• Default
  • Title
  • Date
الجمعة, 08 تشرين2/نوفمبر 2013

واقعة كربلاء بين الاسطورة والتاريخ

  عزيز عربي ساجت
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

 

تاتي قيمة دراسة او معرفة الاسطورة في تراثنا القديم واهميتها ، باعتبارها جزء من تراثنا ومكملا له ، وفي الجانب الذي لم يحظ بادنى قدر من الاهتمام ، ازاء صدور الحكم عليه باللامعقول  بالتضاد مع مفهوم العقلانية والمعقول .

فالاساطيرMythos   في الفهم الكلاسيكي ، عبارة عن مجموعة خرافات واقاصيص وهي اشتقاقا من  ( سطر الاحاديث ) ، وموضوعها ، اضافة للالهة الدالة ، وتتناول الابطال الغابرين وفق لغة وتصورات وتاملات واحكام تناسب العصر والمكان الذي صيغت فيه ، وشكل الانظمة ، والمستوى المعرفي السائد انذاك ، وهي في الوقت ذاته تشكل ثقافة عصرها ، بحيث تبدو ذات خصوصية تربطها ببيئتها ومجتمعها ، بحيث يمكن من دراستها استقراء التاريخ الاصدق لزمنها ومكانها . وعادة ما نجد في الاساطير مشاعر انسانية راقية ، واحاسيس ، ومواقف ، تطلعنا على فلسفة الانسان في الوجود ، وعلى محاولاته الفكرية الاولى ، والتي تتضمن خلاصة تجاربه وماضيه ، اذا فان الاسطورة تعتبر تسجيلا للوعي الانساني واللاوعي في ان معا . 

يقول رولان باتور في كتابه الاساطير : ان الاسطورة ليست بمعنى الخرافة ، فللخرافة تعريفها الخاص بها وانها حسب تعريف رولان باتور ، هي نمط من كلام مؤلف من مادة مطروقة من قبل على نحو يمكنها ان تجعل هذا الكلام لائقا بعملية الاتصال .. اي تحويل ما هو غير طبيعي لطبيعي ، جعل كل ما هو مخالف للموضوعية امرا طبيعيا وبديهيا ... فالاسطورة تمنح العارض الطبيعي مبررا طبيعيا ، وتجعل الحدث المؤقت كما لو كان خالدا ابديا . 

 ان للاسطورة دور كبير وارتباط مؤئر بالاحداث التاريخية ، إذاً لابد لنا من دراسة المسببات والدوافع الاساسية لهذه الواقعة المؤلمة ،  لو نظرنا لاسباب الصراع الحقيقي لرايناه  نتاجا لجذور قبلية وجذور سياسية مختلفة  ، فمن الطبيعي ان تتجسد تلك النتائج كما حدث في التاريخ وتماهيا مع هذا الاسلوب ينقسم العالم الاسلامي الى كل تلك الفرق المتعددة  اعتمادا على طبيعة تلك المقدمات ذات النتائج المحددة مسبقا ، لذا فان فكرة العصبية القبلية ، تلك الفكرة التي حاول التاريخ تحييدها في كثير من المواضع ولكنه في النهاية لا يجد غيرها حتى يستخدمها . لان التاريخ في تاسيسه يتعامل مع الاحداث بنفس المنهج الديني ذي الخط التصاعدي من بداية لفناء ، وتمثل تلك النظرة عائقا حقيقيا في تعامل التاريخ مع كل الفتن والثورات ، خاصة فيما يتعلق ما بين السنة والشيعة ، والصراع الذي دام طويلا على السلطة ، وكانت الغلبة للسنة ، اوقات كثيرة ومحاولة كل منهما انتاج رؤية للاخر من منطلق ثنائي بحت ، فالمؤرخون يردون الثورات في التاريخ الاسلامي من اتجاهين فقط الحق والباطل ، وكان كل التمردات وحركات الفرق الاسلامية وانتاجها الفكري ، والغليان الذي ساد التاريخ ، لا يعرف الا خطى الكفر والايمان . 

