• Default
  • Title
  • Date
الثلاثاء, 23 كانون1/ديسمبر 2014

الماء ... حياة وطقوس

  اعداد / عزيز عربي ساجت / المانيا
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

لقد شغلت عناصر الطبيعة واحداث الحياة الكبرى مثل النار والشمس والماء والريح والولادة والموت والحب .... الخ ، الحيز الاهم والاكبر في مجال الابداع البشري ، ويعد الماء في مقدمة اهتمامات الانسان وعنايته منذ عصوره المبكرة ، والماء هي الينابيع والعيون والسواقي ، النهر الجاري والبحر والمحيط وكل ما يتعلق بها ، فكل شيء حي مبعثه الماء ، وبقاء الانسان مرهون به ودوام الحياة الحيوانية والنباتية مرهونة به كذلك .
اعتقدت البشرية منذ الوهلة الاولى بان الانهار تأتي من منابع مجهولة ولابد ان يسيطر على هذا المجهول ويتحكم بمقدراته أحد الالهة ومن هنا أبتدع الاقدمون أسطورة ألهة الماء او النهر ، واذا كانت قصة الطوفان حقيقية لورودها في الكتب الدينية المقدسة فانها مع ذلك عززت الاعتقاد بقوة أله البحار الاعظم ( نيتون ) الذي يوصف بالقتامة والتقلب ولكنه في الوقت نفسه يتميز بالخصوبة وفق هذه المعتقدات ، فأن نيتون يستعين بحيوانات الدرافيل التي تعمر سلالتها مياه البحار ، ولقد لاحظنا ذلك من خلال مشاهدتنا للفلم التاريخي ( حروب طروادة ) ، وما تمثله الملحمة اليونانية - الاوديسة - للشاعر والمورخ اليوناني فرجيل من ابداع ادبي ، التي تحكي قصة ملك اثيكا – اوديسيوس - ومغامراته في البحار قبل 3200عام ، والدور الكبير الذي لعبه اله البحار ( ابسيدون ) في ارجاعه الى وطنه الام - اثيكا اليونانية ، بعد مرورعقد من السنوات .
وسوف تستعيد ذاكرتنا ايضا نذور المصريين القدامى لنهر النيل ، حيت ترمى العرائس تطيبا لخاطر الالهة واساطير الماء كثيرة ، فهناك مثلا أسطورة ( ديكاليون ) واسطورة (أوليس ) وغيرها وجميعها تتحدث عن امتلاء البحار والمحيطات بالوحوش والمخاطر والفخاخ التي لا يتحكم بها اله واحد بل مجموعة الهة وهكذا كانت كل ظاهرة غريبة او مجهولة تستدعي تفسيرا ... ولان التفسير كان رهن العلم ، والعلم لم يبلغ شوطه النهائي ، فقد كانت الاسطورة تتولى المهمة .
وفي هذه الحالة لا يمكن ادخال الاسطورة في دائرة ( الايتولوجيا - علم تعليل الاسباب ) ونخضعها للمعايير المنطقية والنقد المنهجي الموضوعي كونها قوة حطمت أخر الزمان والمكان كالحلم تماما فهي مرتع خصب للمشاعر الانسانية اللاارادية وتعبير عن وعي الانسان وقدراته الخلاقة ، وتراكمات كمية موغلة بالقدم ممتدة نحو الحاضر ما أمكنها الامتدادة ، ولقد اعتبر ( فريزر ) ان مرحلة الاسطورة متقدمة اذا ما قيست بمرحلة السحر التي سبقها حيث كانت مرحلة الاسطورة ارهاصأ لظهور الفكر الفلسفي ثم العلمي .. وكما تصارع الموجة العرضية عوامل تلاشيها ما امكنها .. فأن الاسطورة ايضا تبقى سابحة في ملكوت الخيالات المجنحات طاردة عوامل فنائها وكل ما يحد من اتساعها حتى يؤطرها من خلال تدوينها وبالتالي مرأة للشعب الذي ابتدع نواتها وللشعوب التي شاركت في صياغتها واضافت اليها من عذريتها .
اما السحر فيعرفه فرويليش : بأنه ( مجموعة من التقنيات التي تسمح للاختصاصي الذي تعلمها بأن يؤثر على العالم المرئي وغير المرئي بفضل سيطرته على القوى المختبئة ) .في الماضي السحيق او الحاضر والامثلة على هذه الحالة كثيرة .
