• Default
  • Title
  • Date
الثلاثاء, 15 آذار/مارس 2016

الأيام الخمسة البيضاء ( البارونايا )

  د . غسان صباح عطية
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

تمرُّ علينا كالربيع وفي كل عام مناسبةً مباركةً ألا وهي إشراقة (البارونايا) بأيامها النورانية الخمس وهي ذكرى خلق عوالم النور (آلمي دنهورا) وتجلّي عظمة الخالق (م.أ) وأنواره على خلقهِ (بداية الخليقة العلوية أو السماوية)، وهي نورٌ لا يشاطره ظلام ، ونهارٌ لا يقاسمه ليل، ولذلك تجدُنا نصلي في هذه الايام الخمسة صلاة الصباح (قوم قوم بهيري زدقا...الخ) في كل أوقات اليوم، ونُحييّ بعضنا البعض بـ (صباح طابا) ولو كان ليلاً ،ابتهاجا ً بالنورالذي تجلّى على العوالم في هذه الايام النورانية الخمسة.
تتكون السنة المندائية من 360 يوماً (12 شهراً، في كل شهر 30 يوماً مقسمة بالتساوي)، يضاف لها خمسة أيامٍ كبيسة، وهي أيامُ البارونايا المباركة. ولا تحسبُ هذه الايام ضمن ما قبلها أو ما بعدها من الاشهر. وتجدها في التقويم المندائي منفردة وكأنها الشهر الثالث عشر من التقويم، ولكنها في الحقيقة إنها صباحَ يوم واحد بخمسة ايام غير محسوبة بحساب زمننا وتقويمنا الارضي. وأعتقد- كما سنوضح لاحقاً- بأن البرونايا هي بداية التقويم أو الحساب الزمني لعوالم النور. ولأن العيد الكبير (الكرصة) يمثل بداية تقويمنا المندائي، والذي يبدأ بذكرى خلق عالمنا الارضي وبداية لحساب عمره وزمنهِ، والذي يأتي بعد البارونايا، فأن هذا يفسُر سببَ وجود خمس ايام باطلة (مبطلات ثقيلة) قبل الايام النورانية الخمسة، رغم إن النور من الظلام اقدم، وهي في الحقيقة تكون في نهاية السنة النورانية (لو صح التعبير مجازاً) ولكنها جاءتْ قبلها بسبب دورة التقويم، تماماً كمفارقة كانون الثاني الذي يسبق كانون الاول في التقويم الميلادي ولكنه في الحقيقة يتبعهُ لو بدأنا الحساب من شهر كانون الاول.
ولكوننا أبناء النور، والنور هو منبعُ عقيدتنا المندائية فأنًّ هذه المناسبة تعتبرُ أقدسُ مناسبة دينية. وعملية الخلق موضحة في كنزنا العظيم الأسرار (ﮔــنزاربّا)/ القسم الأيمن/ سِفرُ الخليقة ، وفيه يتحدثهذا السِفرُ المجيد متفرداً سارداً أسرارَ البداية ، بأنَ ما يشبه الإنفجار العظيم جعلَ العالم ينبثقُ ويتوسعٌ من الثمرة الأولى :

 

﴿ بأسم الحي العظيم..الأغنى والأسمى،
هذا هو السّرُّ..
هو الكتابُ الأولُ لتعاليم الحي الأزلي
الذي لا بداية له.
الثمر داخل الثمر. والاثير داخل الاثير﴾

كما تقرأون فأن الحيّ أزلي سرمدي لابداية له ، هو الخالقُ ،والخليقة النورانية التي بدأتْ هنا هي عوالم النور السامية (آلمي دنهورا)، والتي بدأتْ كأنها ثمرة واحدة أو كيان متوهجُ واحد ، وحين بدأتْ تنبضُ بالحياة، بدأ توسعها العظيم وانفجارها في السديم ، لتتولدَ منها الحياة والعوالم:

 

﴿ ثمارٌ لا حدود لها ، وربواتٌ لا عدد لها،
طلعتْ من الثمر العظيم الذي لا حدَّ لهُ،
مسبّحةٌ للوعاء العظيمِ ذي الوقار،
الحالُ بالأثير العظيم﴾

ومِن هذا التوسع المُنقطعُ النظير كان (أثير الضياء العظيم) ومن الضياء (زيوا) كانتْ (الحرارةُ الحيّة)، ومن الحرارة الحية كان النور ( نهورا ):

 

﴿ وبأمر ملك النور العظيم ذي الوقار
حلَّ الثمرُ داخل الثمرِ العظيم..
وبأمرهِ سبحانَهُ
كان أثير الضياءِ العظيم
ومن الحرارة الحيَّة كان النّور﴾

