• Default
  • Title
  • Date
الخميس, 21 آب/أغسطس 2014

دعوة لتكريس مندائيات في السلك الديني

  د. قيس مغشغش السعدي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

من أبرز ما تفخر به الديانة المندائية مساواتها بين الرجل والمرأة في الخلق والكيان والحقوق والواجبات . فقد خلقت حواء من طين خلق آدم ذاته وأدخلت فيها النفس (النيشمتا) بفارق أنها أدخلت في جسد آدم أولا ً. كما كشفت المعرفة لهما على السواء. وتحض المندائية على الزواج وسيلة لديمومة وجود الخلق وبه يندمج الزوجان ليكونا جسدان بنفس واحدة. ولم يستثن علماء الدين والمكرسين في السلك الديني من ذلك، بل أن الزواج إلزام لهم الى الحد الذي لا يحق لمن يريد الإرتقاء الى درجة ( كنزي برا) إلا ّ أن يكون منجبا أيضا. ويبرز تقدير المندائية للمرأة في إعتماد إسمها أساسا لإستخراج الإسم الديني لوليدها ذكرا كان أم أنثى و لا يتكامل الإسم إلا ّبذكر إسمها معه. فالإبن ( هيي بر مليحة: يحيى بن مليحة) والبنت ( شادية بث هوا: شادية بنت حواء). ومن تكريم المندائية للمرأة أن أوكل لها دور التربية والرعاية وغرس الإيمان في نفوس النشئ.
وحرمت المندائية الطلاق وحددته بالهجران والفراق في حالات منصوص عليها ولم توص بالزواج بأكثر من زوجة واحدة. فزواج الزوجين يعني إتحاد نفسيهما بنفس واحدة، لذا فإن ما يصيب أحدهما ينعكس على الآخر ويلمس ذلك بشكل بارز في توقف رجل الدين عن تأدية الطقوس الدينية خلال فترة ولادة زوجته ونفاسها.
ولعل أبرز ما تتميز به الديانة المندائية في مساواتها بين الرجل والمرأة عدم حكر الإنتماء للسلك الديني والإرتقاء فيه على الرجل وحسب، بل أن للمرأة كل الحق في ذلك أيضا ً. ولم يسجل هذا الحق مجرد تسجيل في الكتب الدينية، بل أن التاريخ المندائي يذكر حالات عديدة من النساء المندائيات اللائي انتسبن للسلك الديني وأصبحن "ترميدتا " ومارسن تقديم الطقوس الدينية للمندائيين على قدم المساواة مع الرجل. وقد تدرج العديد منهن إرتقاءً الى مرتبة " كنزي برا وريش إمّا ". وهذا يعني أنهن إشتركن في تكريس رجال ونساء آخرين للسلك الديني، إذ من المعلوم أن أحد شروط الإرتقاء الى مرتبة " ريش إمّا " يتطلب من الـ " كنزي برا" أن يقوم بطراسة سبعة من المرشحين لدرجة " ترميدا ".
وفي عرض للسيد أسامة قيس السعدي عن المرأة في السلك الديني المنشور في العدد 17 من مجلة آفاق مندائية والمستند الى دراسة البروفسورة يورن باكلي نقف على قائمة بأسماء المندائيات اللائي تم تدوينهن في تذييلات الكتب الدينية على أنهن كن ضمن السلك الديني. لقد إشتملت القائمة على ثلاثين إمرأة ويمكن أن يزداد العدد بزيادة البحث في هذا المجال. ومن بينهن تبرز أسماء " الكنزي براتا هوا بث دايا والكنزي براتا أنهر كمريتا بث سيمت". أما " هيونا " فهي المرأة الوحيدة التي وصلت الى مرتبة ريش إمّا ومعلوم أن هذه المرتبة الدينية تعد من المراتب المتقدمة والتي يصعب الحصول عليها. وتصل القائمة الى تاريخ بداية القرن التاسع عشر حيث تشير الى " بيبي بث مدلل ". ويشار الى أن جميعهم كن من الناسخات البارزات للكتب الدينية وأبرزهن في هذا المجال " شلاما بنت قدرا" التي تسجل في ميدان البحث في تاريخ اللغة المندائية على أنها أقدم ناسخ للكتب الدينية المندائية. وما يدعم كل ذلك النص الوارد في كتاب " دراشة إد يهيا ": ( طوبى للترميداتا اللواتي إبتعدن عن شرك الروهة وتجنبن النجاسة..) فكلمة " ترميداتا " هنا جمع مؤنت لكلمة " ترميدتا ". أما المذكر فهو "ترميدا" ويجمع على " ترميدي".