يعزوا المقريزي هذا الخلاف الى عامل بايلوجي بحت فيقول : ان كلا من هاشم وعبد شمس كانوا توأمين ، وقد التصق اصبع عبد شمس بجبهة هاشم ، فرقوا بينهما بالسيف ، مما كان ايعازا بسيل الدماء بينهما . وقد ذكر المفكر الاسلامي الايراني مرتضى مطهري في تفسيره لهذه الحالة فيقول : ان لبني هاشم الزعامة الدينية ، ولبني امية التجارة ورئاسة القبائل والعلاقات السياسية ، فمن الطبيعي ان تختلف ارائهم فيما بعد ، وذلك امتدادا لتلك النظرة التاريخية للامور بخلق اسس للنزاع على كل المستويات .

يقول الاستاذ اسحاق النقاش في كتابه شيعة العراق : لا يوجد حدث في التاريخ الاسلامي لعب دورا مركزيا في تحديد هوية الشيعة مثل استشهاد الحسين ورفاقه في كربلاء .

ان زحزحة فكرة الصراع السني الشيعي من مجرد العصبية ما بين بني امية وبني هاشم ، نحو الجدلية الاجتماعية التي تثيرها وتنشطها كل جماعة بشرية عندما تريد استبدال نظام من التسويغ والشرعية .

فطه حسين في كتابه ( الفتنة الكبرى ) يرى انه نموذج الصراع بين اهل العراق واهل الشام ، انما هو ناتج عن اهل الشام واهل العراق ، عرب لم يبرأوا قط من العصبية الجاهلية ، لم تجد بدأ من ان تقدر تاثير هذه العصبية في وصف ما كان للقبائل من بلاء في الحرب وموقف في السلم .

وهناك من يرى ان لبني امية الحق في الخلافة في الاساس فيقولوا : عجبأ لاستكثار الناس ولاية بني امية ، واول من عقد لهم الولاية رسول الله ، واستنادا الى تلك النظرة الانتقائية فان النبي استكتب معاوية بن ابي سفيان على وحيه ، حيث يلاحظ ما كتب على ابواب بغداد : بان مدينة السلام دار الخلافة  ، خلافة بني العباس بينهم وبين بني امية ، وخير الناس منهم معاوية خال المؤمنين وذلك لان معاوية اخو ام المؤمنين ( رملة بنت ابي سفيان ) الشهيرة بام حبيبة .

فبالرغم من الخلافات الاصلية ما بين بني العباس وبني امية , نجد هناك ذكر لمعاوية من على مساجد بغداد ، فيقول احمد ابن حنبل الداعية الاسلامي ومذهبه المعروف ، انه ادخل يزيد بن معاوية في كتابه ( الزهد ) وان يزيد كان يقول في خطبه : اذا مرض احدكم مرضا فاشفي ثم تماثل ،  فلينظر الى افضل عمل عنده فليلزمه ، ولينظر الى اسوأ عمل عنده فليدعه ، وهذا ما يدل على انه كان من الزهاد من الصحابة والتابعين الذين يقتدى بقولهم ، اذا فان العداء كان بسبب العصبيات القبلية الموروثة واثارتها مجددا بحسب الظروف التي مرت بها الحالة الاسلامية والتي وصلت الى حد التناحر الدامي بين الطرفين .

في حادثة ذكرت ان ابا سفيان دخل يوما على عثمان بن عفان حيث صارت الخلافة له وهو ثالث خلفاء الراشدين ، فقال صارت اليك بعد تيم وعدي .. اجعل اوتادها بني امية فانما هو الملك ، وما ادري ما جنة ولا نار ، فصاح به عثمان ( قم فعل الله بك وفعل ) . وكانت تلك الحادثة  هي بداية الصراع الفعلي بين بني هاشم والامويين ، فهناك رأي اخر او وجهة نظر لابن خلدون فيقول : ( ان قريشا كانت مؤيدة ليزيد لان عصبية ( مضر ) كانت في قريش ، وعصبية قريش كانت في عبد مناف ، وعصبية عبد مناف انما كانت في امية ، وكانوا قد نسوا امر العصبيات القبلية اول الاسلام لانشغالهم بالخوارق وامر الوحي ، الا انها عادت اول موت النبي .