ويرى البعض ان الاعتقاد بوجود هذه القوى الخفية بدأ مع نزوح الانسان من المملكة الحيوانية ، وان وجود هذه القوة كان مرتبطا بقوى غريزية حادة ، وان هذه القوة كانت اكثر نشاطأ عندما كان الانسان متوحشأ منعزلا صيادأ وتضاءل الاحساس بها كلما دخل في اطار الحضارة والتجمعات البشرية والاستقرار ، اي ان السحر هو اعتقاد وتقنية معا ، ولذلك يقوم على وجود القوة الخفية والاعتقاد بها ثم على طقوس تقنية تنفذ ذلك الاعتقاد ، وهذا ما يجعله مختلفا عن الدين الذي هو اعتقاد بقوى غيبية في الكون يجب الايمان بها والخضوع لها ، اي ان السحر يختلف عن الدين في نوعية المعتقد ، فالقوة الخفية في الدين خارجية وتجسيدها كائنات الهية اوكائن الهي هي التي تسيطر على الانسان وترسم له مصيرة ، في حين ان القوة الخفية في السحر تكمن داخل الانسان وان وجدت خارجه فانها تظل مرتبطة به بطريقة ما ، ويمكن السيطرة عليها وتحريك الكون كله بها ، ثم ان الدين يتضمن بالاضافة الى المعتقد والطقس ، الاسطورة ، في حين يخلوا السحر من الاسطورة .
ويحكي ولاس ويدج في كتابه ( السحر المصري ) حوادث خارقة مثل شق موسى مياه البحر وعبوره مع قومه ، التي يرجعها يدج الى حادثة اسبق مدونه على بردية ، كتبت أبان الفترة الاولى من السلالة الثامنة عشر الفرعونية عن الساحر – تشاتشا- ايم- غنج - الذي صنع حائطين من مياه النهر التي كانت على عمق 12م واصبحت على علو 20م ليبحث عن حلية لاحدى نساء الملك سقطت في الماء .
ان هدف الساحر بصورة عامة هو فرض ارادته على الطبيعة والالهة والانسان ، وان الساحر بشكل خاص والانسان بشكل عام يمتلك قوة خفية يسميها ( س ) يصل الانسان بها الى ما وراء الحاضر ، وهي ليست حاسة سادسة بل قدرة عادية من قدرات الوعي التي يرى بأنها مفتاح التجربة الغيبية .
لكن الهدف هو الوصول الى مفهوم علاقة الماء بالحوادث الكبرى في الطبيعة ، حتى وصل الاعتقاد وما يزال الى علاقة الكواكب السبعة المعروفة ويسمونها كالهة ، ويعتقدون ان حوادث العالم كلها من افعالها ، وقد اتخذت تلك الاساطير والخرافات وما خالطها من الطلاسم والممارسات السحرية عدة امتدادات دينية وعرقية خلال مساراتها التاريخية ، وللتامل يلاحظ مثلا ان طقوس التعميد وهي طقوس تنشأ في المجتمعات التي تعيش على ضفاف الانهار الكبيرة كنهر الغانج في الهند ، وكذلك الحضارات القديمة في بلاد الرافدين وبلاد الشام وقد تسربت الى كل من الصابئة واليهود والمسيحية مع كثير من الطقوس والتعاليم الطوطمائية عن طريق الثقافة البابلية العريقة ، ومن الجدير بالذكر من ان الديانة المندائية قد تطورت نحو الاسمى ، واثرت تاثيرا كبير على الديانات الاخرى اللاحقة .
في الاناجيل هنالك عدد من الاشارات والرموز السرية القديمة التي تربط الابن المخلص بالشمس وميلاده بميلادها ، ومنها حادثة اعتماد المسيح بمياه نهر الاردن ، فعماد المسيح هو ميلاده الثاني ، وكل مسيحي يجب ان يولد ثانية بعد التعميد بالماء : ( الحق اقول لكم ، ان كان احد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله ).
