• Default
  • Title
  • Date
الأربعاء, 03 نيسان/أبريل 2013

الدهفة حنينا ..عيد الازدهار عند المندائيين

  حسين كريم العامل
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

في الثامن عشر من شهر( تورا) المندائي هو العيد الصغير (دهفة حنينا)، ويسمى احيانا (دهفة طرمة)، وقد صادف هذا العيد في عامي 1932 و1935 الثالث والعشرين من تشرين الثاني... وهذا العيد يستمر ثلاثة ايام تقام خلالها مراسيم التعميد وقراءة الفاتحة للموتى (اللوفاني) وهو يقام احتفالا بعودة هيبل زيوا الى عالم الانوار من عالم الظلام). هذا ما قالته الليدي دراوور في كتابها (الصابئة المندائيون) عن الدهفة حنينا، لكن هامش المترجمين وهم من ابناء الطائفة المندائية يشير الى ان مدة عيد الدهفة حنينا الدينية هي يوم واحد فقط وليست ثلاثة ايام، رادين استمرار الاحتفالات ليومين اخرين لاغراض التزاور. وقد صادف العيد هذا العام 2005 في الخامس من تشرين الثاني وسبب هذا الاختلاف في التواريخ الميلادية يعود لاشهر السنة المندائية الاثني عشر التي يتكون كل شهر منها من ثلاثين يوما فقط يضاف لها خمسة ايام البنجة التي يعدها المندائيون اياماً نورانية مقدسة.

عيد الازدهار

وقد حدثنا الترميذة (الشيخ) سرمد سامي الذي حضر من مدينته الشطرة الى مندى الناصرية للمشاركة في طقوس العيد واقامة مراسيم التعميد التي لايمكن ان تتم من دون حضور رجل الدين عن الدهفة حنينا قائلا:

الدهفة تعني مناسبة او عيد وهي تختلف عن كلمة (دهبة) التي تعني الذهب كما ذهبت الى ذلك الليدي دراوور في كتابها (الصابئة المندائيون) فقد جاء في كتاب (ديوان الف ترسر شيالة) المندائي الذي معناه الف واثنا عشر سؤالاً النص التالي (اترص تاغة ابكل دهفة) ومعناها ثبت تاجك في كل مناسبة وقد جاءت كلمة دهفة هنا بمعنى مناسبة اما كلمة حنينا فتعني الازدهار، والعيد هو عيد الازدهار فالحياة دبت في الارض في مثل هذا اليوم وازدهر العالم المادي.

وعن خصوصية العيد قال: 

يتميز العيد باقامة مادبة افطار تحتوي على الرز واللبن والتمر والسمن الحيواني (الدهن الحر) وهذه عادة اجتماعية اكثر منها دينية وكذلك تقام طقوس التعميد وعمل الثواب (اللوفاني) اضافة الى اقامة الاعراس 0 

واثناء حديثنا مع الشيخ حضر الى المندى عروسان بملابسهما الدينية البيض الجديدة تحف بهما جوقة من الرجال والنساء حيث ستقام مراسيم الزواج بعد ذلك على يد الشيخ.

مأدبة الافطار

وعن الاستعدادات لهذه المناسبة حدثنا السيد حكيم سليم حنظل رئيس الطائفة في ذي قار قائلا : 

تبدأ الاستعدادات للعيد منذ ساعات الفجر الاولى حيث يؤدي المندائيون الصلاة وقراءة الادعية والتراتيل الدينية ولا سيما دعاء الرحمة (نياني رهمي) كما يقومون بالاعداد والتحضير لمأدبة جماعية في المندى يقدمونها كوجبة افطار بعد شروق الشمس.

وقد دعاني السيد حكيم لمشاركتهم هذه الوجبة، فتناولت مع مجموعة من المندائيين الرز المطبوخ واللبن والتمر والسمن الحيواني من احد الصحون الممتدة على طول ساحة المندي الداخلية وقد علمت من احد الجالسين ان هذه الوجبة لا تقتصر على اليوم الاول من العيد بل يمكن اقامتها في أي يوم من الايام الثلاثة 

عالم الانوار

وعن الفعاليات الاخرى التي يتضمنها العيد حدثني السيد نعمان جوبان قائلا : 