لقد كتب برناد لويس في هذا الشان فيقول : ان هجرة النبي من مكة ، الى المدينة كانت نقطة تحول كبرى في وضعه من متمرد على الوضع السائد انذاك الى رجل دولة ، وعند موته كانت الدولة التي انشأها تتحول الى امبراطورية ، حيث كان الخلفاء الاوائل : يجمعون صفتي الرئيس الديني والسياسي معأ بتسمية واحدة وهي ( أمير المؤمنين ) يختارونه من بين صحابة النبي ، وقد بدات الاعتراضات السياسية من تلك الفترة . فان الشيعة كانت تقول بخلافة على ، وهو ابن عم النبي وصهره ، زوج ابنته فاطمة ، وله بيعة غدير خم ، وبالعكس من ذلك كان جزء من المسلمين يعتقدون ان الخلفاء يجب تعينهم ، بينما (الاباء المؤسسون ) للشيعة ومؤيدوهم كانوا يميلون بالاحرى الى ارساء شرعية سلالية ، معتبرين ان الخلفاء يجب ان يختاروا من عائلة النبي . فالامام علي اعترض منذ البدء على عثمان كخليفة وقد قتل في عام 661 م ، من قبل ابن ملجم ، وابنه  الحسن لم يكن يطمع بالخلافة وعمل صلحا مع معاوية , ولكنه مات مسموما , اما الامام الحسين فلم يقبل بتخلي اخيه في العهد الذي قطعه على نفسه ازاء معاوية ، خليفة النبي على رأس الجماعة الناشئة ، فترك دمشق ليلجأ الى مكة ، ومنها رحل الى العراق ، ليلقي حتفه في واقعة الطف في كربلاء .

فواقعة كربلاء الحسين في تقييمها التاريخي بعيدا عما تحمله من دلالات فلسفية وفكرية ، تحمل محاولة لعدم تكفير بني امية ، وانهم كانوا على حق والحسين على خطا ، وكل ما تم له نتيجة طبيعية لخدمة الجماعة وشق عصا الطاعة . فرغم كلا الخطابين الحسيني والاموي ناتج عن بيئة ثقافية واحدة ، فأن فكرة الثنائية الحاكمة للمنظومة التاريخية ، هي حاكمة لكلا الرؤيتين , في ذات الوقت ، سواء السنة او الشيعة او غيرهما من الفرق الاسلامية ، سواء كانت الاجتماعية منها او الفلسفية الدينية ، فمفهوم الجماعة او الفرقة ينتج دائما رؤية للذات والاخر ، اعتمادا على نظرة دينية تاريخية في علاقة جدلية .

ان ناقل النص الاصلي لواقعة كربلاء هو – لوط بن يحيى بن محنف – والمكنى بابي محنف وهو عراقي الاصل من اهل الكوفة ، وكان ابوه من اصحاب الامام علي ، وتحدث عن موقف ابن الزبير والعداء الذي يكنه للامام الحسين وقد اعطى تبريرا لهذا على المستوى السرد التاريخي ، فالزبير بن العوام  قد قتل امام انظار الامام علي بن ابي طالب في موقعة الجمل بل ان عبد الله نفسه قد شارك في تلك المعركة ضد الامام علي والد الامام الحسين ، فمن الطبيعي اذن ان يستمر التاريخ ، وتتبدل نماذج العداء بين الزبير وعلى الى عبدالله والحسين .

ومن المفارقات الغريبة  التي حدثت في هذه الواقعة الاليمة ، ان يزيد بن معاوية بن ابي سفيان قد استشار مولأ لمعاوية والقصد من المولا : كلمة تطلق على كل ما هو غير عربي ، وهذا المولى اسمه ( سرجون ) يقال انه ذو اصل فارسي وقسم يقول انه رومي الاصل ، وقد اشار على يزيد ما اشار اليه برأي معاوية الذي امره قبل موته بتولية عبد الله بن زياد بن ابي سفيان واليأ على الكوفة ويضمها الى البصرة التي هو كان عليها ، وبالفعل فعل يزيد بنصيحة سرجون ، ويامر بايقاف هذه الفتنه باي شكل من الاشكال ، وبتوليه كان سببا لتلك الماساة الدامية في واقعة الطف . يلاحظ هنا دور الموالي في هذا الحث التاريخي ، فقد صنع سرجون هنا مفصلا هاما في الحكاية ، وباشارته لتولية عبد الله بن زياد الذي سيكون سببا لتلك الماساة الدامية فيما بعد , وكانت الهدية التي منحت له هي ابقاء علي بن الحسين (زين العابدين ) على قيد الحياة لكون امه فارسية ، ويعتبر علي زين العابدين له انتساب الى الملك يزدجرد اخر ملوك الفرس والذي تزوج الحسين ابنته وكان اسمها ( غزالة ) تاكيدا على فارسية زين العابدين والائمة من بعده .

