• Default
  • Title
  • Date
الأربعاء, 18 شباط/فبراير 2015

النواهي

  فاروق عبدالجبّار عبدالإمـام
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

كتاب دراشا يهيا واحدٌ من أهم مصادر الدين المندائي بعد { كنزاربّـا } وبه نسترشد ؛ لما فيه من نصوصٍ واضحةِ المقاصد ، ولا يُمكن معها التأويل والتحريف . غير خافٍ إنَّ النواهي إنما تصدر من القوي المقتدر إلى المتلقّي مهما كانت صفته طفلاً كان أم إمرأةً عجوزا ، أو كأن يكون باغٍ يتطاولُ على أبناء جلدته ؛ ناسياً أو متناسياً إن هناك عقاب وثواب ، الغاية منها واضحة ؛ فهي تحذير مُسبّق لما يمكن أن يحدث لو لم توجـد مثل هذه الضوابط ، أو أنها لم توضع موضع التنفيذ ؛ فما نفعُ شيءٍ موجود لكنه ممنوع الإستعمال ! إنها ولا شك ضوابط صارمة ، مانعة لأيّ أذى يُمكن أن يطال الآخرين لو لم يتم الإشارة إليها فهي إذن تحذيرٌ وترهيبٌ ، وتذكيرٌ بما يُمكن أن يلحق من ضررٍ بـمن لا يلتزم بهذه الاوامر ، أو النواهي ؛ فهي حثٌّ على إلتزام جادة الصواب والإبتعاد عن المعصية لئلا تكون العاقبة العذاب الدائم والخسران المبين .
من هذه النواهي ما ورد في النص الحادي عشر { لا تزنِ؛ فيثبتُ عليك العقاب ، لا تسرقْ ؛ فتحلّ عليك اللعنة ،لا تنفخْ بمزمار الشيطان ، فتُصبحُ وقوداً للنــار }*
ثلاث أوامر، ثلاث وصايا ، ثلاث تحذيراتٍ متعاقبة متتالية وكلُّ واحدٍ منها يُشيرُ لأمر لايمكن التغاضي عنه ؛ لأنه لبُّ التعاليمِ الدينيّةِ الواجبةِ الإحترامِ والطاعةِ والتنفيذ ، نَهيٌّ عمّا لا يُحمدُ عقباه ، ثلاث نواهٍ ما كان لها ان تكون إلا لأمرٍ جللٍ لا يُمكن التغاضي عنه أو التهاون فيه ، أمرٍ خطيرٍ ؛ فالنهي الأول - لا تزنِ - هـو البداية لآخرينِ-لا تسرق-لا تنفخ- ؛ فأول الثلاثة { *الزِّنـى* } ، والمُلاحَظة التي لابدَّ منها ، إن الكثير من نصوص دراشة يهيا*مبرخ ومطروس* تتحدث عن الزنى بإعتباره أول الموبقات ، وأشدها خطراً بل أنه أول النواهي وأشدها عقوبة وأكثرها مَقـتّـاً ؛ لما تنطوي عليه من مخالفةٍ لأشدِّ المُحرمات الشريعيّة ؛ لذا ستكون العقوبة الأشد والأقسى ، فهي أقصى عقوبة يمكن أن توجـه لمن يقترفُ مثل هذا الذنب . وليس بخاف ماذا يُمكن أن يحدث لو إنتشرهذا الموبق بين البشر كما يحدث الآن في المجمتمعات التي إنتقلنا إليها مرغمين ؛فمما لا شكِّ فيه أن للزنى مساؤه الإجتماعيّة والأخلاقيّة ؛ ففي زمنٍ كان فيه من أعسر الأمور إثبات عائديّة المولود ؛ فلا الحمضُ الوراثي الريبي ، ولا فحوصاتٌ للدم موجودان ،بل كانت العِـفّة، والإبتعاد عن هذا الشرِّ المقيت هي الحصن الذي تتحصن به المرأة ؛ فبالإبتعاد عما يمكن أن يشوبَ العلاقات الزوجية ، إضافة إلى الشبة بين المولود والوالد ، سيكونان عاملين مهمين لما نحنُ بصدده ، إمّا إذا ظهر لون المولود بشكل مُغاير للوالد ، كأن يشبه أحد أبناء أو بنات الجيران ؛ فالويل والثبور لتلك المرأة حتى وإن كانت طاهرةً عفيفةَ الذَّيل ، لكن هيكما نعرف اليوم - الطفرة الوراثيّة - ليس غير ! ولي أن أتساءل هنا : ألا ترون معي إن اللوم هنا يقع على عاتق المرأة وحدها بينما يكون الطرف الأخر وأقصد الرجل أخفَّ عقاباً ،بل غالبـاً ما ينجو مما إقترف ، و يفلت من فعلته النكراء بأقل الخسائر أو بلا خسائر البتّـة ! ولا أجد لهذا الأمر تفسيراً فلستُ هنا بأي منزلةٍ ؛ لأحكم ولأعرف الإجابة عن هذا التساؤل .
