• Default
  • Title
  • Date
الإثنين, 30 حزيران/يونيو 2014

المندائية ... الجوهر والطقوس

  نعيم عربي ساجت
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

ان كل ما جاءت به الشرائع والعقائد الدينية كافة ، يؤكد على ان الدين هو مسلك وطريق يمنحنا قوانيناً وتعاليماً وقواعداً اخلاقية تحد من انانيتنا وتلجم اهواءنا السلبية وتساهم في تهذيب غرائزنا وتربية نفوسنا نحو السمو والارتفاع عن الحيوانية .. لان الله لايريد منا سوى ان نعرف ونلمس مواقع الخير داخل نفوسنا ونهتدي بها في حياتنا ، وان نعالج الخلل والاعوجاج اذا تسلل الى داخل نفوسنا فنرتفع عن الحيوانية الى رحاب الانسانية التي يكون فيها الانسان دائما مع الحق والعدل وبالتالي فهو يحمل مسؤولية مكافحةالخطأ وا لاعوجاج في المجتمع ومحاربة الظلم والتعسف والاعتداء والتهور والفساد .. فـ *الاخيار الصالحون لم يسبقوا الناس بكثرة الصلاة والصوم والتسبيح والطقوس الاخرى ، ولكن بحسن الخلق وصدق التقوى وحسن النية وسلامة الضمير وسخاء النفس ونصح الناس نحو الخير*(1) ، من هذا المنطلق يحق لنا أَن نتساءل ويشاركنا في هذا الكثير من الاخوة المندائيين ، ألا وهو ما الذي اعطته عقيدتنا المندائية العريقة بالامس واليوم للإنسان المندائي ؟ ماهي التوجيهات والإرشادات التربوية والاخلاقية التي غرستها في سلوكه ؟ ان الحقيقة التي لاشك فيها ، هي ان الإنسان المندائي الذي يتحلى اليوم ببعض القيم الاخلاقية وبعض السلوك القويم اكتسبها من مصادر اخرى غير مندائية .. اكتسبها من التعليم في المدرسة والجامعة وكذلك من تأثره بالقيم التي تعارف عليها الناس الذين عاش بينهم وكذلك نتيجة اطلاعه عن طريق قراءاته على آداب وثقافات الشعوب وما جاء في في كتب الاديان الاخرى .. ولكن هذا لا يعني قطعاً أفتقار المندائية الى القيم الاخلاقية والتعاليم الخاصة بإصلاح الإنسان وإرشاده نحو طريق الخير في حياته . ان عقيدتنا المندائية غنيةٌ بالوصايا والتعاليم التي تدعوا الى صلاح الانسان وحثه الى سلوك الطهارة للنفس والإستقامة وعمل الخير للناس ..( إذن . أين المشكلة ؟ .. أين التقصير ؟.. في اعتقادنا بالتأكيد إن الخلل والتقصيرمرتبطان بعدم وجود المؤسسة الدينية الكبيرة ذات الكفاءة التي تستطيع توفير الاساليب والقنوات التي توصل بها تلك التعاليم الى نفوس المندائيين وعقولهم ) .. فكل الاديان في العالم لها مؤسسات دينية مركزية ذات فروع في كل العالم مهمتها نشر تعاليمها وعقائدهاإلاّ المندائية . ان ديانتنا مع الاسف الشديد صارت اليوم لغة نرطن بها عند ادائنا شعائر وطقوس ورثناها عن الاجداد وعن شيوخنا الراحلين رحمهم الله . لقد جردنا المندائية من عمقها الروحي ذو المضامين الاخلاقية التهذيبية للإنسان المندائي ، واختصارها فقط بطقوسٍ بدائية ومتعبة .. نعم ، جعلنا من الديانة طقوساً شكلية لا غير وحتى هذه الطقوس لايفقه منها الفرد المندائي شيئاً وانما يمارسها ويرددها ببغائياً ، ان الغطس بالماء ليس هو الذي يطهر الانسان وانما اعماله الطيبة وسلوكه القويم واخلاقه العالية وعمل الخير للآخرين، فكثيرٌ من المندائيين الاعزاء يغطسون في الماء بالتعميد ويخرجون منه دون أن يتغير منهم شيء لانه يطهر القشر وليس الداخل ، ان مثل هذه المندائية ، بهذا الشكل ليس بإمكانها ان تكون قوة تمنح نفوس المندائيين الإيمان الحقيقي العميق والتطهير لارواحهم قبل اجسادهم . إذن علينا ان نخرج ديانتنا من قبوها المظلم الذي وضعت فيه منذ عهود الإضطهاد الغابرة التي تعرضت لها ، نخرجها الى النور ، الى الحياة المعاصرة ، لتواكب العصر ومتغيراته وتصطف مع الاديان الاخرى بلا وجلٍ او استحياء بل بثقة عالية بحقيقة وجودها التاريخي وسلامة عقيدتها .