• Default
  • Title
  • Date
الإثنين, 30 حزيران/يونيو 2014

لقد أصبحتُ كشجرةِ أرزٍ سـامقةً تُحيطُها الأشواك

  فاروق عبدالجبّار عبدالإمام
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

من نصوص كتاب {دراشا إد يهيا } مبروخ ومطروس

 

لاشك في أن إيراد التشبيه لأي موضوع إنمّاالقصد منه هو تقريبُ المعاني التي يُمكن أن تكون بعيدةً عن مداركِ المُتلقّي ؛ فهي بالتالي الوسيلة الأنجع التي يُمكن أن تقودَ إلى فهم المُتلقى بأيسر وسيلة، ومن هذه التشبيهات إخترت التشبيه التالي لأني أعتقد أن فيه من الأفكار الرائعـة ما يُفيد ، ويُضيءُ الفكرَ ؛ لجزالة المعاني ووضوح الهـدف الموجودة فيــه .

((لقد أصبحتُ كشجرة أرزٍ سـامقةً تُحيطها الأشواك ))

لو أعدنا النظر إلى النصِّ السابق سنجد { يوشامن }* والذي كان ملءالعين والبصر ، مُنكسراً مُنطوياً على نفسه ، نادباً حظه وغروره ، غير قادرٍ على الوصول إلى رضا الحيِّ الأزلي والذي جعل لـيوشامن مكانةً عاليةً مُميزة ، إلّا أن هذا الأخير لم يقنع ولم يقتنع بهذه المكانة ؛ فأراد أن يكون في مرتبةٍ أعلى مما هو فيها ومكانةٍ أكثر تميّزاً، دون أن يحسب العواقب ،ودون أن يُدرك إن الحيَّ الأزلي إنما قد وضـع كُـلَّ شيء فـي موضعـه الصـحيح كيلا تختلَ الموازين ؛ فيتطلعُ طامعٌ لما ليس له فيه حق ، ويحسُّ مغبون انه قد حُرم مماهـو حـقه .الحكمة الإلهيه نابعـةٌ من مدبّر هذا العالم والذي بقدرته تكونت العوالم فكيف بـ [ أحدِهـم ] وهو من خلقه وهو من أعطاه تلك المنزلة يتطاولُ على هذه الحكمة الأزليّة ؛فأراد أن يُثيرَ المتاعب لا لشيء إلّا إنه أراد أن { يشدَّ إنتباه الحيِّ الأزلي إليه وليؤكد تفـرده}*1* فكانت هذه الفكرة وبالاً عليه، وجعلته الخاسر الأوحـد ؛ فلقـد أصـبح يوشامن مُبعَـداً عـن عـوالم النور يجترُّ آلام غربته التي لن تنتهي الا إذا غفـر الغفّـار الأكبر ، والذي بإرادته وحـده يكون التكفير عن السيئآت .

وها نحن نجـد {يوشامن} نادماً خاسراً وحيـداً يحمل وحده هموم غلطته التي أوجدها هـو لنفسه والذي كان يقول متفاخراً { ليس هناك من هـو أقوى مني } إلا إنه يتدارك آنفـاً ؛ فيقول{ .. ولكن هل هناك من هو أتعس مني الآن }*2*

هـذا النص الرائع لهـو خيرُ دليلٍ على ما كان يحسُّ بـه يوشامن من تعاسـة وحـزن؛ فبعد أن كان في عـوالم النور ذا مكانةٍ متميزةٍ لائقة ؛ نـجده يقبع عـند باب { سوفات } منفيّـاً مُعاقباً ؛ لانه [ ركب ظهر الغطرسة والخيلاء] * 3*وكنتيجةٍ حتميّـةٍ لهذه الغطرسة وعـدم الإعتراف بفضل الحيِّ الأزلي بوجـوده { فبات ضـوؤه المتكاملُ ظلاماً ، وأفعاله خـاسرة}*4* إذن الرحمة والنقمـة شتاّن ، ضـدّان لا يظهران إلا لمن مَلك القدرةَ على منحها،وإنزالها على من يستحقها ، وهنا كان مانحُ الرحمة تقدّس إسمه ومازال موجودا إن { يوشامن }حينما يخلو إلى نفسه وهـو جالس عنـد باب {سوفات } وحيداً حائراً خائرَ القِوى ولا يجـدُ من يناصره ويُسانده ويشدُّ من أزره ويُرشده إلى الطريق القويم وهـو الذي مُنح التعاليم التي لا حدود لمعرفة مكوناتها إلا بقدرة ملك النور ،إلا إننا نجـده يقول متفاخراً معتداً بنفسه :

