• Default
  • Title
  • Date
الثلاثاء, 02 نيسان/أبريل 2013

نوروز بين الاسطورة والتاريخ

  عزيز عربي ساجت
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

اصل التسمية :- نوروز قد تعني اليوم الجديد ( نو ويعني جديد ) و ( روز ويعني اليوم ) ، وتعني الكلمة ( اليوم الجديد ) ، وربما اريد به يوم حظ وتنزه ، ويذكر الشاعر والفيلسوف ابي العلاء المعري ( الذي اصله من مدينة معرة النعمان السورية ) اثناء حديثه عن عبث الخليفة الوليد بن يزيد بن معاوية بن ابا سفيان ، بان النيروز كلمة معربة ولم تستعمل الا في دولة بني العباس . ولم نسمع عنها في العصر الاموي ان كان له شان ذو بال .

يقول المؤرخ المسعودي في كتابه ( التنبيه والاشراف ) مايلي : نوروز يعني اليوم الجديد في لغتهم لان الجديد يعني ( نو ) واليوم يعني ( روز ) .

اما الدكتور محمد التونجي استاذ اللغة الفارسية في جامعة حلب يقول ما يلي : النيروز عيد الربيع واول السنة الشمسية لدى الفرس ، يبدا عادة في 21 اذار ونطقه الاصلي بالواو ( نوروز ) ، ولكن العرب عربوا اللفظ ، فقالوا نيروز ، والفعل نورز والجمع نواريز ، ولقد عبر بهذا التجديد والتجدد الشاعر فيرجل ، الذي ولد في العام 70 قبل الميلاد ، وتوفى في العام 19 م في كتابه الشهير ( الانياذة ) ، وفيما يلي نص منه : يتقدم الجميع فيروس بن اخيل واضعا على راسه وضاءة من البرونز ، وهو في ذلك يشبه الافعى التي تنام في الشتاء ، ولكن اذا جاء الربيع خرجت الى الضياء وخلعت عنها لباسها ، ويتجدد شبابها ، فرفعت راسها الى نور الشمس . ويقابل معنى كلمة نوروز كلمة نيسان العربية ، والتي لها مقابل في اللغة الايرانية القديمة ( اللغة البهلوية ) ، احدى اللغات الايرانية القديمة ، في العهد الساساني . حيث تعني ( ني ) او ( نوي ) الجديد و ( اسان ) تعني اليوم ، ويصبح المعنى اليوم الجديد . ولا غرابة في ذلك لان شهر نيسان كان راس السنة لدى الشعوب السامية القديمة ، ويقابله في اللغات الهندو اوربية كما في (Neusyares ) الالمانية والانكليزية ( New ) واللاتينية ، والاغريقية ( News ) و( نو ) بالكردية ، ان اللغة البهلوية تلتقي مع اللغات الهندواوربية .

اما كلمة ( Nesu ) تلتقي مع الكلمات العربية التالية : ( نسغ ) و ( نسع ) و ( نسأ) وتعني هذه الكلمات التجدد في النبات ، اما نيسان تعني بدء السنة الدينية المقدسة الجديدة ، التي فيها تتغلب الطبيعة على الانحلال في فصل الشتاء ، لترد الحياة الى الطبيعة كما هي ، اما اسمها في اللغة السومرية القديمة ( yag - barag – itu ) وتعني شهر المزار المقدس ، وشهر البدء بالسنة الجديدة ، اما الان فتبدا السنة الجديدة في 21 اذار ، اي يوم حدوث الاعتدال الربيعي ( Vernatequinox ) .