غيرَ خافٍ : إنَّ لكلِّ عملٍ يصدر عن البشر إمـا يُثاب عليه أو يجازى بـه ؛ فإن عملنا حسناً ؛ فالثوابُ هو هو الأجر ، وإن سيئاً ؛ فالعقاب هو الجزاء ، وغالباً ما نجـدُ العقابَ أشدَّ قسوة وأكثر ديمومة وكأنه شيءٌ مهما حاولنا أن نُزيله سيبقى ملتصقاً بنا ،كغراءٍ غير مرئي ، وهي في كلِّ الأحوال محاولة لردع الآخرين للإبتعاد عن المعاصي .
ونهيٌّ آخر وعقوبةٌ مُحتملةٌ أُخرى : (لا تسرِقْ فتحلُّ عليك اللعنة ) قد تكون السرقة إحدى الآفات التي يمكن أن يتعرض لها أيّاً منّـا ، وقـد يُمارسها البعضُ هوايةً وتحديّاً للآخرين غير عابئ بالمخاطر التي يمكن أن يتعرض لها ، غير مكترثٍ لما قد يواجهه من عقوباتٍ جرّاء عمله المشين هــذا ؛ فالسرقة هي السرقة إن بدأت بفلس يخصُّ الغير أو بمليار ؛ فليس ثمّة من يُفرّق في اللفظ بين سارق الفلس وسارق الوطن ! لانه*سارق* لص*حرامي* علي بابا*مختلس * مزوّر ؛ لذا فرغم إختلاف التسميات فالمعنى واحـد ، لكن تبقى تسميّة العقوبة حقٌ لمن له إنزال العقوبة المناسبة .
- حسب أعتقادي- إن اللعنة هنا تُعتبر أشد أنواع العقوبات لمن لا يُمسَكُ متلبسأ بالجرم المشهود ؛فيفلت من العقاب الأرضي الوضعي لكنه لن يفلت من العقاب السماوي الرباني .
{ لا تنفخْ بمِزمارِ الشَّيطان؛ فتصبح وقوداً للنار }، ولرّبَّ سائلٍ يسأل: وهل للشيطان مزمار ! أقول نعـم : له مزمارٌ واحد، لكن لهذا المزمار ملايين النافخين ! ولِم العجب - بإعتقادي إن المقصود بــ المزمار هو الإشاعة ! نعم الإشاعة والبلبلة ، التي يُراد من خلالها التشويه والحط من الآخرين ، أو تشويه سمعة شخصٍ ما ؛ إستناداً إلى قول مشبوه أطلقه مَن لم يصن لسانَه ؛ فأطلقها آخـر دون أن يعيَّ، بل أنه قد يزيّنها ؛ بأن يُزيدها ويحرفّها بما يتناسب وطبعه ؛ فاللئيمُ سيوصلُ الكلام بما ليس يعنيه صاحبه ؛ فيزيد ، دون أن يُدرك إنه بعمله هذا سيكون وقوداً للنار، لا أقول حِكَـماً ولا أدعي ذلك ، لكني أقول علينا أن نتوخّى الحذر، ونصون لساننا ونتذّكر المثل القائل {لِسانُك حَصانُك ،إن صنته صانك ، وإن خنته خانك } او نتذكر البيت الشعري القائل :
{ لسانك لا تذكر به عورة إمرءٍ فكلك عوراتٌ ، وللناس ألسنُ }**
ياربِّ قـِنا عذابَ الأرضِ والسماء ، وأخلِّ ضمائرنا مما يُثقلها ، واجعل ليالينا هانئةً خاليةً من الشكِّ فيما سيكون عليه الغد؛ فاللحظة التي نحن فيها الآن قد تكون ملكاً لنا ، لكن ما بعدها ستكون مُلكاً لك وحدك ،ولك ان تقرر أتمنحها أم تمنعها ، نحن رهـن إشارتك ؛ فإن أومأت سنأتي اليك صاغرين طائعين ، ملفوفين بأعمالنا السيئة والحسنة ؛ فلا علم لنا بأعمالنا ؛ لأننا بشرٌمخلوقين من تراب الأرض وإليها نعود مهما إمتدت أعمارنا ، وإن أشحت عنّـا ، ولو لوهلة واحدة سنكون شاكرين ممنونين وبالقناعة متلفعين
أيها الرحمن إيّـاك ندعــو ، ولعطفك نرجــــو ؛ فأنت المُزكّـي للأعمال والنيّات ، وإليك وحدك نشكو ضعفنا ، ونُنيبُ أمرنا ،
أيّها الحيُّ الأزلي


5\4\2005 صنعاء

* من نصوص – دراشا يهيا مبروخ ومطروس
**هذا البيت منسوب للإمام الشافعي .

الدخول للتعليق