• Default
  • Title
  • Date
السبت, 29 آذار/مارس 2014

آدم – قصّة من وحي كتابنا المقدّس – كَنزاربـــا-

  فاروق عبدالجبار عبدالإمام
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

فتحَ عينيهِ بصعوبةٍ بالغة؛ فهذه هي المرّةُ الأولي التي يفعلُ بها ذلك ؛ فلقد كان مُنهَكاً من عملٍ فـذٍ لم يَقم به ، ولم يكن بباله أن يقوم بذلك العمل المضني ، لكنه بدل  التفكير بذلك ، جال ببصره في المكان الذي وجد نفسه فيه  فوجد أمامه قبّةً زرقـاءَ تُحيطُ بالمنظرالذي يمتدُّ  في كلِّ الإتجاهات ضمن الأفقِ الرَّحبِ لمدى بصره ، كان مُمـدداً على ظهره .وبدأ بأول محاولاته ؛ ليعرف من هو وما هـو وأين هـو ...!

 حرّك جسمَه ؛ فأستجاب له ؛ فقعد على مؤخرته ونظر : بساطٌ يكادُ يكون أخضرَ أو أسود اللون  ؛ فلم يكن بوضعٍ يُؤهله؛ ليعرفَ الأشياءَ بأسمائها في هذه اللحظة الأولى من حياته  .

 مياهٌ رقراقةٌ تنسابُ بهدوءٍ لا يعكّرُ مسيرَها أيُّ عائق  . هناك الأفق  البعيد ،هناك  أشياءُ تنتصبُ مرتفعةٌ شاهقةُ العلو ، أشياء تكادُ في إرتفاعها  أن تطاولَ تلكَ الأشياءَ المـتناثرةَ في القُبّةِ الزرقاء ، ووسط تلك القبّـةِ الزرقاء ينبعثُ ضوءٌ  يُضيءُ المكانَ  ؛ فيُحيله إلى لونٍ لا يعرفُ كيف يّصفَه في تلك اللحظة التي لن ينساها أبداً ؛ لأنها أولُ نظرةٍ لأبي البشرعلى مملكته  الجديدة ، والتي لا تشبه ما كان فيه قبلَ قليل . أنتبه أبو البشر  لأمرٍ قد غفله لبرهة ؛ فهو الآن يسمعُ أصواتاً مختلفةً عمّا  ألفه  في مكانه الأول ، تنطلقُ من أماكن مختلفة ؛هناك أصواتٌ تأتي من الأعلى وأخرى من خلفه ومن أمامه ومن مختلفِ الإتجاهاتِ ، أصواتٌ لم يألفها من قبل . كـان مرتبكاً حـائراً عارياً لا يسترُجسدَه أيُّ ساتر ؛ وبدأ يتساءل : أين أنا وما هذه الاشياءُ التي تكاد تُطبـقُ على صـدري وتكتم أنفاسي وما الذي أتى بي إلـى هنا ، ومن الذي وضعنـي في هذا المكانِ الغريبِ العجيب . ومن شدةِ الإرهاق ومما عاناه من رحلة حدثت له دونما أن يُستشار، أو يُطلبُ رأيه فيها ؛ لذا فما هي إلا لحظات حتى غفا وإستغرق في إغفاءةٍ عميقةٍ من نومٍ لم يكن يعرفه في موطنه الأول ! .

 

 بعد فترة لم يعرف كم كانت،نهض وهو يرفعُ إحدى يديه إتقاءَ شئ ما آذى عينيهِ وكاد أن يحرقهما . وبدأ في تساؤل   :