فكان:
اليوم الأول : إنبثاقُ وتجلّى عظمةُ (ربا إيلايا) وهي صفة القدم الأزلية السامية التي يتفرد بها الحي العظيم (م.أ).
اليوم الثاني : تتجلّى عظمتهُ في المكان فيكون (مارا دَربوثة إيليثا) وهي صفة العظمة والسيادة الأبدية التي يتفرد بها الحي العظيم (م.أ) .
لاحظ إنّ في اليومين الاول والثاني كان الأنبثاق والتجلي ، أي صار الانتشار في المكان وبداية الحدث والفعل والزمن. إنّها الكينونة الأولى، والتي تتمثل في الضياء (زيوا) العظيم الذي حلّ بالاثير العظيم، لتتكون الحرارة الحية، والتي منها كان النور.
اليوم الثالث: تجسّدتْ المندائية (والمندائية = المعرفة أو العلم) بأعظم صفة للخالق (المعرفة المطلقة)، وذلك بخلق المانا (والمانا صفةٌ او درجة أعظمُ من الاٌثري والملاك) الكبير المُبارك (مندادهيي) ، فكانت المعرفة رأسَ صفات الخالق وتاجاً لمختاريه، والاسم الذي تسمى به رسالة النور (المندائية) .
اليوم الرابع : تتجلّى عظمة مثيل العهد أو الحق (دموث كُشطا) ، اي تجلّي صفتيّ المثيل (الدموثا) والعهد أوالحق (الكوشطا)، والكوشطا صفة من صفات الحي العظيم(م.أ).
اليوم الخامس: يتجسدُ اليوم الخامس باكتمال العالم السماوي الأول السامي، حيث أنبثقَ (يردنا ربّا) السماوي والذي هو أصل الحياة في عوالم النور ومنه انبثقَتْ (الحياة العظمى) :

﴿ وإذ صارَ يردنا العظيم،
صار الماءُ الحيّ..الماء المتألق ُ البهيج.
ومن الماء صارتْ الحياة ، نحنُ الحياةُ صِرنا،
ثم صار الأثريون﴾

والحياة العظمى تتحدث في نصوص الكنزا ربّة مع مندادهيي (م.أ) وكأنها المتحدث بأسم الحي وقدرته ، رغم إنها مخلوقة منه ولكنها عظيمة وواسعة بلا حدود، لأنها تمثل نظيراً أو مثيلاً (دموثا) لإتساعهِ وصفة لتجلّيه ،كما إنّها نقطة بداية وولادة أوانبثاق العوالم تباعاً، الاولُ فالثاني فالثالث فالرابع والمُتمثلُ في عالمنا السفلي :

﴿ من يردنا العظيم بدأتْ الحياة،
وقوّمت نفسها مثيلاً لمانا العظيم الذي منهُ انبثقَتْ﴾

ومن أهم المراسيم التي تُجرى في هذه المناسبة طقس الصباغة (المصبتّا)، والذي نجدد فيه العهد (الكوشطا)، ونُعاهد أنفسنا أن نبدأ دارة جديدة وحياة متجددة مليئة بالمحبة والتسامح مع بعضنا البعض. وكذلك يُرفعُ فيها طقس الرحمة والاتحاد بعالم الانوار (اللوفاني) أو (الذخرانا) لنفوسِ أحبتنا وذوينا الذين فارقوا عالمنا، داعيين لهم ولنا بغفران الخطايا والذنوب. كذلك يقامُ في تلك الايام المباركة طقسُ (القماشي) و تكريز بيت الطين (الشخنثا) لأقامة طقس المسقثا.
وفي هذا الصباح الواحد الممتد لخمسة أيام نلتزمُ بواجب الصوم الكبير عن كلّ أثمٍ يشين النفس الأنسانية ويخدش قدسيتها. كما ويجب علينا الابتعاد عن كل ممارساتنا المادية وكأننا نحاول أن نعودَ بفطرتنا لولادتنا النورانية الأولى، ونعيشَ بنقاءِ الملائكة والإثريين، لذا تجدنا نغسل (نطمش) الاطعمة ونهيئها ضمن الطقوس المندائية، ونرتدي الرستة في أغلب الاوقات، ونتجنبُ المعاشرة الزوجية خلال هذه الايام النقية.
كما ويجبُ على الفرد المندائي منح الصدقة المباركة الى الفقراء والمحتاجين، وإن نسددَ ما بذمننا من ديون، وأن نصلَ الارحام، ونصعدَ على فراش المريض، ونكثر من القراءة المندائية والمعرفة والبراخة والدعاء.
إنّها أيام الرحمة والرجاء والأبتهال والصوم والصدقة والعمل الصالح والأبتعاد عن كل ما يسيئ للنفس البشرية، فلا تضيعوها.. إنّها الايام الأجمل، فأجعلوا نفوسكم تتحد بأنوار موطنها النوراني، وهيئوا الطريق لكم ولأبنائكم وبناتكم وكل محبيكم لكي تحتفلوا بها كما يجب.
وكل برونايا وأنتم ترفلون بالحق والايمان..

الدخول للتعليق