• Default
  • Title
  • Date
الإثنين, 01 نيسان/أبريل 2013

في رحاب الكَنزا رَبّا الحلقة الثانية

  بشار حربي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

في رحاب ( كَِنزا رَبّا )

الكتاب المقدس للصابئة المندائيين

الحلقة الثانية

بقلم : بشار حربي

 

( التوحيد هو الجواب الأكيد )

 

}يا جميع الذين تستمعون الى نداء الله * تقومون وحين تقعدون * حين تذهبون وحين تؤوبون * تأكلون أو تشربون * أو في مضاجعكم ، أو وأنتم تعملون * اذكروا الله وسبحوه كثيرا {

 

ليست حياة الأنسان على الأرض سوى ومضة من الزمن ، نبدأها صغارا ً بلا وعي ، ونختمها كباراً بوعي، وفي قوس الحياة هذا تبدأ أسئلتنا المشتركة ، صغيرة فطرية ساذجة ، لتكبر على مر السنين ، فتدخل حقل الفلسفة والعلوم الأخرى ، ثم نفيق على حقيقة كبرى ، وهي أن الجواب الأكيد والوحيد على كل أسئلتنا هو الله ، منبع المعرفة والإرادة ومحط الثناء والإشادة .. المعين الذي لا ينضب ، والقدرة التي لا تتعب . ولقد حار الفلاسفة والعلماء في سر الوجود ، فأنكر بعضهم المعبود ، وثنّوه ، ثم نفوه ، حتى جاءهم الموت ، ونفذ الصوت ، وتبخر الخلود ، فأصبحوا عن سعيهم قعود ، تضمهم اللحود ، وهم على حيرتهم شهود ، وتنطفيء شعلة حياتهم ، كالشمعة في ظلام دامس لتبدأ شمعة أخرى وأخرى نفس المشوار ، ويبقى السؤال الدوار ، ما سرّ الحياة ؟ وما الموت ؟ ولمن الخلود ؟ وهل الخالق موجود ؟ .

وإذ يبتعد المتهكمون على الدين عن الطريق السالك لأبهى الممالك ، مملكة الله في سناه .. فيحارون ويمنطقون ، وعن الإجابة يعجزون ! ، يرى المؤمنون الإجابة في لوحة المهابة ، بين أسطر الكتابة في السفر المبين ، وعمود الدين ، ( كنزا ربا ) .

}الله * هو الجلال والإتقان . هو العدل والأمان . هو الرأفة والحنان * الأول منذ الأزل . خالق كل شيء * ذو القوة التي ليس لها مثيل . صانع كل شيء جميل. {

فالإنسان والحيوان والطير والشجر والماء والثمر والهواء ، تشكل جميعها سمفونية الحياة الجميلة التي عجز ويعجز الأنسان أن يأتي بمثلها أو ذرة منها } ويل لمن يغفل عنك ياسيدي . ويل لمن تشغله عنك زينة الحياة الدنيا * أيها الحق الذي لا ضلال فيه {

وقد ميّز آدم ، رأس السلالة البشرية الخالق ، فعبده وأطاعه وحصل على ثنائه ورضاه ، فذهب الى عالم الأنوار ، ولأنه ميّز الله ، فقد ميّزه الله .

}طوبى لمن عرفك * طوبى لمن تحدث بعلم منك * طوبى لمن ميّزك * طوبى لمن تميّز لديك { . فآدم ( الأنسان ) خليفة الله في الأرض ، ذو النفحة الإلهية ، يحمل في كينونته جزءاً من عالم الأنوار السني ، عالم المعرفة والكمال والبهاء والجلال ، لم يك آدم أبكم ، وهو أول الخلق ، ولم يشأ الله أن يخلقه جاهلا لا يعلم ، بل زوِّدَ بمعرفة ربانية ، ولذا فقد أطاعه وبجّله .} ونهض آدم . ركع وسجد والحي القدير مجّد . ومجّد أباه إد كاس زيوا (1) . وشهد بأسم الحي والمانا (2) العظيم الذي منه أنبثق {