 والآن ما هذا الوهجُ الـمتدفقُ من القبّةِ الزرقاء ، وأين ذلك الضوءُ الهادئُ ، وتلك الحبّاتُ المضيئةُ الصغيرةُ  المـنثورةُ في تلك القُبّة ؟    و...ومـاهذا  ؟  هناك  وبالقربِ من قدميّهِ الحافيتين ، كانت أفعى تزحفُ على بطنها بهدوءٍ عجيب ، دون أن تُعيرَ هذا ... الـمخلوقَ الجديدَ الوافدَ لهذا المكان ، أدنى إهتمام أو أهميّة .   طفق حائراً متسائلاً ، لا يعرفُ الإجاباتِ الآنيّةِ عن أسئلةٍ تتزاحمُ في رأسه :  من أنا .....؟ وأين أنا.... ؟ ولماذا أنا وحيدٌ في هذا المكانِ المُوحش . لكن وبعد لحظات أدرك ان المكان الذي هو فيه ليس بتلك الوحشة التي أحسّ بها منذ وهلةٍ من الزمن ؛  فهو بديعٌ يانعُ الخُضرة ، وعاد يتساءل : لكن وما هي  تلك الأِشياءُ البعيدةُ العالية التي تُحيط بها تلك الأشياءُ البيض المتناثرة في القبّـةِ الزرقـاء ،ياترى من أين تأتي وأين تتجه..... ؟لقد كانت الغيوم تنتشر في السماء !

 فجأة نظر إلـى أسفله ؛ هناك شيئانِ طويلانِ يمتدانِ من وسطه ليصلا إلـى شيءٍ أخضر ،كلا الشيئينِ متشابهانِ ينتهيانِ بأشياءَ صغيرةٍ بأشكال مختلفةٍ عن بعضها ،نظراليهما بتمعـن (هو) يستطيعُ أن يحرّك هذين الشيئين الطويلين الممتدين من وسطه حتـى (الأرض ) وبدأ يحاولُ أن يرفعَهما كليهما معاً فسقط على ظهره ،عاد واستـقـام  ،وحرّك إحداهما  ؛ فأستجابت له ، رفعها ووضعها ثانيةً على الأرض ،بعدها رفعَ الثانيةَ وأعادها الـى مكانها وفكّر برهة :  ماذا سيحصل لو أنه وضع( رجله ) في مكانٍ أبعدَ عنه قـليلاً؛ ونفّـذّ فكرتُه حـالاً ؛ فرفع (اليمنى ) ووضعها في مكان يَبعُدُ قليلاً عن موضع جسده فألفى (جسدَه) يتحرّكُ ، ثبّت اليمنى ورفع (اليسرى ) ووضعها بجانب اليُمنى فتحرّك جسدُه كلـُّه  ، ولأولِ مرةٍ إرتسمت على محيّاه علائم فرحة لم يكن يشعر بها من قبل ؛فلقد خطـا (هو) (الخـطوة) (الاُولى) في هذا العالم.

دار ببصرهِ ثانيةً ؛ ليتعرّفَ على ما يُحيط به ، فوجد سهلاً أخضر  ،جبالاً بعيدة ، وأخذ يتحرّك ليجرّب (رجليه ) !