{ أنا يوشامن أفكّر في الضوء والوضوح والتفاسير ،اُفكّر في تعاليمٍ لا حـدودَ لها ، تعلمتها من الكتاب الأول ، اُفكّر في الأقوالِ التي وهبـني إياهـا أبي }*5* إذن هـو يعترف إن معرفته ما كانت إلا هبة من من الوهاب الذي لا هبة تدانيها ،إلا إنه وكمن إستفاق من غيبوبة أو حـالة كان فيها خـارج الوعي والإدراك السليم ، و ليبدأبالتالي يتساءل كيف حـدث هذا الامر الشنيع، ولماذا حدث ؛ فهـاهـو يشعر بالحيرة والندم لِما قـد إقترفه بـحق نفسه فيقول : { كيف تجـرأتُ على إثارة هـذا الصراع ؟}*6* وأيُّ صـراع هـذا الذي أثاره ولاحقاً ندِم عـليه ! إنه صراعٌ غير متكافيء ،غير متوازن بين خالق ومخلوق ؛ خالقٍ لـه القدرة على كلِّ شيء ومخلوقٍ ليس له إلا التفكير المحدودالعقيم والذي لا يؤدي بصاحبه إلا إلى التهلكة والخزي المبين ، وإلا فما الذي دفعـه لأن يفكر في { إثارة صـراع } ؛ فالحيُّ الأزلي الموجود عارفٌ بكلِّ اُمور الدنا التي أُوجدت بقدرته وبمشيئته وجعلها تدور وتسير بنظام وانتظام لايتقدم ولا يتأخرمنها شيء الا بإرادته { تجلّت قدرته}فسبحانه وتعالى ماأن{ علم } أن يوشامن {فكّـر} في التعالي والتفرّد حتى أمر : { لتُحجب أعمال يوشامن ، إن يوشامن أصبح من الخاسرين}*7* . الملاحظ إنَّ: مجرد التفكير الساذج كان كفيلا بأن يُطيحَ به ،ويُنزله إلى أحطّ الدركات ، بعـدأن كان في أعلى درجات القرب من الحي الأزلي. وما أن أُنزل {يوشامن} إلى هذه الدركة {حتى بدأضـوؤه يخفت}*8* فلقد قال له رسول الحي العظيم : { إنهض من عرشك واقتعد الارض}*9*وبقوله هذا إتضح ليوشامن عمق الهوة التي قُـذف إليها ،والحضيض الذي اُنزل إليه لأنه أصبح أسيرَ شهواتِ المجد ؛ فلقد قال رسول الحياة { لقد أسرك صراعُ الحياة }*10* بينما كان يضعه في سجنه الذي لن يطلقه منه إلا واهب الحياة والمقدرة . ثم هاهو رسول الحي العظيم يخبره {قـد خيّم االظلامُ على بيتك وستبقى على هذه الحال حتى يُشفقَ عليك الحي الأزلي}11* إلّا أن الرحمة سرعان ما تكون هي المِعول الذي يُهدّم النقمة وبها سيعود { يوشامن } إلى سابق عهده؛فهاهو { أنصـاب زيوا } يتوسل إلى الحيِّ الأزلي كي يَصفحَ عن الخاطئ القابع {عندباب سوفات ، وفي صحن سجنه غارقٌ في التنهدات ؛فبات لا يقوى على التفكير}*12* إذن: من إعـتد بنفسه وقال { ليس هناك من هـو أقـوى منّي}*13*

ينبري من يدافعُ عنه، دون عـلم منه ؛ شفقةً عليه وكيلا يظلُ يرددُ { أنا مُنزلُ الأحزان ، وحـدي أحمل الهموم }*13*ويطلب ( أنصاب زيوا ) من رسول الحـيِّ العظيم { إذهب يارسول الحياة وكلّم ملكَ النور العظيم عن يوشامن الواقف عند باب سوفات ؛ ليمنحـه الصوت المتدفق من فمه حـريةً وأملاً في الحياة }*14 *ويستجيب ملك النور السامي لتوسلات أنصاب زيوا ، ويقرر أن يصفح عن المستغفر التائب الراجع الى الطريق القويم نادماً خاسراً، بيدأن الحي الأزلي المملوء رحمةً ومغفرةً يقول لرسوله { إذهب ليوشامن وثبّت قلبَه ، وقُـل له الحي الأزلي مـن غـرسك ؛ فلن يجعلك وحيداً }*15*