اما عن حادثة الاعتماد فنقرا ( حينئذ جاء يسوع من الجليل الى نهرالاردن الى يوحنا ليتعمد منه ، ولكن يوحنا منعه قائلا : انا محتاج ان اتعمد او اعتمد منك وانت تأتي الي ؟ فأجاب يسوع وقال له اسمع الان لانه هكذا يليق ان نكمل كل بر ، حينئذ سمح له ، فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء واذا السماوات قد انفتحت له ، فرأى روح الله نازلا مثل حمامة واتيأ اليه ، وصوت من السماوات قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ) . وفي الحقيقة فان طقس التعميد او الاعتماد الذي كان معروفا في الديانات السرية ، يرجع في اصله الى عبادة اله الماء السومري – البابلي (أيا) الذي يعني اسمه اله بيت الماء ، وكانت طقوس الاعتماد (التعميد ) بالماء تتم في معبده ، بيت الماء ذلك ، وكان البابليون يرمزون للاله ايا بحيوان خرافي نصفه الاعلى لجدي ونصفه الاسفل لسمكة ، كما كانوا يرمزون لبرج انكي السماوي بنفس الحيوان ، وهذا البرج مازال معروفأ الى يومنا هذا ببرج الجدي ، وهو البرج الذي لاحظ البابليون القدماء ان الشمس تدخله وقت الانقلاب الشتوي لتجتازه بعد ذلك صاعدة في دورتها الجديدة نحو منتصف السماء . فاذا علمنا ان الاسم الذي عرف به الاله انكي في الفترات هو (اوانيس ) الذي يلفظ باليونانية ( ايوانيس ) وباللاتينية ( يوحانيس ) وبالعبرية ( يوحنان ) لأدراكنا العلاقة السرانية بين اله الماء انكي ويوحنا المعمدان في الانجيل ، وهذه العلاقة انما تربط في الوقت نفسه بين يوحنا المعمدان الذي يعمد بالماء وبرج انكي الذي تمر فيه الشمس قبل ولادتها الجديدة في السماء ، وبرج انكي الذي تمر فيه الشمس قبل ولادتها الجديدة في السماء ، وتجعل من حادثة اعتماد السيد المسيح انعكاسأ للحدث الفلكي ، فالسيد المسيح بعد اعتماده بماء الاردن على يد يوحنا المعمدان ( يهيا يهانا ) وولادته الجديدة ، يصعد من الماء ويجتازه ليهبط عليه روح القدس بهيئة حمامة بيضاء ، ويكرسه ابنأ للاله وقاهرأ برسالته للظلام ، تماما كما تلد الشمس في يوم الخامس والعشرين من ديسمبر مجتازة برج الماء في ميلادها السنوي الجديد . ومن المتعارف عليه ايضأ ، ففي منتصف القرن الثاني من ظهور الناصري - السيد المسيح - الى تبديل شعار السمكة الذي كان يتعارف به التلاميذ والاتباع على بعضهم لدى المصافحة والذي كانوا يرسمونه على عتبات بيوتهم او يدونونه في مراسلاتهم ، فأحلوا مكانه شعار الصليب الذي لم يزل شعار المسيحيين المتداول ، فمن المعروف بأن يسوع بارك السمك ، لاجل ذلك جعله التلاميذ شعارهم ، كما انه من المعروف بأن الصليب هو اله العذاب حتى الموت المخصص للمجرميين ، والخارجين عن القانون انذاك ، وابدال السمكة بالصليب هو تكريس لانتصار اليهودية على تعاليم السيد المسيح .
وعنصر الماء اهميته العلمية والدينية في الديانة المندائية كونه العنصر الضروري لجميع الاحياء . خلقة الحي العظيم من العالم النوراني وجعل له دورة ثابتة لاستمرار الحياة .
فالمعمودية : هي لفظة ارامية دخلت اللغة العربية واستخدمت بصورة خاصة في اللهجات العامية في العراق وسوريا ولبنان حيث استوطن الاراميون ، والتي تسمى بالمندائية بالتعميد او ( الصباغة) ، والتي هي عبارة عن رمزا للحياة لان الماء الجاري ( اليردنا ) كمطهر للخطيئة الطقسية والخطأ الخلقي ، وفي الميثولوجيا المندائية تعتبر المصبتا طقس سماوي وليست ارضية ، فالمصبتا تمارس من قبل جميع الملائكة حسب المعتقد المندائي في عوالم النور ، لغرض الارتقاء بالعلم والمعرفة الى عوالم انقى والتبجيل الدائم للحي الازلي العظيم ملك الانوار ، بالاضافة على منح الجسم المادي الصحة والعافية والقدرة على المواصلة ويخلص الانسان من قوى الموت ويعد بحياة خالدة ابدية .
كذلك نجدها في الاديان الاخرى في اليهودية و المسيحية و في الممارسات والفكر الديني الاسلامي وفي قوله تعالى : ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ) .