يجري الاحتفال بهذا اليوم ابتهاجا بعودة الملاك(هيبل زيوا) من عالم الظلام الى عالم الانوار حيث قام بتطهير العالم المادي من قوى الشر وهيأه لسكن بني البشر بعد ان تمكن من الحصول على (السكين دولة) التي تعتبر سر قوة ذلك العالم، وفي هذه المناسبة يقوم المندائيون بتقديم التهاني الى الشيخ والتزاور فيما بينهم وتقديم التعازي للعوائل التي فقدت احد افرادها في الايام التي سبقت العيد وكذلك يقومون بعمل الثوابات على ارواح الموتى (اللوفاني)وزيارة العوائل المتعففة من ابناء الطائفة وتقديم الدعم المادي والاغذية لها فضلا عن مراسيم التعميد التي تعتبر تطهيرا للنفس والجسد كما يمكن اقامة الاعراس في هذه المناسبة وفي ايام غير ايام الاحاد كما هو معتاد فايام الاعياد مقدسة وصالحة لاقامة مراسيم الزواج.

وعن ذكريات العيد قالت السيدة عدوية جوبان :

هي فرحة بانتصار قوى الخير وهي مناسبة نسهر فيها حتى الصباح خوفا من مضي الوقت قبل اتمام وانضاج مأدبة الافطار التي تقدم في ساعات الصباح الاولى وقد قضينا الليلة الماضية باقامة الصلوات وقراءة الادعية وشرح مضامين هذه المناسبة لافراد العائلة هذا فضلا عن الاستعداد لاقامة المأدبة 

في حين عبر السيد عارف ابراهيم عن قلقه من هجرة المندائيين وحزنه على بعدهم وعدم تمكنه من الاحتفال معهم بهذه المناسبة قائلا : 

لقد كانت اعداد المحتفلين اكبر بكثير مما هي عليه الان والسبب في ذلك يعود الى رحيل اعداد كبيرة من العوائل سواء بالهجرة الى خارج القطر او بالانتقال الى العاصمة مما انعكس سلبا على بهجة العيد. وتابع قائلا لقد كنا في مثل هذه الايام نلتقي بالاحبة والاصدقاء اما الان فليس امامنا سوى النقال واجهزة الهاتف للتواصل معهم، وعبر عن امله بعودة المهاجرين بعد تحسن الوضع الامني.

عرس مندائي

ما ان فرغت الجموع من تناول وجبة الافطار حتى اخذ مساعدي الشيخ واقارب العروسين بتحضير مستلزمات الزواج، فتم بناء كوخ الزواج الـ(اندرونا) من القصب وجرى تحضير الاس والطريانات (الاواني الطينية) وجرتين فخاريتين وسلتين تحويان ملابس العروسين اضافة الى الزبيب واللوز والخبز والتمر والسمك المشوي والملح وكأس نحاسية صغيرة (كبثة) يسقي بيها الشيخ الـ(همرة) العريس من قنينة مملوءة بسائل بني اللون ناتج عن عصر حبات العنب او التمر في الماء حيث يتم اعداده خلال الاستعداد لمراسيم الزواج ولايجوز تحضيره قبل ذلك خوفا من التخمر وقد بدات المراسيم بالتأكد اولا من سلامة العروسين جسديا فمراسيم الزواج الدينية الصحيحة لا يمكن ان تتم من دون ذلك وقد تولت احدى النسوة فحص الفتاة في احدى غرف المندى على الرغم من حصول الاخيرة على شهادة طبية تثبت عذريتها بينما تاكد الشيخ من سلامة العريس وهو يقوم بتفحص رستته (الملابس الدينية) واعادة ربط الحزام الصوفي (الهميانة) وبعد ان تاكد الشيخ من سلامة العروسين جرت المراسيم الاخرى، إذ قام الشيخ بتعميد العريس اولا ومن ثم العروس واثنين من النسوة وقد جرى تعميدهم الواحد تلو الاخر، فلا يجوز اقامة مراسيم التعميد بشكل جماعي وقد كان من بين النسوة والدة العروس وبعد التعميد دار العريس حول الدرفش وهو يردد وراء الشيخ (اسوثة زكوثة نهو يلخون ياملكي اواثري ومشكن ويردني ومشخناثي اد المة دنهورة كليخون) وقد تطوع السيد عبد السلام العيبي لترجمة هذه الكلمات واجملها بالنص التالي: 