اسطورة نوروز :- حاول الانسان منذ فجر التاريخ ان يعطي تفسيرا لخلق النبات ، والحيوان ، والانسان ، وتسمية الاسماء على شكل حكايات خارقة للعادة ، تتناقلها السنة الشعوب على مر العصور . وهذا يتطابق مع احد تعاريف الاسطورة ، بانها نوع من الحكاية التي تتناقل شفاها من جيل الى جيل ، لكنها قابلة للحدوث في الواقع . وتعتبر اسطورة نوروز من القصص القديمة التي تناقلتها الامم كل على شاكلتها ، ومثلما تناقلت الاجيال قصص الامبراطور الفارسي رستم واسفنديار وغيرها من قصص الشعوب القديمة التي كان يرويها النضر بن الحارث وهو من اشهر الحكواتي في بلاد الجزيرة العربية انذاك وهو من عشيرة قريش الساكنة في مكة وكانوا يقولون عنها ، بانها اساطير الاولين . ولقد تعددت وتنوعت الاساطير التي قيلت في نوروز من لدن الشعراء والمؤرخين القدماء وخصوصا في الادب الفارسي ومن هذه حكاية جمشيد وهو احد ملوك الفرس ابن طهمورث ، تنقل بمركبة في اطراف الارض ، ووضع الجن تحت امرته ، وطار الى كل الممالك على سرير مرصع بالجواهر ، حمله الجن في اول يوم من السنة ، وقت حلول الشمس في برج الحمل ، فسر سرورا عظيما وانتشلى باقداح الخمر الصوفي الالهي ليعرف ذلك اليوم بالنوروز ، اي اليوم الجديد ، وليبقى عرفا مقدسا لدى الشعوب الايرانية .

لقد كان الايرانيون القدماء يعتقدون بان الله خلق النور في هذا اليوم ، لذا سمي نوروز اي اليوم الجديد الذي ظهرت به الشمس وسطعت بانوارها الكون ، ويتفق هذا مع مع معتقدات الهنود الاريين ، ففي معتقدهم ان الكواكب خلقت جميعها في اول برج الحمل ، ثم بدا كل منها في الحركة ، وهذا يتطابق مع حركة الشمس في اول برج الحمل ، في الكردية يقال روج – Roj لليوم او النهار ، اما الشمس فيقال روك – Rok وتعني نوروز الشمس الجديدة ، او الحقيقة الساطعة ، اما الاشعاع الشمسي فيقال تيريج – Tirej حيث تعني (تي ) الحياة في اللغة السومرية القديمة ، وبالحقيقة لولا الشمس لما كانت الحياة على الارض . وهذا ليس شيء غريب حيث ان الحقائق التاريخية تقول بوجود سمات مشتركة في العقائد والاساطير ، بين الشعوب السامية ، وغير السامية ايضا ، وهذا ما نسميه بالخصائص التاريخية المشتركة ، مثلما حملها الاريون الذين كانوا يسكنون القارة الهندية ، الى جوارهم ، والدليل على ذلك هو وجود التشابه بين اجزاء من كتاب الابتساق ويسمى كاتهاتا ويعني اسمه : مقدمات لكتب دينية ذات مضمون لدى البوذيين والبراهمة . فكلمة (برهمن ) تعني اسم ملك براهمنة الهنود ، وهو معبود ، وقد يسمى ايضا ( بروشن ) اي نور الاقليم ، مثلما في كلمة ( برهان ) الحبشية والتي تعني النور ، وفي الكردية تعني برو ناي او رهني – Rehni وبالمصرية القديمة ( رع ) اي النور او الشمس . اما تسمية النوروز فنجدها عند المؤرخ ابن الاثير على الشكل التالي : كان من خبر كابي ( كاوا ) انه من اهل اصفهان ، فثار على من اتبعه من الخلائق الى الضحاك ( وهذا شخصية اسطورية ، وروح شريرة في الاساطير الارية والشهنامة ، اما في الابستاق فهو شيطان يمنع ماء السحاب ان ينزل الى الارض ، ويعتبره الفرس ملكا جبارا ، يرمز الى الشر ، ويزعمون انه عربي من اليمن وابن الملك مرداس العربي ، ملك الارض . وكانت امه جنية فلحق بالجن ، وقد نوه عنه الشاعر ابو نؤاس وكذلك الشاعر ابو تمام ، بابيات من الشعر ) فلما اشرف على الضحاك قذف في قلبه الرعب ، فهرب من منازله ، فاجتمع الاعاجم الى كابي فاعلمهم انه لن يتعرض للملك ، لانه ليس من اهله ، وامره ان يملكوا بعض ولد جم (جمشيد) لانه ابن الملك اوشهنج الاكبر بن افراول .وكان فريدون مستخفا من الضحاك ، فصاركابي والوجوه لافريدون عونا ، واحتوى على منازل الضحاك واسره بدنباوند ، ويزعم بعضهم بان فريدون قتله يوم نوروز ، وعند مقتله قال العجم امروز نوروز اي استقبلنا الدهر بيوم جديد فاتخذوه عيدا .

