• Default
  • Title
  • Date
الجمعة, 08 تشرين2/نوفمبر 2013

عبد الجبار عبد الله والروح الحية للعراق

  اسماعيل زاير
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

 

سيبقى اسم العالم العراقي المندائي الميساني الكبير، عبد جبار عبد الله  خالداً في ضمائر العراقيين إلى الأبد، بينما ستنثر ذكرى الفاشست وستتلاشى بقاياهم من الذاكرة الوطنية . تماماً كما قال الجواهري العظيم عن عبد الكريم قاسم : باقٍ وأعمارُ الطغاةِ قصارُ .. مثل هذا القلب النابض بحبِّ العراق وشعبه ومثل هذه الروح العلمية الفريدة والذكاء الوقّاد لا يليق إلا بالعراق الذي نفتخر به ونرفع رايته . فماذا لو أغمضنا عينينا وفكّرنا ما الذي سيحدث لو كان عبد الجبار عبد الله لبنانياً ؟ أو مكسيكياً او أميركياً ؟ . أي اننا سننظر إلى شعوب تلك الأمم وهي تجد إبداعا واحدا من أبنائها يفيض نوراً وعلماً على ما حوله .. ولكننا ونحن نعود الى عراقنا الحبيب، عراقنا المجروح .. عراقنا المبتلى فنرى أن هذا الشخص ذاته كان يوماً ما سجيناً أو معتقلاً لدى قطعان الحرس القومي الذي أسسه البعث الفاشستي في العراق، عندما تسلم السلطة بالإنقلاب الممول أميركياً كما تبرهن الوثائق الرسمية ؟ . هذا العالم الواسع الإحترام والمتعفف عن أي وظيفة أو جاه أو منصب والمستقل عن كل حزب أو جماعة قتلته وطنيته وإخلاصه . ولكن ماذا بشأن الذين اعتقلوه ؟ إنهم نفسهم أصحاب السكاكين الطويلة التي قشطوا بها أجساد مخالفيهم في الرأي .. تماماً كما نصحهم ساطع الحصري ذات يوم، عندما وصف لهم الأفكار الجديدة والقيم الجديدة للعالم الحر بوصفها مايكوباً يكمن في أجساد البشر، وخير حل له هو إعدامهم .. عن إهانة العالم الكبير عبد الجبار عبد الله يتحدث أحد تلامذته في كلمات تخترق القلب كما السكين، ويقول : حدثني الأستاذ الفاضل طالب محمود علي ( خريج جامعة لندن بمرتبة الشرف في الرياضيات ), و كان الاستاذ طالب أحد الذين اعتُقِلوا أثناء انقلاب 8 شباط 1963 الدموي , و قد حُشِر في إحدى الزنزانات الصغيرة التي امتلأت بمئات المعتقلين من شتى المستويات . يقول الأستاذ طالب « كنت لا أستطيع أن أرفع عيني في مواجهة عين الدكتور عبد الجبار عبد الله لما لة من مكانة علمية و شهرة عالمية، و كنت اختلس النظرات وأشاهده يغوص في تفكير عميق، ثم تنهمر الدموع من عينيه , في أحد الايام استغليت فترة إخراجنا لدورة المياه و جلست بجانبه . ألقيت عليه التحية و عرَّفته بنفسي. بعد أن توطدت الصداقة بيننا، سألته يوما عن سبب انهمار الدموع من عينيه، قال « كان في قسم الفيزياء الذي ادرس به طالبا فاشلا جاءت مجموعة من الحرس القومي لاعتقالي من بيتي, ميزت منهم طالبي الفاشل بسهولة. 

 

بدلت ملابسي و خرجت لهم, و فجأة ضربني تلميذي راشدي قوي أفقدني توازني, و كدت أسقط على الأرض مع عبارة « اطلع دمغ سز « و لم يكتف تلميذي، و هو الآن الحارس القومي بهذا، وإنما مد يده في جيب سترتي و أخذ مني قلم الحبر الذي اعتز به و لم يفارقني أبدا. قلم الحبر هذا هو من الياقوت الأحمر هدية من العلامة المشهور البرت انشتاين،  استخدمه لتوقيع شهادات الدكتوراه  فقط .و هذا هو سبب حزني و انهمار دموعي كلما أتذكر هذا الحادث. 