(السلام والتزكية نهدي لكم ايها الملائكة والاثريون والمساكن والجداول والانهار في عالم الانوار) وما ان اتم العريس الدوران حول الدرفش حتى جاء دور العروس وبقية المتعمدين ثم واصل بعدها الشيخ اكمال مراسيم التعميد التي تضمنت رسم جباه المتعمدين بزيت السمسم واطعامهم قطعة خبز (طبوثة) مشوية بنار الطريانة ومن ثم انتقل العروسان من الساحة الخارجية للمندى الى ساحته الداخلية التي نصب فيها كوخ الزواج واثناء انتقال العروسين سألت العريس قصي فوزي مالك عن رايه بتلك المراسيم فقال : 

مراسيم وطقوس جميلة توارثناها عن الاجداد وهي رسم ديني واجب على كل مندائي حيث يتم تطهير النفس من الاخطاء وطلب المغفرة وعبر عن فرحته وهو يرتجف من برودة الماء الذي خرج منه قبل فترة قصيرة 

بينما قالت العروس سلمى شاكر حين سألتها هل تودين ان تجرى مراسم الزواج من دون تعميد ردت قائلة : 

لا.. لا اتمنى ذلك فهذه المراسيم مقدسة في ديانتنا 

الاندرونا

بعد ان انتهى التعميد انتقل العريس وحده الى كوخ الزواج (الاندرونا) بينما انتقلت العروس الى مكان اخر تحف بها امها وصديقاتها وجلست تحت قطعة من القماش الابيض (كلة) وبالقرب منها صينية من الاس والشموع الموقدة، وما ان اخذ العروسان مكانهما حتى انتقلت مع الشيخ الى مكان العريس في كوخ الزواج (الاندرونا) فرأيته هيكلا مبنياً من القصب وفق حسابات هندسية وفيه تسعة طريانات (اواني من الطين) وليست ثمانية كما تذكر دراوور حيث قال لي الشيخ انها تمثل اشهر الحمل التسعة وقد لاحظت ان الطريانات تحوي كمية من الاطعمة كالجوز واللوز والفستق والزبيب والسمسم والملح والتمر والخبز والماء والسمك المشوي وغير ذلك من الاطعمة اضافة الى اغصان من الاس وقطعة نقد معدنية وسلتين تحويان ملابس العروسين كل على حدة. وقام الشيخ فيما بعد بقراءة الادعية وخلطهما ليرمز بذلك الى شراكتهما في الحياة كما تم احضار جرتين فارغتين قام احد الصبيان بكسر احداهما امام كوخ الزواج الذي يجلس فيه العريس فيما كسر الثانية ام كلة العروس حيث لا يتم تحطيم الجرتين الا بعد قراءة التراتيل من كتاب (القلستة) كتاب اناشيد وتراتيل الزواج عند لمندائيين وعندما ينطق الشيخ بحرف (القاف) فقط 0 

وقد ذكر لي الترميذة سرمد سامي الذي قام بتلك المراسيم ان حرف (القاف) يعني الخطوة الاولى وهو من كلمة قال التي نادى بها الخالق العظيم واعلن خلق الكون0 

وقد استمرت قراءة التراتيل وتواصلت مراسيم الزواج بانتقال الشيخ ومساعده من كوخ العريس الى كوخ العروس لاكثر من مرة لتبلغ ذروتها بانتقال العريس الى كلة العروس وجلوسه على الارض ظهره الى ظهر العروس ليقوم الشيخ فيما بعد بقراءة التراتيل والادعية ودق رأسيهما برفق الواحد بالاخر ثلاث مرات حيث اوقدت النسوة بعد ذلك البخور وجرى نثر مسحوق الورد على كلة العروس وتعالت الزغاريد والاغاني والتصفيق ومن بعدها قام الشيخ باصطحاب العريس الى كوخ الزوجية لاكمال بقية المراسيم ليتم بذلك عقد القران وينتقل العروسان متشابكي الايدي من المندى الى بيت العريس وسط فرحة الاصدقاء وهلاهل النسوة ونثر الحلوى على رؤوس الحاضرين حيث سينتظر العريس الساعة الفلكية الملائمة ليقترب من عروسه لان العريس لا يمكن ان يقترب من عروسه الا في ساعة فلكية ملائمة كما تذكر ذلك دراوور.

وبوجه عام يحق للرجل المندائي الاقتران باكثر من امراة ولا يحق له الطلاق لان الطلاق محرم دينيا.

الدخول للتعليق