وبعيداً عند باب سوفات يقف يوشامن الغارق في خضـم أحزانه لا يعلم ان رحمةً من سبحانه وتعالى قد حلـت عليه ، وإن الرَّحمن الرحيم قـد غـفـر لـه ما تقدّم من ذنب فنجده يقول:{هـل هناك أحد مثلي تخلّى عنه حتى الأبناء ، ليس ثمةَ أصداءٍ لنداءآتي ، وليس هناك من مُجيب ،{ لقــد أصبحت كشجرةأرزٍ سامقةً تُحيطها الأشواك}*16*أن هذا التشبيه الرائع في صياغته ، الجامع لكل المعاناة التي حاقت بيوشامن في اللحظة التي أحس فيها إنه القوي ، سقط في المحذور نتيجة غطرسته وإعتاده بنفسه ،مثله مثل شجرة الأُرز العظيمة ؛ فعلى الرغـم من أنها شجرة عملاقة مُعمرّةٌ سامقةٌ ،عاليةً مرتفعةً عـما يُحيط بها من أشجار ، متميزةً بشكلها ومتنانتها ، إلا أنها ومع كل ذلك الجبروت الذي تظهر عليه ، فهـي غير مُثمرة ، غير منتجة ، غير معطاء ؛ لذا فانها غـير ذات فائدة وبالتالي هي أقلُّ مرتبة من باقي الأشجار المثمرة ، ومع كل هذه الضخامة والتفرد فإنها محاطةٌ { بالأشواك } يا إلهي كم هو جميلٌ وكم معبرٌ هذا المقطع الذي يصوّر الخيبة التي أوقع فيها يوشامن نفسه فيها ! ترى أي اشواك تلك التي تحيط بهذه الارزة ؟ أهي اشواك حقيقية أم إستعارة اُريد بها التعبير عـمن يحيطون بيوشامن والذين كانوا يحثونه على التباهي والتفاخر وبالتالي يشجعونه على المعصية ، وإبعاده عن طريق الحق ؟ أن أولَ هؤلاءِ العُصاة {النفس } الأمّارة بالسوء والتي كثيراً ما تُشير على صاحبها بغير ما يعتقـد بما وتبعده عن الطريق السوي ويصبح بذلك فريسة سهلة للشيطان الغاوي ؛ بما تُزيّنه له بأنه الأقوى والأجدر ،وبذايكون مُغالياً في تقدير قوته الذاتية .

لقـد كان يوشامن يؤمن؛ لانه مايزالُ صغيراً، وأنه مهما فعل من أفعال ؛ سويّةً كانت أم غير سوية فلن يكون هنالك عقاب على الصغار ؛ { كان أبي يقول إن الحياة العظمى لا تأبه للصغار ، وأن الصغار ليسوا مسؤولين عن أخطائهم وان الآباء لا يكرهون الأبناء }*17* لكنه تناسى إن هؤلاءِ الصغار سيكبرون ويُصبحون آباءً وأمّهاتٍ بدورهم في المستقبل . ومع كل ما بدر منه ، إلا أن الحي الأزلي يُخبره عن طريق رسوله { إن الرحمــة وجدت بعيــداً عن العنف }*18* { إن تفعل خيراً تجـد خيـرا ، وإن تفعـل شراً تجـد الكراهـية }*19* فأي نصيـحة سماوية تلك أوصـلها رسولُ الحياة العظمى إلى يوشامن ومنـه الينا نحن البشر الخطاة والذين لن يسـد أفـواهــنا إلا التراب ، فسبحان الذي خلق الخَلق .

{ والحيُّ مُزكــي الأعمال والنيات ، وإليه نتجه بقلوبٍ خاشعة ، وأفواهٍ ضارعة : قِـنا يارب الأكوان شـرَّ أنفسنا ، وابعد عنّـا الغطرسة وحبَّ النفس ، وامنحنا الهدوء وراحة البال ، وأنلنا ما تشتهي ؛ فسنقبل به في كلِّ الأحوال }

: النصـوص من:

الفصـل الرابع

الفصـل الخامس

الفصـل السادس

الفصـل السابع

الدخول للتعليق