إذن علينا اذا كنا حريصين على بقاء ديانتنا وسلامة ًكيانها المتمثل بمجموعة الآلاف القليلة من معتنقيها ، ان نبعث فيها روحاً جديدة خلاقة تنتفظ فيها من الجمود والانزواء في الصناديق المقفلة .. تنتفظ بحركة من السطح الى الاعماق الى الجوهر ، فعلينا ان نسعى جميعاً ، رجال دين من كافة الدرجات وكتاب واساتذة متخصصين في التاريخ والاديان والآثار والقانون وكل مندائي غيور يهمه اخراج الديانة المندائية من قبوها المظلم .. والمطلوب الآن السعي نحو تشييد بناء ٍمتكامل ٍمترابط ٍوواضح ٍللعقيدة المندائية انطلاقاً من الفهم الواضح والشامل لكل النصوص التي احتوتها كتبنا الدينية والتي تتعلق بالخلق والنشوء والوجود والنواهي والمحرمات والطقوس .. وكذلك دراسة تاريخ المندائية منذ نشأتها والحقب التاريخية التي مرت بها والتاثيرات التي دخلت عليهاخلال تلكَ الحقب ِ، لِأَن تاريخ المندائية ( دين ومجتمع ) يكتنفه ضباب الغموض ونحن لا نملك ازاء ذلك سوى التكهن والافتراضات ،*و(لا غنى عن تناول الفكر والمباديء والتعاليم بعقلٍ متفتح ٍيستخدم كل ماهو ممكن من طرق البحث والدراسة والتقصي للوصول الى الحقائق الاولية) *(2) . إننا نريد التمسك بكل الحب والاعتزاز بديانتنا كعقيدةٍ تسكن في اعماقنا بشعور ٍعميقٍ وعاطفة ٍروحية يسندها العقل والتفكير السليم والفهم الواضح لمضامين النصوص الدينية وليس مجرد مراسيم طقسية نمارسها وراثةً عن الآباء والاجداد .. نعم ، ان السطحية والاهتمام بالقشور والشكليات دون اللباب هو ما نحصده اليوم ناسين انه توجد خلفها مضامين جيدةٍ علينا اعطاءها الاهتمام الاول ، فالمضامين الهادفة لتهذيب النفوس وتقويمها لخير الانسان وصلاحه وسعادته في الحياة هي جوهر الدين ، كل دين وليس الطقوس والقشور . ولا يفوتنا اتماماً للفائدة في موضوعنا هذا ان نستشهد ببعض الكلمات التي كتبها لنا أخوةٌ مندائيون: ـن *( هدف الوعي الديني والثقافي المندائي المطلوب ... معرفة المنابع الاصيلة للديانة المندائية) *(3) ، *( تيسير الطقوس الدينية وإظهارها بما يتلائم وروح العصر والتأكيد على جوهرها الاصيل المبني على معرفة الخالق وتقويم الشخصية الإنسانية) *(4) ،(مئات السنين من التخلف والجمود جعلت الدين المندائي الذي هوالمعرفة مجرَّد طقوس لا تحمل معانيها الحقيقية ولا تواكب العصر ولا تسمح بالتطور) *(5)( ان دين المندائية هو دين المعرفة والمعرفة لا تقف عند حدود ، اي انه دين التطوروالبحث والتأليف .. والمتعلم العارف متهيمن – مؤمن – اذا ذكر الله ونعمته عليه وهي الحياة والعقل لتكون حياته ذات جدوى وعقله هادياً للخير والسلام وليترك من بعده عملأ تنتفع به الاجيال الآتية )*(6) .
(1) فقيه عربي
(2) الشيخ خلدون ماجد
(3) = = =
(4) = = =
(5) لميعة عباس عمارة (6) -
نشر هذا الموضوع في مجلة الصدى الصادرة في السويد العدد 46- السنة 17- اذار/مارس 2011

الدخول للتعليق