اما القلقشندي قال في كتابه ( صبح الاعشى في كتابة الانشاء ) جاء فيه ، ان نيروز تعريب ( نوروز ) واول من اتخذه عيدا هو جمشيد الملك ، حيث جدد الدين فيه واظهره فسمي بهذا الاسم ، وكان من خلال ملكه لا يريهم وجهه فلما كان يركب العجلة المدورة ، ابرز عن وجهه وكان بارع الجمال فجعلوا يوم رؤيتهم له عيدا وسموه نوروزا ، ويزعم بعضهم انه اول الزمان الذي ابتدا الفلك فيه بالدوران .

وهناك نوعان من النوروز: نوروز العامة ونوروز الخاصة ، اما الخاصة فهو اليوم السادس من شهر فروردين ( ويعني باللغة البهلوية القديمة شهر اذار ، وكان الشهر الاول من السنة الشمسية لدى الايرانيين القدماء ) وسبب تسميته بذلك ان الملك جمشيد لما جلس على سرير سلطنته ، استدعى اليه جميع اركان دولته وخواصه ، وسن عليهم قواعد وقوانين مستحسنة فاستصوبوا رايه ، وسموا ذلك اليوم بنوروز الخاصة ، اما نوروز العامة فهو اليوم الاول من شهر فروردين (اذار) عند نزول الشمس اول برج الحمل .

اكد الفيلسوف اليوناني افلاطون على هذه الفكرة حين حاول ان يعبر عن اصل النفس الانسانية لم يجد خيرا من تصويرها وهي لاحقة بموكب الالهة نحو مصدر النور .

مراسيم وطقوس نوروز :- بما ان نوروز من الاعياد فلا بد من ان يكون له مراسيم وطقوس واحتفالات مثل كافة الاعياد المعروفة في العالم القديم والحديث ، فكان ملوك الفرس والعجم والساسانيين وملوك الشرق يحتفلون بتلك المراسيم منذ العهد الاسطوري القديم وفي يوم 21 من كل عام ، وفي هذا اليوم يحمل الملك على عربة مزكرشة منذ الساعات الاولى ويتقدم الموكب الف فارس على راس كل فارس خوذة من ذهب وعلى ابدانهم مأزر بيضاء ، وشارات ذهبية ،واحصنة بيضاء يركبها الفرسان ،ومن خلفهم تسير العربة حاملة عرش النار المقدسة ( وهي شعيرة مقدسة في الديانة الزرادشتية ) ، بينما الاتقياء ، والكهنة يلبسون الاردية البيضاء والثياب البيضاء ويرتدي ( 365) فتى الثياب البيضاء بعدد ايام السنة ، وهناك عجلة ارجوانية مكرسة لنار الحياة واخرى للملاك (مهر ) الذي يسوس الفضيلة في العالم ، ثم تتبعها اخرى ذهبية مزينة بالزهور والورود الملونة ذات الشذى ثم يبدا رجال الملك بمحاسبة كل من لا يتفق ، او لا يطيع القوانين الفارسية والدساتير الميدية الصارمة ، مع قدوم اقوام وشعوب مختلفة كل بزيه الخاص الى مكان الاحتفال .

