• Default
  • Title
  • Date
الثلاثاء, 02 نيسان/أبريل 2013

عابد النار وآدم بو الفرج

  عماد عبد الرحيم الماجدي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

لقد منح الله آدم بو الفرج قدرة على نقل نفسه الى المكان الذي يريد الذهاب اليه، فما كان عليه الا ان يتلو عزيمة ليكون هناك. وكما تطير الطيور الى حيثما تشاء، هكذا كان آدم بو الفرج يتنقل الى حيثما يشاء، الى شيشتر او العمارة، او الى اي مكان آخر. وفي احدى المرات جاء في مثل تلك الحال، هو وزوجته الى شيشتر. ان الله قد علمه التعزيم الذي كان يمكنه من الارتجال بسرعة. كما يفعل الدراويش الذين يطيرون في لحظة الى حيث يريدون. ففي يوم واحد رحل الاثنان ووصلا الى شيشتر ساعة اداء صلاة العصر. وكان كلاهما يرتديان الملابس البيضاء كالدراويش. لانهما كانا يرتديان الرستة(1). وقد استقبلهما الصابئة في شيشتر وسألوهما" من اين اتيتما؟" لم يجب آدم بو الفرج بانه ريش امه وانه جاء على الصورة التي جاء بها بل سكت. فجاء شيوخ الصابئين وسالوه" من اين قدمت؟ وما هي حرفتك؟" اجاب ادم بو الفرج" انا درويش".

قالوا" درويش؟ ولكن ما هي مهنتك؟".

اجاب" انا راعيكم".

ظن القوم انه راعي غنم، بينما كان يعني انه راع ارواح(2). قالوا" لدينا جواميس وماشية واغنام، فخذها الى البرية واعتن بها، لماذا تبقى بطالا بلا عمل هنا؟".

 

اجاب" كما تريدون" واخذ القطيع وخرج من المدينة، وقام فخط خطا حول القطيع لئلا يضل(3) وتلا تعزيمة دعا فيها ارواحا تمنع الماشية اجتياز الحد المقرر لها وترعاها.

 

بعد ذلك جلس بو الفرج وسط القطيع، وفي احد الايام جاءت اليه في محله ذلك عجوز، حسبت انه درويش، ورأى هو انها في محنة فسالها" لماذا انت مضطربة؟ وماذا يحزنك؟".

 

اجابت " اردت من الترميذه ان ينسخ لي كنزه ربه(4) ولكنه رفض لانني لا املك النقود اللازمة" . ان الشخص الذي يمتلك كنزه ربه سيخلد اسمه في هذه الدنيا وفي الآخرة لان الكنزه ربه ستبعد عن الشر كما تحمي الشجرة باغصانها رأسه من حرارة الشمس.

 

اجاب آدم بو الفرج العجوز" هاتي لي ورقا وحبرا وساكتب لك كنزه ربه دون ان آخذ منك نقودا".

 

كتب لها الكنزه ربه وحين وصل الى التاريخ(5) دون هذه الكلمات " ايها الناصورائيون، ايها المندائيون ايها الترميذي، لقد اتيت اليكم وعشت بينكم، ستحل بكم محنة وحين تقع، تعالوا اليّ فانا في مندلي".

 

بعد ذلك اخذ زوجته وعاد الى محله في مندلي. وبعد اربعين يوما جاء الى شيشتر رجل حكيم يعرف السحر جيدا، وظهر هناك امام الصابئيين وقال لهم " باية معجزات تقدرون ان تقوموا؟".

 

سألوه" وماذا تريد منا؟".

 

وكان الرجل الحكيم على ملة عبدة النار(6). فاجابهم" اذا لم تقدروا على ان تروني معجزة ما فاسضطركم الى الدخول في ديني، لدي عصا، تنقلب حين آمسها افعى تلدغ من اشاء، ولدي اسد، وحسب امري، يفترس من اشاء، ولدي ايضا جدار من الطين، حين امتطيه سيجري كالحصان، فلا مفر لكم. لابد ان تدخلوا في ديني او ان الاسد سيفترسكم، والافعى ستلدغكم واحدا بعد الاخر وتميتكم". ثم اظهر لهم معجزة اخرى، وهي عبارة عن بساط يفرشه فوق سطح الماء، فلا يغطس بل يسمح له بالجلوس فوقه كما لو كان سفينة.

 

خاف الصابئون... واستشار بعضهم بعضا، ونظروا في كتبهم ودواوينهم(7)، في اسفر ملواشة وفي جميع الكتب التي بين ايديهم، الا انهم لم يعثروا على سبيل للنجاة فيئسوا تماما، وجاءت المرأة العجوز وقالت لهم" ان الدرويش الذي كان هنا قد كتب لي كنزه ربه، وقد تجدون فيها شيئا يعيننا في محنتنا".