 ماهذا .....؟  شيءٌ لا لونَ له ينسابُ بهدوءٍ ،وبدون أيِّ صوت  ، وتذكّر ذلك الشيء الذي مـرّ بالقرب منه قبلَ قليل انه يُشبهُ هذا النهر، بيد أن هذا أوسع منه ويُمكن أن نرى ما بداخلهِ بوضوح وكأنه مرآة  صقــيلة ، إقتربَ من حافة النهر ومـدّ يده  فأذا بصورةِ  يدهِ ترتسمُ على صفحة الـمـاء؛ سحبها باتجاهه  ،إختفت الصورة ، مـدّ عنقه ورأسه ؛ واذا به يرى وجهـاً  ينظرُ إليهِ من تحت الماء ؛ فجفل لأولِ وهلة  ، إلا أنه أعـاد المحاولةَ ثانيةً بعد هُنيهةٍ  ، بعد أن هدأ وجيفُ قلبِه ؛ كان القابعَ في الماء أسمرالوجه تقريباً ، يعلو رأسَّه شعرٌ أسودُ مُنسدلٌ على كتفيهِ ، في الوسط كان هنـاك وجهٌ ، وفي وسطهِ شيءٌ يُنصّفه و في أسفلهِ فتحتانِ تحتهما شيءٌ مُستعرض غيرَ مُنطبق ،على جانبي الشيء  المنصّف أوفوقه قليلا ، فتحتان تكاد أن تكونا مدورة فيهما شيئانِ مُتحركانِ وفوقهما خطّان أسودان وفي بعض الأحيانِ تنغلـقانِ وتنفتـحانِ ،تُحيط بها شُعيراتٌ رقيقةٌ صغيرة عاد بنظره الى ذلك الشيء المرتفع الذي ينصّف وجهه انه يستطيع أن يفتحه ولكن …ماذا هناك !  ..... في تلك اللحظة نطت من الماءِ سمكةٌ صغيرةٌ  ، قفزت والتمعَ جسمُها النحيلُ تحت أشعة  الشمس ،ورجعت إلى  (الماء) فرحةً غيرَ عابئةٍ  بما حولها ،وبعودتها إرتسمت في الماءِ دوائرُ بدأت تكبُرُ وتكبُر ، واختفت أثناء ذلك صورة الوجه  ؛ لذا مـدّ يده محاولاً إيجاد ذلك المخلوق ؛ فلم يفلح ، بل زادت الدوائر وتعذّر عليه إيجاده .ظل صامتاً مُترقباً  (ظهور) المخلوق ولم يطل إنتظاره ؛  فسرعان ما هدأت الدوائر واختفت ليظهر الوجه بشعره الأسود وذاك الشيء المستعرض الذي حاول فتحه قبل أن تنط تلك السمكة الصغيرة وتعكّر صفو خلوته ، فتح فمه ؛ فكان هناك صفّان من أشياء بيضاء تمتدُّ إلـى الداخل ، كان الضوءُ قليلاً ؛ فلم يستطع أن يتبين إلى أيِّ مـدى تصل تلك الأسنان ، والآن ما هذا الشيء المتحرك بين تلك الأسنان ، إنـه إنـه …… ولم ينتظـر طويلاً ؛ ليعرف ما هـو ، فلقد علم إنه لسان  .

 كانت المعرفة سهلةً  تأتي إليه دونما عناء.

 لكن من المؤسف لهذا المـخلوقُ إنه يشعـرُ بالوحـدةِ ؛ فـهو يائسٌ من خروجِ ذلك المخلوق القابعِ تحتَ الماءِ ؛ ليؤنسَ إحساسه بالوحشة  وليكونَ رفيقاً له  .رجع إلـى الوراء  ، حزيناً بعضَ الشيء ،حائراً غير مقتنعٍ  بما يرى ، ضجراً بعض  الشيء ، لكنه  خطا خطوة  ، وأخرى إنه يبحث عـن شيءٍ ما ، شيءٍ…. شيءٍ ينقصه ، لكنه لم يعرف عمَّ يبحث !  وما الشيء الذي كان يجـدُّ في البحثِ عنه ،  لكنه موقن انه يمكن أن يُبعدَ عنه هذا الضيق وهذا اليأس الذي بات يؤرقه ويقلقه ولم يجـد لـه تفسيراً  مقنعاً و خطا خطـوة وخطوة أخرى ورابعة وخامـسة ،  و... ببطءٍ  ، وبلا مقدمات برز له من خلف شجيرة صغيرة ، من جعله يقفُ بلا أدنى حركة ، ويفتح فمَه دهشةً ،  ويجعل قلبه وكأنه يُريدُ أن يخرجَ من بين أضلعه  ؛ فلقد وجـد ما سعـى إلـى معرفتـه والتعرّف عليه؛  فلـقد وجـــد (شيئاً ) يُشبههُ ، ولكن ذا شعـرٍ أطول، وجسـمٍ أرشـق ، وصدرٍ خـالٍ من الشعر كالذي يغطي صدره هـو ،  ويتوسط ذلك الصدر شيئآن ناهدان شهـــيـّان ، وعلم أنها حـــــــــواء وهـــــــــو آدم  .~~~~~

 

 

 

3\3\2013             

 

الدخول للتعليق