وسبب ارتدائهم لهذا الزي الابيض ، يعود الى الى معتقدات ديانة ايرانية هندية ، وكما ماهو موجود في الديانة المندائية . حيث كانت تعبد العفاريت ( Daeves ) الهة الشر والظلام تلك العفاريت التي لا بد من مجابهتها بنقاء الفكر والبدن والنور لان اللون الابيض يسمح بملامسة النور لاجسامنا بمقادير متساوية ويقضي على الظلام . وكان كذلك من عادات الشعوب الخروج والتنزه في هذا اليوم بسبب طبيعة البلاد الجبلية ، وقد اعتبر مسك النبات من ةوسائل الترك وخاصة في العهد الساساني ، لدرجة انهم سموا حدائقهم بجنة ، مثل كلمة فردوس وبستان والتي انتقلت الى الكتب المقسة لاحقا . وحتى ان الاسرة باكملها كانت تذهب الى الحدائق وتقضي اليوم في المرح ، والغناء ،وترتيل الاناشيد ، ويتبادل افرادها الهدايا والحلوى في عيد النوروز ، كما كان يفعل الملك ( خسرو ابرويز ) ( 590 – 628 م ) حيث كان يخرج الى بستانه ليقضي اسبوعين في اللهو والطرب .ومن عادة الملوك الساسانيين الجلوس مرتين في السنة في يوم نوروز ويوم المهرجان ، حيث يرى فيه مشاكل الناس وحلها .

ومن طقوس نوروز هو رش الناس بعضهم بعضا بالماء ، ويعتبر الماء من المقدسات في الافستا ، وكما عند المندائيين وعند الهندوس ايضا ، ويسمى اليوم التاسع من ( سبيندارمز) بنوروز الانهار والمياه الجارية ، وفية يطرحون الطيب ،والماء ورد في المياه ، بالاضافة الى عملية الرش ، وقد وردت عملية التطهير من خلال الرش بالماء عند الشاعر اللاتيني فيرجل في كتابه الانيادة ، عندما قام رجال طروادة في ملحمته المشهورة ( حصار طروادة ) بدفن ميزانوس ثم طهر القوم من قبل الكاهن برشهم بالماء بواسطة غصن من شجرة الزيتون . وكانت الغاية من الرش او صبه ايضا لغرض جلب المطر بعد القحط والجذب . ويستمر العيد ستة ايام ، حيث يحتفل الملك مع خاصته ، اما اليوم الاول ، او الاخير فيتحول الى مظاهرة شعبية حيث يبكرون ويذهبون الى مجاري المياه للاستحمام ، والرش ،ومن ثم يتبادلون الهدايا والحلوى ،وقبل ان يتطق احدهم بكلمة ياكلون السكر ويلعقون العسل ثلاث مرات ، ويدلكون اجسامهم بالزيت ، ويتبخرون بثلاث قطع من الشمع ليحفظوا انفسهم من الامراض . وكان اشهر تقليد معروف في هذا العيد وهو نصب السماط ، وهو نوع من الاغذية ويجب ان يضم سبعة الوان من الطعام . في ختام هذا الموضوع احب ان اذكر من كثير الكثير من الشعراء قد تغنوا بهذا العيد في قصائدهم منهم من الادب الفارسي ومنهم من العصر الاموي والعباسي وفي الادب العربي الحديث ايضا ، وهذا جزء من قصيدة لشاعر العراق الكبير بدرشاكر السياب ، وعنوانها (وحي النيروز ) ، لتكن مسك الختام .

طيف تحدى به البارود والنار ما حاك طاغ وما استبناه جبار

ذكرى من الثورة الحمراء وشحها بالنور والقاني المسفوك اذار

مرت على القمة البضاء صاهرة عنها الجليد ، فملء السفح انهار

في كل نهر ترى ظل تحف به اشبح (كاوا ) ويزهو حوله الغار

يا شعب (كاوا ) سل الحداد كيف هوى صرح على الساعد المفتول ينهار

وكيف اهوت على الطاغي يد نفضت عنها الغبار وكيف نقض ثوار

والجاعل ( الكير ) يوم الهول مشعلة تنصب منه على الافاق انوار

الدخول للتعليق