شيئاً يعطية لممثل الشركة.

 

عاد تشارلي وفي يده ورقة مكتوبة أعطاها للسيد مارتن كلارك وكانت تحوي الآتي

 

تتعهد محطة سي بي أس الإخبارية مقابل أن يقوم السيد تشارلي دبليو ستيد بتزويدها حصراً بكل المواد الإخبارية المتعلقة بقضية الإضراب وأسبابه وطرق معالجته بما يلي

 

أولاً : إيداع مبلغ نصف مليون دولار بالحساب الخاص بأولاده لضمان حياتهما المستقبلية ودخولهما الجامعة ويرد المبلغ إذا بقى تشارلي دبليو ستيد بوظيفته

 

ثانياً : دفع جميع المصاريف القانونية ومتعلقاتها إن جرت محاكمات لتشارلي وأي من زملائه فيما يتعلق بقضية الإضراب مباشرة أو بشكل غير مباشر.

 

ثالثاً : توفير حماية خاصة للمزرعة على مدار الساعة.

 

رابعاً : نشر المقابلات التلفزيونية إلى سكان نيويورك بكافة وسائل النشر الممكنة بسبب تعطل الطاقة الكهربائية وبالتالي البث التلفزيوني.

 

سلم تشارلي الورقة إلى السيد مارتن الذي قرأها بدوره ووقعها بصمت بعد أن إستلم تخويلاً من مدير عام الشركة التلفزيزنية عن طريق الفاكس ووقعها كذلك شاهدان من المصورين.

 

جرى ترتيب غرفة الجلوس على عجل لتكون مكان التصوير وهكذا دارت عجلة الأخبار من جديد.

 

ما عزم عليه تشارلي كان رهيباً.

 

وما كان رهيباً أكثر هو أن الملايين في جميع أنحاء الولايات المتحدة بدأوا بالإستماع على الهواء مباشرة لتفاصيل متعددة ومفصلة هالهم أن يسمعوها.

 

لقد قرر أن لا يقول للإعلام أن الأمر غير مخطط له، كما قرر أن يحاول إقتناص الفرصة لأكبر مكاسب ممكنة للجميع وليكن ما يكون.

 

صحيح أن تشارلي لم يكن له شأن بالسياسة والنقابة وأي تنظيم أو حزب آخر لكنه كان مجنوناُ ومهووساً بجمع المعلومات عن الشركة التي يعمل فيها ،كيف تدار؟،المصاريف والأرباح ؟ تحركات وعلاقات صاحب الشركة وعائلته ؟ الجهات التي تقدم لها الشركة الهبات التي تنزل من الضريبة ؟

 

تجمعت لديه خلال السنين العشرة التي قضاها هناك معلومات كثيرة وهامة لكن أثمن ما حصل عليه هو نسخة غير نهائية أي مسودة لملخص  الحسابات النهائية للشركة حيث جرت العادة أن يقوم هو أو أحد زملائه بإخراج نفايات الأوراق المجموعة في منطقة إدارة الشركة في الطابق الأول عند عودتهم صباحاً.

 

وفي إحدى الصباحات وكان هو المكلف بهذا العمل وعند مروره بغرفة كبير مدققي الشركة إسترعت إنتباهه المسودات المتروكة المهملة فأخذها على عجل ودسها في جيبه.

 

عدا عن ذلك كان تشارلي قد نُسّب قبل خمس سنوات ولفترة ثلاثة أشهر كمساعد لرئيس السواق الذين يخدمون صاحب الشركة كبديل لسائق أجرى عملية جراحية وهناك تعرف عن كثب وعرف الكثير من الحقائق المذهلة وبالتفصيل وأدرك تماماً أن الحياة المرفهة الخيالية التي يعيشها أصحاب الشركة هي بشكل أو بآخر من أموال الضرائب التي كان ينبغي أن يدفعوها وهذه جريمة لا أكثر ولا أقل وأن القوانين الذي تتيح لهم أن يفعلوا ذلك هي الجريمة الحقيقية.

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014