والطهارة كانت موجودة لدى طائفة الاسينيين حيث وجدت الحمامات المرتبة باحواض خاصة باجراء طقس الغطس في الماء الجاري التي هي عبارة عن شكل من اشكال التعميد التي كانت تمارس في اداء هذه المراسيم عند جماعات اورشليم و دمشق وقمران ، كذلك عند طائفة الكأسيين في القرن الثاني قبل الميلاد .كما كانت تمارس ايضا عند طوائف البحر الميت في فلسطين باسم المصبتيين ، بالاضافة الى هناك طوائف اخرى كانت تمارس طقس التغطيس في الاردن باعتباره نهرا مقدسا . وكان يجرى ايضا في العراق في بابل تحديدا وفي مصر .
اما تحليله الكيميائي فهو يتكون من اصرة واحدة من غاز الاوكسجين واصرتين من غاز الهايدروجين وهوعديم اللون والرائحة والطعم ، والذي لايمكن الاستغناء عنه من قبل جميع الكائنات الحية ، ونسبة وجوده في الطبيعة قرابة ثلاثة ارباع الكرة الارضية اي ما يعادل 70% منها .
فالانسان يتكون من نسبة كبيرة منه ، وجعل الماء له مصدر غذاء ، وسخره ليلعب اهم دور واخطره في دفع عجلة الحياة والمحافظة عليها . والماء مع ذلك مكون انسجة النبات والحيوان ، ومن هذه الانسجة نستخرج أطيب الاغذية وانجح الادوية ، وصارت بذلك النباتات والحيوانات من اهم مصادر العلاج الطبيعي ويرجع الفضل في ذلك الى الماء باعث الحياة ، فهو ينبوع الحياة وقوتها وليست الارض بدونه الا صحراء قاحلة ،هذا بجانب كون الماء نفسه دواء وعلاجا طبيعيا لكثير من العلل والامراض ( الماء الجاري دواء يفوق كل انواع العلاج ) كما جاء في الديوان المندائي ( ترسرالف شيالة ).
وكل ذلك يضيف للماء قيما طبية متعددة وفوائد علاجية كثيرة ، فالماء ضرورة من ضرورات الحياة وهو عامل اساسي فيها لا.هذا بالاضافة الى فوائد كثيرة لا يمكن احصائها في كل مجالات الحياة . اما الناحية الدينية فالماء مقدس في جميع الاديان قاطبة القديمة والحديثة ، فهو في مرتبة عالية في الممارسات والفكر الديني الاسلامي ( وخلقنا من الماء كل شيء حي ) ، أي انه اساس لكل شيء حي ، وهذا تقديس كبير للماء ، وفي الديانة المسيحية فالماء عنصر مهم في إقامتها لمراسيم التعميد ولا يستعاض عنه ، ( كما ان السيد المسيح تعمد بالماء الجاري على يد النبي يحيى يوحنا ، فكان لهذا التعميد أثره الخاص بالمسيح وبالكنيسة من بعده ) .اما الديانة اليهودية فالماء عندها مقدس تقديساً كبيراً وهذا يظهر جلياً واضحا في مراسيمها الدينية وفي فكرها ( روح الله يرف على وجه الماء ) .
كذلك الهندوس الذين لهم طقوس كثيرة ومشهورة والمقامة في الماء والذين يرون ان الاغتسال في نهر الغانج ينبغي ان يسبق اي عمل ، كذلك عند ملة السيخ الهندية وقبائل الرام رام في الهند ، وفي القرى القبطية المصرية في صعيد مصر يتجهوا صوب نهر النيل في ليلة رأس السنة الجديدة ويخوضوا في الماء وقد توارثوا هذا الطقس منذ الالاف السنين عن الفراعنة ، وكانت اديان الاغريق تفرض على الفرد طقوسا مماثلة للتخلص من الذنوب والخطايا .
دمتم بخير
المصادر :
- الشيخ الجليل الريشما ستار جبار حلو / دراسة / المصبتا المندائية
- الترميذا علاء كاظم نشمي / دراسة / المصبتا /1
-مصطفى حمودي – من جلجامش الى نيتشه بحث في الثقافة العالمية .
- خزعل الماجدي – بخور الالهة .
- كولن ولسن – الانسان وقواه الخفية .
- فراس السواح – لغز عشتار .
- محمد نمر مدني – انهم يعبدون الشيطان .
- جود ابو صوان – القراءات الملعونة .

 

الدخول للتعليق