 

كيف يمكن أن تغفر لنظام البعث هذه الجريمة ومعها أمثلة أخرى كبيرة، منها ما حصل مع رفعت الجادرجي، المعماري الكبير وابن مؤسس الحركة الديمقراطية في العراق كامل الجادرجي . الذي تجرأت سلطة الفاشست على اعتقاله لمبادلته مع ضابط مخابرات ألقت القبض عليه السلطات البريطانية بالجرم المشهود عندما اغتالوا عبد الرزاق النايف مدير المخابرات الذي تشارك معهم في انقلاب البعث الثاني في عام 1968 ؟ .

 

وقصة العالم الكبير لم تبدأ أو تنتهي بهذا العار الذي يفترض أن يجلل رأس البعث إلى أبد الآبدين . فقد واجهه متآمر آخر، هو محمد نجيب الربيعي عندما عمل ما بوسعه لمنع تعيينه رئيسا لجامعة بغداد في منافسة ثلاثية ضمت عالمنا المحترم مع عبد العزيز الدوري والطبيب البيطري صادق الخياط ، مع ان المنافسة العلمية مالت لصالح العالم الراحل . وأصر الربيعي على رفض تعيين عبد الجبار عبد الله متذرعاً بكل وقاحة بإنتمائه للطائفة المندائية، ولم يقف عن استعمال تلك الحجة إلا عندما زجره العميد احمد محمد يحي وزير الداخلية بقوله : نحن نبحث عن عميد للجامعة وليس إماماً لجامع ..!وحتى بعد اتخاذ مجلس الوزراء قراره بتسمية العالم عبد الله، رفض الربيعي وضع توقيعه البروتوكولي بوصفه عضواً في مجلس السيادة على القرار، ولم يفعل إلا بعد أن هدده الزعيم عبد الكريم قاسم بحل مجلس السيادة وإعادة تركيبه كما يقول الوزير اسماعيل العارف . 

 

إن الحقد الكبير ضد عبد الجبار عبد الله له مرتكزاته في الخلفية الفكرية والتوجهات الثقافية التي يؤمن بها أكثر منه التزامه في حزب او جماعة . فإلى مجهوده العلمي في التدريس والترجمة للمصادر الأساسية التي احتاجها الطلبة، كان عبد الجبار عبد الله نشيطاً على المستوى الثقافي . فقد كان من بين الأسماء التي أسست « جمعية الرابطة الثقافية « في كانون الأول 1943. وعلّق مؤسسو الجمعية آمالاً على انتصار الديمقراطية بمفهومها السياسي والاجتماعي في المحيط العربي. وضمت قائمة المؤسسين إلى جانب عبد الجبار عبد الله، عبد الفتاح إبراهيم، خدوري خدوري، مخلف العبيدي، جمال عمر نظمي، حازم نامق، جميل عبد الله، وناظم الزهاوي ومحمد توفيق حسين، وفاضل حسين وكامل قزانجي وعبد القادر اسماعيل البستاني. وكان عبد الجبار عبد الله من أنشط أعضاء مجلة الرابطة الشهيرة والمهمة. وعملت تلك المجموعة الشبابية النشيطة بأكثر من إطار لتأكيد توجهاتها الثقافية الديمقراطية والتقدمية. دون أن تكون لها طموحات سياسية .

 

وضمت الرابطة أيضاً عدداً مهماً من الشباب المثقف في العراق، منهم: طه باقر، كوركيس عواد، عزيز شريف، حسين جميل، جواد هاشم، وامتد تأثيرها إلى خارج العراق، بعد أن توسعت نشاطاتها، من خلال المناقشات والمحاضرات وتشكيل لجان التأليف والنشر، وتأسيس مكتبة خاصة بها، ثم شركة للطباعة مطبعة الرابطة. التي صادرها انقلابيو 8 شباط 1963، وحولوها فيما بعد إلى مصلحتهم الحزبية تحت اسم  دار الجماهير للطباعة.  

 

الدخول للتعليق

مسابقة المقالة

كمن ينتظرُ موسمَ الحصادِ في حقـلٍ لا زرعَ فيه - فاروق عبد الجبار - 8.6%
مكانة المرأة في الديانة المندائية- إلهام زكي خابط - 3.3%
الدلالة الرمزية في قصص ( امراة على ضفاف المتوسط ) للقاص نعيم عيَال نصَار - عزيز عربي ساجت - 0%
رجال الدين المندائيين بين الاعداد التقليدي والتحديات المعاصرة - الدكتور كارم ورد عنبر - 85.3%
الإباحية في الفن الروائي والقصصي - هيثم نافل والي - 2.5%

Total votes: 360
The voting for this poll has ended on: تموز/يوليو 15, 2014