• Default
  • Title
  • Date
الثلاثاء, 02 نيسان/أبريل 2013

قصة "رمي الحجر" الراوية:هرمز برانهر( الملا خضر)

  (هرمز برانهر( الملا خضر
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

كان لنا جيران يدعون آل ذهينة وكان في ساحة دارهم شجرة نبق(1). وبينما كانوا جالسين ذات يوم في الساحة يتناولون طعامهم، تساقطت عليهم الاحجار من الاعلى، فنهضوا مرتاعين، ونادوا الجيران" من الذي رمى علينا الاحجار؟" فاجابهم الجيران" لم نرم اي حجر، وكيف نفعل ذلك؟".

وفي تلك الليلة حين كانوا نائمين، وكان الظلام دامسا، تساقطت عليهم الاحجار مرة ثانية، فصرخ الجميع، رجالا ونساء واطفالا. وكانت تحيط بهم بيوت ذات جدران عالية ولهذا فلم تكن الاحجار ترمى من الشارع، فاستنتجوا بان الاحجار لابد ان تكون آتية من شجرة النبق. وذهبوا الى الشيخ جودة(2) وقالوا له" هل تستطيع تعويذنا من هذا الشر؟".

نصحهم الشيخ جودة ، بان يأخذوا سعفة ويقصوها بسكين من حديد بقرب شجرة النبق، فالارواح الشريرة حين ترى الحديد تخاف وتهرب. وقاموا بفعل ذلك ولكن من دون جدوى، لقد ازداد رمي الحجر، فأختبأوا وراقبوا ولكنهم لم يكتشفوا السبب.

وكام لدى والدي طلسم، تعود ان يقرأه على الملح(3) للتعويذة، وبهذا كان يطرد الشر الذي يحيق بالبيوت لانه كان ناصورائيا.

ذهبت اليهم وقلت لهم" سأقرأ لكم تعويذة ابي على الملح، وآتي بها لانشرها عليكم".

ونهضت ليلا وذهبت الى النهر مرتديا الرستة وتلوت التعويذة على الملح: ثم نشرت الملح في بيتهم وحول الشجرة، وعدت الى بيتي ونمت. كان الوقت صيفا وكان توجد غرفة عالية بين بيتنا وبيت زهرون( شقيق الراوي) لايمكن الوصول اليها الا من الاسفل، فليس هناك سلم يرقى به اليها ولا اية واسطة للصعود الى سطحها، فقد كانت الجدران عالية ملساء، لايستطيع حتى الحيوان ان يقفز الى سطحها. وكان من عادتنا ان نرمي الاوساخ على سطح تلك الغرفة.

من ذلك السطح في تلك الليلة قذفت علينا قنان فارغة واسمال بالية وانواع من الانقاض، نهضنا فزعين وذهبنا الى بيت الشيخ جودة، فضحكوا منا قائلين، لماذا لم تنثروا الملح في داركم لعله ينقذكم ! " .

لم ننم تلك الليلة بل قمنا بتلاوة الادعية والتعاويذ وجئنا بكثير من الملح ورششناه حول مكاننا.

وكان يوجد صابئي يسمى معيدي بن باروني وهو شيخ طاعن في السن بلغ المائة والثلاثين عاما في ذلك الوقت، ومع ذلك كان قويا يأكل ويرى ويسمع بشكل جيد، انه لعمر طويل حقا (3) وكان بيته على بعد عشرين دارا من بيتنا، ولكنه بدأ يقذف بالحجر هو واسرته كما هي الحال معنا، واصاب الحجر كتف زوجته، وسقطت بعض الاحجار على ابنه، فجاء الينا وقال" اعطوني ملحا وتعالوا وانثروه في بيتنا " فالجميع كانوا يعرفون بتعويذة ابي وكيف كان يستعمل الملح للتعويذة، بعد التطهر بالنهر، مرتديا الرستة والسكندوله. ان الملح مبارك وضد الشياطين والارواح الشريرة والمكروبات(4) وجميع المخلوقات الضارة.

قال اهلي" لاتعطه ملحا معوذا، لان آخر مرة اعطيت فيها الملح غضبت الارواح وقذفنا بالحجر. لاتعطه شيئا".

رفضت ان اعطيه ملحا، فهرب هو واسرته من البيت وتركوه خاليا، لم يأخذوا معهم سوى اثاثهم، وظل البيت خاويا لم يجرأ، احد، صابئيا، كان ام مسلما على الدخول فيه. غير انهم اجرّوا جزءا من الدار ملحقا بها الى رجل موصلي، وكان ينام هناك ليقوم على حراسة اخشابه. وفي الليلة الاولى له في البيت قذف بالخشب طول الليل، ولكن بشكل لم يكن ليؤذيه بل ليخيفه، وظل هكذا يقذف ليل نهار، وتخيرا جاء الى الصابئين وهو يصيح" ايها الصابئون ما هذا؟ اي شيء هذا الذي في داركم؟" فلطفوا من هياجه قائلين" لماذا انت خائف، انت رجل، فلا تخف من احجار قليلة تتساقط ، لا شيء في الدار غير صحيح".

عاد الرجل وجلس في ساحة الدار، وكان الوقت ليلا والقمر بدرا والجو حارا، وشرع يصب له طعاما من اللحم والرز وجلس ليأكل، فرأى قطة بيضاء امامه، ورأى القطة تكبر وتكبر، فعجب الرجل من ذلك وقال " ماهذا؟" ونظر فاذا القطة بحجم الكلب، وبدأ قلبه يخفق خائفا، وكبرت القطة كثيرا فلم يعد يحتمل ذلك، واخذ يصرخ ويستغيث" تعالوا اليّ انا في جواركم" فصاح به الصابئون الذين كانوا ينامون فوق السطح" لاتخف، لاتخف" وحين سمع اصواتهم عاودته بعض شجاعته ليتحرك ويهرب الى الجيران مرتعبا، وقد جن خوفا. حاول الصابئون ان يهدأوه قائلين" لماذا انت بهذا الحال؟" بينما كان هو يقول" ماذا هناك في بيت هذا الصابئي ولماذا لم يخبروني بذلك؟".