يقول الاستاذ حسن العلوي في كتابه : الشيعة والدولة القومية – توجد هناك اربع نظريات لتحديد زمن ظهور الفكر الشيعي لا يتعدى فيها عن سنة 61 للهجرة ، فيما يقول فقهاء التشيع انه ظهر في ايام النبي ، والتشيع عربي المولد والنشأة ، وتقول الاحاديث  ان النبي قال ( الامامة في قريش ) ، والذي يعني (عروبة الخلافة ) . يبدوا واضحأ ان الحركة الشيعية ، كما يقول الدكتور محمد عمارة في كتابه (فجر اليقظة القومية )– بدت حزبا عربيا واستمرت كحزب عربي ، ولم تكن يوما من الايام حركة شعوبية للعناصر غير العربية ، في مواجهة العناصر العربية التي كانت مسيطرة في ذلك الحين , ومع اتجاه سير الفاتحين العرب نحو الشام والعراق وبلاد فارس سارت القبائل العربية التي تشيعت لعلي ، وكانت الكوفة ( وهي ثاني مدينة بنيت بعد البصرة بعامين ، وهي بجنب مدينة الحيرة  التي انشأت 240م على يد عمر بن عدي اللخمي ( من بطون اليمن ) على نهر الفرات في جهة  الفرات الاوسط ، الوارث للتراث الحضاري البابلي السومري ، وتقع مدينة  الكوفة على الجانب الغربي من نهر الفرات ، وكان القصد من انشائها للاغراض العسكرية وهو لبعد استراتيجي ارتأه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وتحت قيادة سعد بن ابي وقاص ) ، والتي مصرها عمر بن الخطاب عام 17 للهجرة اولى المدن التي قامت حولها القبائل العربية الشيعية ، ولم ينتشر التشيع في ايران في تلك الفترة ، فكانت ايران سنية المذهب باستثناء قم ونصف من مدينة الاهواز ، حتى ان اهل اصفهان يغالون في حب معاوية حتى اعتقد بعضهم بانه نبي مرسل حتى اوائل القرن السادس عشر الميلادي ، حتى ظهور الدولة الصفوية ثم تحويل الدولة الايرانية الى مذهب التشيع . 

وتبقى واقعة كربلاء الرمز وشعارها المشهور ( هيهات منا الذلة ) درساً مشهوداً وتجسيدا لمعنى التضحية والايئار ..

المصادر:

هادي العلوي – في التاريخ والتراث / ط1 /1997 – دار الطليعة الجديدة / سوريا – دمشق .

-رولان باتور – اساطير – ترجمة سيد عبد الخالق / 1995- الهيئة العامة لقصور الثقافة – مصر العربية – القاهرة .

-د.عبد الهادي عبد الرحمن – التاريخ والاسطورة / ط1 /1994م – دار الطليعة – مصر – القاهرة .

-سيد محمود القمني – الاسطورة والتراث / ط2 /1993 – دار سينا للنشر – القاهرة .

- حسن العلوي – الشيعة والدولة القومية / ط1/ 1426 هجرية – دار النشر – روح الامين – بغداد – العراق .

- د. عبد الهادي عبد الرحمن -  التاريخ والاسطورة / ط1/ 1994م – دار الطليعة – مصر – القاهرة .

- فرانسوا تويال – الشيعة في العالم – نقله عن الفرنسية نسيب عون / ط1/ 2007م – دار الفارابي – بيروت – لبنان .

- اسحاق النقاش – شيعة العراق – ترجمة عبد الله النعيمي / ط1 /1996م – دار الهدى للثقافة والنشر – سورية- دمشق .

- حسن العلوي – عمر والتشيع – ثنائية القطيعة والمشاركة / ط1 /2007 – الناشر- دار الزوراء –لندن / - سورية – دمشق .

- علي عبود المحمداوي – الفكر الشيعي المعاصر – الاصدار الاول / 2009م – الناشر – دار صفحات للدراسات والنشر- سورية – دمشق .

- سليم مطر- مجلة ميزوبوتاميا- موسوعة المدن العراقية – العدد 5-6 تموز/ 2005 م – طبعت بمطبعة ايلاف – بارك السعدون – بغداد- العراق .

                         اعداد : عزيز عربي ساجت

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014