وما يؤسف له حقا أن هذا التوجه الذي يظهر تميز الديانة المندائية في تقديرها للمرأة من حيث قدراتها ومساواتها قد توقف بأسباب سيادة ثقافة دور الرجل في مجتمعاتنا وتحجيم دور المرأة. واليوم، لا نأتي بجديد بل نريد أن نعيد ونحيي جانبا أساسيا في ديانتنا منطلقين من أن دعوة لتكريس مندائيات في السلك الديني تتأسس على مبررات ضرورية وكما يأتي:
1- إحياء هذا الحق المؤسس أصلا في الديانة المندائية والذي تم تجاوزه بأسباب سيادة الرجل وتوجهات المجتمع الذي يعيش فيه المندائيون.
2- أنه صفة متميزة قياسا بباقي الأديان. وإن سجـّل التاريخ المعاصر للأم " تريزا " إسهامها الإنساني فإن لنا في المندائيات ما يمكن أن يعيد مجد " الريش إما هيونا " وقدرة " شلاما بنت قدرة " بعد أن أثبتت المرأة المندائية قدراتها الأكاديمية وحصولها على أعلى الشهادات وأرقى المهن. وقد سجلن في المؤتمر الثقافي الأول للنساء المندائيات الذي عقد في قاعة المندي الكبير ببغداد 1993 حضورا مبرزا ومسؤولا ً.
3- وجود إمرأة في السلك الديني سيحيي ويعزز القيم الدينية ويحض الأسر على زيادة الإرتباط بديانتهم، ذلك أن المرأة مازالت هي الأكثر إنشدادا للديانة.
4- مازال الدور الموكل للمرأة كبيرا في تربية الأطفال، وحرصها على ديانتها سينعكس إيجابيا على توجيه أسرتها جميعا. فمعلوم أن التعلم بالإقتداء من أهم سبل غرس السلوك. فإن تعمدت الأم فسيعمل الطفل والطفلة على محاكاتها في ذلك ناهيك عن سحبها للزوج في الحضور والمشاركة.. وهكذا.
5- إقبال النساء والفتيات على التعميد سيكون أكبر على يد " ترميدتا " إمرأة مما سيشجع على الإلتزام بهذه الشعيرة التي تعد أبرز شعائر الإنشداد للديانة المندائية ومنها يمكن أن تنسحب نحو المعرفة وباقي الطقوس.
6- قدرة المرأة " الترميدتا " على الدخول لجميع الأسر المندائية ومجالسة الأمهات وتقبل أحاديثها وتوجيهاتها بضرورات الحرص والإنشداد المندائي في كل ما تحض عليه هذه الديانة من قيم ومبادئ أسرية وإنسانية راقية.
7- تفرغ المرأة قياسا بالرجل سيفح المجال لأغراض دراسة الدين والتعمق فيه وشرحه للآخرين.
8- إشاعة روح المنافسة مع الرجل في المعرفة الدينية وتيسيرها والسعي لإدخالها البيوتات المندائية.
9- إبطال تسمية " رجال الدين " فهي تسمية منحازة وحكرية وإستبدالها بتسمية " علماء الدين/ عالمات الدين. فعالم/ة الدين هو/ هي المتبحر/ة دينيا كما في الإختصاصات الأخرى. وتميزه/ها أنه/ها القائم/ة على إجراء الطقوس الدينية أيضا.
في ضوء ما تقدم، نوجه دعوتنا للشابات المندائيات من أجل المطالبة بحقهن في الإنتساب للسلك الديني المندائي وخدمة المندائية من خلال ذلك بما يحيي الأمجاد ويبرز للجميع رقي ديانتنا وتقديرها لمكانة المرأة ليس في الذكر فقط ، بل حقا مشرعا ومقرا إن تبنته وأصبحت جديرة له وبه. كما نوجه دعوتنا أيضا لعلماء الدين المندائيين من المنتسبين للسلك الديني للمساعدة في هذا الأمر والتثقيف بخصوصه. وندعو أيضا جميع المندائيين لتناوله فهو مدخل نرى أنه سيسهم بشكل فاعل في تحريك المندائيين وشدهم نحو ديانتهم في هذه الأوقات العصيبة منطلقين من أن المرأة هي قاعدة بناء الأسرة وأساسها الرصين.
طوبى إذن للمندائية التي سيسجل إسمها أول " ترميدتا " مندائية في القرن الحادي والعشرين.

الدخول للتعليق