ولم يك آدم بسيط الوعي والمعرفة ، ودليلنا في هذا ، صحفه وتعاليمه وتكوينه للأسرة الأولى ، وكذلك معرفته التي لا تُحَد بالذات الألهية ، وآدم هو الذي بنى هرم المعرفة من قمته ، ليتسع بمرور الزمن وتتسع قاعدته ، فيكون آدم بعلمه ، رأس الحكماء ونحن بمعرفتنا الواسعة اليوم نتسلق الهرم ارتفاعا ً لنصل إليها .

إذن فقد بدأت معرفة الخالق متكاملة وواضحة وجلية ، وجهدنا اليوم في هذا الأطار هو محاولة الوصول الى نقطة البداية ، } قل لآدم لا إنسان منك أحكم وربّك أعلم { ، وكما تعرّف آدم مباشرة الى الحي العظيم وما كان محتاجا ً لأن يفلسف الأشياء ويدرك كنهها ، فقد عَلمَ وتعلم ، أن من يملك هذا الجبروت وهذه القدرة أي ( الله ) ، لابد أن يمتلك الحلم الكامل ، فيكون بذلك أحق أن يُرتجى ويُتكلُ عليه . 

}باسم الحي العظيم

أسبّحك ربي بقلب ٍ طاهر

أيها الحي العظيم

المتميز عن عوالم النور

الغني عن كل شيء

العلي فوق كل شيء

نسألك الشفاء والظفر

وهداية الجنان

وهداية السمع واللسان

ونسألك الرحمة والغفران

آمين

يا ربنا يا رب العالمين { .

إن كنزا ربّا ( صُحُفُ آدم ) وكِتابُ السلالة الروحية ( الصابئة المندائيين ) ، بأعجازها العلمي والفلسفي الكوني الدقيق ، وتشريعاتها المتكاملة ، تجعل من آدم النبي ، رأس سلالة المعرفة للذات الألهية في تاريخ الأنسان على الأرض .

}إنزل يا صورييل(3) الى عالم الشر والنقصان 

نادِ آدم وعلـّمه الحكمة والإحسان 

قل له : كنت أخرس فأنطقناك وأصمّ فأسمعناك وجاهلا ً فعلـّمناك ومستوحشاً فآنسناك {

والمندائيون اليوم ، أتباع آدم (ع)، يتعرفون على الله الواحد الأحد ، بنفس النظرة الإيمانية لآدم ، والتي سطـّرها لنا كتابنا المقدس ( كنزا ربّا ) ، والمندائيون يتوصلون الى فهم الخالق الجليل ووحدانيته من خلال الأستدلال العقلي والتبصّر الواعي بقوة الترابط بين فحوى الأشياء في الطبيعة ورقيّها وتخصصها وتكامل خواصها منفردة ، وتكاملها مجتمعة . وترى صلاتهم تبدأ ب ( بشميهون إد هيي ربي – بأسماء الحي العظيم ) ويختمونها ب ( للحيّ سجدنا وللرب عارف الحياة سبّحنا ولهذا السيماء العظيم الموقـّر الذي من نفسه تكوّن ) ، والصلاة دعاء المؤمن .. والأنسان يسمو على عالم الأشياء ، وبالتوحيد يعي كرامته السامية الى ذروة الإنسانية ، فالله فوق القيم كلها .

}باسم الحي العظيم

مسبّح ربّي بقلب نقي

هو ملك النور السامي

هو الله{.

 

( وللحديث صلة )

 

الهوامش :

 

(1)إد كاس زيوا : كائن نوراني ، وهو آدم الخفي البهي

(2)مانا : عقل ، وعاء ، وتعني أحيانا النفس ، وتأتي بمعنى ملاك ذو 

مرتبة سامية .

(3)صورييل : ملاك نوراني ، ويسمى سورييل شارويا

 

الدخول للتعليق