 

وجاءوا بالكنزه ربه وقرأوا فيها ما دونه الدرويش" انا آدم بو الفرج ، لقد اتيت اليكم وعشت بينكم وجعلتم مني راعيا للاغنام، فاذا اصابتكم مصيبة فتعالوا اليّ في مندلي".

 

ذهبوا الى الرجل عابد النار وطلبوا منه مهلة اربعين يوما، ثم قصد اربعة مندائيين بينهم اثنان من حكمائهم مندلي، ممتطين ظهور الجياد، ففي تلك الايام لم تكن توجد سيارات او قطارات، وقضوا ثمانية وثلاثين يوما في رحلتهم حتى وصلوا الى مندلي، قصدوا بيت آدم بو الفرج، وطلبوا منه العون قائلين" نحن في حمايتك" وقصوا عليه كل ما حدث لهم.

 

ضحك آدم بو الفرج وقال" لا تخافوا!".

 

اجابوه" ولكن بعد يومين سيبدأ الاسد والافعى بافتراس ولدغ كهاننا وعلمائنا، لم يبق لنا وقت لاسعافهم!" قالوا ذلك وبكوا منذرين.

 

قال بو الفرج مكررا" لاتخافوا، فانا استطيع ان اذهب الى هناك بسرعة" الا انهم لم يطمأنوا وقالوا فيما بينهم" كيف سيصل الى هناك خلال يومين!".

 

اجاب" لا تخافوا سنغادر مندلي غدا وسنكون في شيشتر مساء". وبدأوا يتشجعون ويتحدثون الى بعضهم البعض ويعجبون قائلين" كيف سيحدث هذا".

 

وفي اليوم الثاني وهو اليوم التاسع والثلاثين، نهض آدم بو الفرج وقال "تعالوا، دعونا نرحل" وقادهم الى بركة على شاطيء النهر( بركة المندي)، وقال" تعالوا وتوضاؤا".

 

لبس الجميع الرستات(8) ودخلوا الماء وتطهروا وصلوا صلاة الظهر كاملة. بعد ذلك جلس بو الفرج وقال" تعالوا" فجلس احد المندائيين فوق كتفه اليمنى وجلس الآخر فوق كتفه اليسرى، وجلس الاخران واحد فوق ركبته اليمنى والاخر فوق ركبته اليسرى، ثم شرع يعزم هامسا، بحيث لم يسمعوا ما كان يقول. ثم امرهم قائلا" اغمضوا عيونكم" فاغمضوها. وهبط عليهم نور صعد بهم عاليا في الجو بحيث لم تعد الارض ترى. قال لهم ادم بو الفرج" لاتحدقوا عاليا في الجو لم تعد الارض ترى. قال لهم آدم بو الفرج" لاتحدقوا مليا" فلقد كان النور قريبا، وساطعا جدا، لقد كانت المغناطيسية هي التي تحملهم(9)، وفي الساعة العاشرة من بعد الظهر هبطوا وشاهدوا الارض. قال آدم بو الفرج" افتحوا عيونكم" ففتحوا عيونهم ورأوا انفسهم في مدينتهم شيشتر.

 

صاحوا جميعا" ايها المولى اهذه شيشتر؟" قال" نعم" قالوا" كيف هذا؟".

 

اجاب " لاتخافوا، وعودوا مسرعين الى بيوتكم".

 

قالوا له" نخشى ان يكون هذا حلما وخداع بصر" اجاب" ليس هذا حلما انه الحقيقة وانتم حقا في مكانكم".

 

ذهب المندائيون الاربعة الى الكنزفره وقالوا له" لقد حضر آدم بو الفرج" تجمع الكهان ومساعدوهم والشيوخ وجمع غفير من الناس في بيت الكنزفره، وكان سائر المندائيين مختبئين في بيوتهم باكين على ما سينتظرهم صباح الغد.

 

سأل الكنزفره" كيف اتيتم؟".

 

اجابه الاربعة" وصلنا في اربع ساعات من مندلي!" وصرخ الجميع" لقد نجونا" وبدأوا يضحكون واطلق النساء والاطفال صيحات الفرح، وكان عيدا عظيما، ثم صاح الجميع" اين هو؟" واجابهم آخرون" انه يصلي( يبرخ) انه يصلي في البستان!" وذهب الجميع يبحثون عنه، الكهان والصاغة والنساء والاطفال، الجميع يتقدمهم الكنزفره والكهان ومساعدوهم ليقبلوا يده وصاحوا" نحن في حمايتك! ما كنا نعرف من انت! لقد جعلنا منك راعيا لا غناما. فلم نكن نفهم".

 

اجاب" لابأس عليكم".