وفي الصباح ارسل من اخرج له اخشابه من الدار وباع الخشب، ولم يعد هو نفسه الى البيت. لقد كان مرتعبا الى حد كبير. بعد ذلك ترك مدينة العمارة ورجع الى مدينته. ومن ذلك الوقت والناس في الموصل اذا رأوه سخروا منه صائحين" جاك الطنطل"( 7) فيرتعب الرجل ويلتفت الى الوراء خائفا.

اجل ان رمي الحجر ذلك كان من عمل الجن لا الانس.

 

ملاحظات

 

1-النبكة او النبقة، تسمى شجرة الدر او سدرة في جنوب العراق ومصر وهي دائمة الخضرة. تثمر ثمرا صغيرا، يؤكل، وتحتل مكانا مرموقا بين اشجار العراق. وبينما لاينسب العراقيين اي تقديس لشجرة النخيل، وهي على ما هي عليه من ضرورة للحياة في العراق. فان تبجيلا عظيما يعار للنبقة. والشيعة يغسلون الموتى باوراقها، ويعتبر من الكوارث قطعها او قلعها. ويفترض فيها انها تئن حين تقطع، وان عصيرها الاحمر، يؤيد فكرة ان لها حياة كحياة الانسان. وغالبا ما تزور النساء شجرة النبق( ومساء الثلاثاء هو الوقت المناسب لذلك) يوقدن النيران تحتها ويلفين البخور على النار، ثم ينصرفن من بعد ان يتركن خلفهن اربع شموع مشتعلة بجانب رماد النيران. وقد شاهدت هذه عدة مرات. ولدى استفساري من الزائرات عن سبب هذه الزيارات، اجبن انها حفل سحري لشفاء قريب مريض، وتعلق بشجرة النبق خرق خضراء، كما تقدم نذور ايضا في بعض الاحيان، وفي مدينة القرنة توجد شجرة نبق يعرفها الاهلون بانها " مقام ابراهيم" ولدى اخرين انها" شجرة الحياة" لان المفروض ان جنة عدن تقع في البقعة التي يلتقي فيها النهران، دجلة والفرات. وقد تضررت تلك الشجرة من قبل الجنود خلال الحرب العالمية الاولى. ثم اقيم سور حولها من قبل السلطات البريطانية. وكانت قد قطعت من قبل. والتقاليد تقول بان شجرة نبق اقدم من هذه كانت تقوم بنفس هذا المكان. ومن المحتمل ان السكان المحليين لم يكونوا يعيرونها اي اهتمام، الا انهم كانوا يرشدون الزوار الانكليز اليها، حين كانوا يسألون عن

" شجرة الحياة" في جنة عدن المزعومة وكان السكان يرشدونهم الى شجرة نبق كان يظن ان لها صفة منح الحياة.

2-الشيخ جودة عالم صابئي روحاني بدرجة كنزفره من سكنة مدينة الغمارة توفي في شباط عام 1940 ميسلادية.

3-لقد استعمل الملح في العراق من اجل التعويذ منذ اقدم العصور، ونظرا لبياض لونه وخواصه في التعقيم، فهو مرتبط بالحياة والروح. فكلمة ملح العربية و" تابو البابلية" لهما كليهما معنى مزدوج يشير الى الطيبة والصحة. لقد كان البابليون يعتقدون ان الاله" اين ليل" قد كرز الملح( تابو) كطعام للالهة العظام، والذي بدونه لايشم اله او ملك او امير الاريج( رائحة الطعام). ويؤكل الملح من اكثر الوجبات الطقسية المندائية، ويمزج مع الطحين الابيض لعمل البهثة او الخبز المقدس( كما هي الحال في خبز البابليين المقدس) ويقول كتاب" دراشة اد يهيا" وان سر الملح الروح. وحين تدفن الفطائر المنقوشة في عتبة باب بيت مندائي متوفي لطرد الارواح الشريرة، يوضع فيه قليل من الملح.

4-في هذا شيء من المبالغة. وفي الحقيقة يوجد معمرون كثيرون بين الصابئين.

5-الميكروبات تترجم هنا الى نوع من الارواح الشريرة، وهو مفهوم مطابق تماما للافكار البابلية القديمة.

6-من المعتاد النوم على سطوح الدور صيفا في االعراق.

7-الطنطل: من المعلوم انه تعبير عربي وليس مندائيا، فالروح الشريرة لدى المندائيين يطلق عليها

" شيفاهي" والطنطل نوع من الاشباح الشريرة التي تظهر عادة على هيئة شبح طويل. من هنا جاء الاشتقاق، وهو يعني الطويل. وتخبرني احدى النساء البريطانيات بان خدمها قصوا عليها مرة قصة، هي انه يوجد شيطان او طنطل في غرفة حجرية صغيرة كانت تتخذ لخزن الفحم، وقد انتشر الرعب بينهم الى حد انهم خافوا ان يدخلوا الى الغرفة بعد حلول الظلام. وكان يقال بان الشيطان يظهر ماسكا برأسه، وحين سألت صديقتي احد الخدم، الذي اعترف انه شاهده، وعرفت شكله، قال الرجل" انه كان طويلا ويرتدي ملابس السهرة. وقد سوّي الامر باستشارة احد الماهرين في التعويذ، برش الملح خارج كل باب من ابواب البيت والمرافق.

 

 

الدخول للتعليق