 

جاء الرجل عابد النار صباح اليوم التالي، وتجمع اناس كثيرون، من جميع الطوائف، نساء واطفال وجميع اهالي شيشتر، ليروا ماذا سيفعل الصابئون. وتقدم الصابئون وعلى رأسهم آدم بو الفرج، وساروا الى السهل خارج شيشتر والناس حلقة من حولهم ليروا ما سيحدث.

 

وتقدم اليهم عابد النار وتلا عزائمه على عصا فاذا هي حية تسعى وقال لها" الدغي هذا الرجل آدم بو الفرج".

 

ضحك آدم وقال للافهى" انت عصا فبأي قوة اصبحت افعى؟" فعادت الافعى عصا كما كانت، وشرع عابد النار يقرأ، الا انه العصا بقيت ثابتة لاتتحرك. بعد ذلك خاطب عابد النار الاسد قائلا" ايها الاسد عليك بهذا الرجل فافترسه".

 

وخاطب آدم بو الفرج الاسد قائلا" ما عملك ايها الاسد؟ انت وحش من وحوش الصحراء لاعمل لك هنا، فعد الى محلك!".

 

وتراجع الاسد وولى هاربا الى الصحراء

 

وصاح عابد النار يدعوه ولكنه لم يعد واختفى عن الانظار. قال آدم بو الفرج لعابد النار" وماذا يعد لديك من المعجزات؟".

 

اجاب عابد النار" لدي معجزات اخرى" قال ذلك وامتطى جدارا من الطين فبدأ يتحرك يعدو به كما لو كان حصانا.

 

خاف الناس وبدأوا يهربون صائحين" الجدار يتحرك. انه يتحرك".

 

صاح آدم بو الفرج" قف" فوقف الجدار الطيني مكانه، فعزم عابد النار وعزم ولكن الجدار بقي ثابتا لايتحرك مطلقا.

 

قال له آدم بو الفرج " الديك معجزة اخرى؟".

 

قال الرجل، نعم لدي بساط لو نشرته فوق سطح الماء وركبت عليه لما غاص في الماء ولسار كالسفينة

 

قال آدم بو الفرج" اعرض ذلك وسارى".

 

نشر عابد النار بساطه فوق سطح النهر وجلس فوقه، فدهش الناس حين رأوه يتحرك فوق سطح الماء ولا يغرق، وكان لدى آدم بو الفرج تعزيمة دعا فيها " شلي وندبي"( روحي الماء) فوقفا بجانبه فقال لهما" اريد ان يغرق هذا الرجل في الماء هو وبساطه، فاغرقاه وعذباه قليلا ليتألم قليلا".

 

غاص البساط تحت الماء ثم برز فوق السطح مرة اخرى، ثم غاص وطفا بحيث اصبح عابد النار نصف غريق فصاح اطلقني، اطلق لي حريتي!".

 

قال له آدم بو الفرج " ولماذا عذبت هؤلاء الناس؟ لماذا اخفتهم ونسائهم واطفالهم؟ الا تخاف الله؟ تقول للاسد ان يقترسهم وللافعى ان تلدغهم!".

 

قال الرجل" انا نادم، فالرحمة، الرحمة، سوف لا افعلها ثانية".

 

اخرجه بو الفرج من الماء وقال له" كما تريد، ساريك شيئا ما، غير ان آياتنا ليست من السحر، لاننا نعبد الله ولايمكن ان يحدث الا ما يشاء الله فقط!".

 

قال عابد النار" اريد ان ارى شيئا من آياتكم!" وكان مع بو الفرج طير حر( حمامة) خاطبه قائلا" لايوجد تمر في شيشتر فهات لي تمرا".

 

طار الطائر وعاد ومعه تمرة اخذها آدم بو الفرج واعطاها لعابد النار قائلا" كلها" فاخذها الرجل واكلها، فاخذ آدم بو الفرج النواة وغسلها في النهر ثم دسها في التربة.

 

وفي الشمس توجد ارواح تمنح النمو واللون والرائحة للازهار. ان عطر الازهار ولونها هي من عالم الانوار وليس من عالمنا هذا. و" الاثرى" هم الذين يأتون بها الى الارض. طلب آدم بو الفرج من الاثرى ان يمنحوا نواة التمر قوة النمو لتصبح نخلة، فلقد كان آدم من محبي الله ويحصل على منفعة السماء.

 

وحين كان يتكلم جعل الاثرى النواة تنبت وتورق! لقد نمت واورقت الى ان صارت نخلة كبيرة، ثم ازهرت وحملت ثمارا ونضجت الثمار. دهش عابد النار وقال" كيف يحدث ان تنمو نخلة بهذه السرعة" قال له آدم بو الفرج " اصعد واجن الثمرات الناضجات".

 

تسلق عابد النار النخلة ووجد الثمار ناضجة فاكل منها. في هذه الاحيان جعل الاثرى الرياح تهب وقال بو الفرج " ادعوا الرياح، الشمالية والجنوبية، الشرقية والغربية، دعوها تهب وتظهر شدتها!".

 

بدأت الرياح تهب وبدأت النخلة تتأرجح في الهواء من جهة الى اخرى بحيث كانت تصطدم بالارض كلما مالت الى جهة. فتضرب بذلك عابد النار الذي شرع يصرخ " انا في حمايتك. لقد تبت ولن افعل سوءا بعد اليوم، لن اسيء لهم بعد الان، ساترك قومك يتبعون دينهم بسلام، انا في حمايتك".

 

قال له آدم بو الفرج " ان جميع الاديان، المندائيين، والمسلمين والمسيحيين واليهود قد ارادها الله هكذا وارادها فعليا الا نسيء الى احد منهم. لقد اوجدهم الله وامرهم بما يفعلون" وامر الرياح ان تقف، ونزل عابد النار من النخلة، وساله آدم بو الفرج" من اين حصلت على قوتك؟ وكيف استطعت ان تجعل من العصي افاعي ومن الاسود مطيعين، ومن الجدار حصانا يتحرك ومن البساط مطية تحملك فوق الماء؟".

 

اجاب عابد النار" ان قوتي هي من قرطوس ديوا(10).." وندم الرجل على عمله وفر ناجيا بنفسه.

 

وهكذا عرف الصابئون اسم قرطوس ديوا، فاذا اضر احد الجن بشخص ما، وتلبست روحه الجن، همسوا باذنه" ياقرطوس ديوا.. اشف هذا الرجل، افتح له" فيشفى.

 

ان قرطوس ديوا هو احد كبار افراد الجن، ومنذ ذلك اليوم عرف الصابئون اسمه واخذوا يستعملونه، اما عابد النار فقد عاد الى موطنه الاصلي.

 

ملاحظات حول هذه القصة الاسطورية

 

1- ان هذا التشبيه، تشبيه محبب فقد جاء في ديوان " دراشة يهيا" " انا راع واحب غنمي" اشارة الى منداهيي. ويعلق ليدزبارسكي فيقول: " تستعمل هذه العبارة لوصف آلهة وثنية مختلفة، وبشكل خاص الاله" هرمز" والعبارة اقدم من هذا فهي تطلق على" انليل" في طقوس " كالو" اذ يدعى" الراعي الامين".

 

2- يقول هرمز هنا معلقا" اجل لقد رأيت ما يشبه هذا انا نفسي، لقد رأيت " شيخ الشبان" يقرأ حول افعى ويرسم حولها دائرة بحيث صارت عاجزة عن تخطي الخط او الخروج من الدائرة.

 

3- في بداية كل مخطوطة مندائية يدون اسم الشخص الذي كتبها مسلسلة نسبه، ونسب الشخص الذي كتبت له هذه النسخة، وبعض التفاصيل عن حوادث عامة حدثت في تلك السنة، وهذا ما يسمى عندهم بـ" التاريخ".

 

4- عابدو النار يسمون في الكتابات المندائية( يازد فابي) وبينما توجد بعض الاشارات العدائية لهؤلاء وبعض الهجوم على عباة النار، لايوجد اي هجوم على زرادشت.

 

5- هذا نموذج من اقوال هرمز، ان هناك ما يدعو الى اعتبار الحديد مادة قاهرة للارواح الشريرة بسبب انه سهل المغنطة. ان احجار المغناطيس وقوة المغنطة كانت معروفة في آسيا منذ اقدم الازمان.

 

6- شلمى وندبى: هما الروحان الحارسان في ( اليردنه) اي الماء الجاري، وهناك اشارات كثيرة في الطقوس والكتابات.

 

7- الاثرى، ارواح حياتية بارزة، وهي التي تحرك الريح وهو حسب قول هرمز ( اير زيوا) و( ايرسيغا) اي ( الهواء المشع والهواء الوفير).

 

8- كانت هذه احدى اوائل القصص التي جمعتها وفيها استعملت كلمة الله.

 

9- قرطاس هو صحيفة من الورق وقرطس هي لفافة من ورق اي انها كتابة مجسدة او تعزيم مجسد.

 

وقرطاسة اسم محبب بين النساء المندائيات.

  

القصة التي هي مملوءة بالذكريات عن مجريات الامور بين السحرة المصريين وموسى قد قصت عليّ من قبل صابئين آخرين، ويقص بترمان شكلا ناقصا منها.

 

وقد لاحظ هرمز وهو يعلق على القصة فقال" لقد مان آدم بو الفرج ناصورائيا يتخاطب مع الاثرى في الشمس. ان من يفتش عن المعرفة ستفتش المعرفة عنه ويمكن ان يصير ناصورائيا ايضا".

الدخول للتعليق