• Default
  • Title
  • Date
الخميس, 31 كانون2/يناير 2013

أسطورة الماء ...؟

  عزيز عربي ساجت
تقييم هذا الموضوع
(2 عدد الأصوات)

يجازف بعض الباحثين في ميدان الميثولوجيا ، ويذهب الى القول بأن الاساطير يمكن ان تكون الارضية الواسعة لحقائق العلم جميعها لكونها تنطوي على الاصول الفكرية السابقة للتعقل .

لقد شغلت عناصر الطبيعة واحداث الحياة الكبرى مثل النار والشمس والماء والريح والولادة والموت والحب .... الخ ، ان الحيز الاهم والاكبر في مجال ابتداع الاساطير يعد الماء في مقدمة اهتمامات الانسان وعنايته بالاسطورة منذ عصور مبكرة ، والماء هوالنهر الجاري والبحر والمحيط بكل ما يتعلق بها ، فكل شيء حي مبعثه الماء ، وبقاء الانسان مرهون به ودوام الحياة الحيوانية والنباتية مرهونة به كذلك .

اعتقدت البشرية الاولى بان الانهار تأتي من منابع مجهولة ولابد ان يسيطر على هذا المجهول ويتحكم بمقدراته أحد الالهة ومن هنا أبتدع الاقدمون أسطورة ألهة الماء او النهر ، واذا كانت قصة الطوفان حقيقية لورودها في الكتب الدينية المقدسة فانها مع ذلك عززت الاعتقاد بقوة أله البحار الاعظم ( نيتون ) الذي يوصف بالقتامة والتقلب ولكنه في الوقت نفسه يتميز بالخصوبة وفق المعتقدات الاسطورية فأن نيتون يستعين بحيوانات الدرافيل التي تعمر سلالتها مياه البحار ، ولقد لاحظنا ذلك من خلال مشاهدتنا للفلم التاريخي (حروب طروادة ) او (تروي ) ، وما تمثله الملحمة اليونانية – الاوديسة – للمورخ اليوناني فرجيل من ابداع ادبي ، التي تحكي قصة ملك اثيكا – اوديسيوس - ومغامراته في البحار قبل 3200عام ، والدور الكبير الذي لعبه اله البحار ( ابسيدون ) في ارجاعه الى وطنه الام – اثيكا اليونانية ، بعد مرورعقد من السنوات .

وسوف تستعيد ذاكرتنا ايضا نذور المصريين القدامى للنيل ، حيت ترمى العرائس تطيبا لخاطر الالهة واساطير الماء كثيرة ، فهناك مثلا أسطورة ( ديكاليون ) واسطورة (أوليس ) وغيرها وجميعها تتحدث عن امتلاء البحاروالمحيطات بالوحوش والمخاطر والفخاخ التي لا يتحكم بها اله واحد بل مجموعة الهة وهكذا كانت كل ظاهرة غريبة او مجهولة تستدعي تفسيرا ... ولان التفسير كان رهن العلم ، والعلم لم يبلغ شوطه النهائي ، فقد كانت الاسطورة تتولى المهمة .

لا يمكن ادخال الاسطورة في دائرة ( الايتولوجيا – علم تعليل الاسباب ) ونخضعها للمعايير المنطقية والنقد المنهجي الموضوعي كونها قوة حطمت أخر الزمان والمكان كالحلم تماما فهي مرتع خصب للمشاعر الانسانية اللاارادية وتعبير عن وعي الانسان ، وتراكمات كمية موغلة بالقدم ممتدة نحو الحاضر ما أمكنها الامتدادة ولقد اعتبر ( فريزر ) ان مرحلة الاسطورة متقدمة اذا ما قيست بمرحلة السحر التي سبقها حيث كانت مرحلة الاسطورة ارهاصأ لظهور الفكر الفلسفي ثم العلمي .. وكما تصارع الموجة العرضية عوامل تلاشيها ما امكنها .. فأن الاسطورة ايضا تبقى سابحة في ملكوت الخيالات المجنحات طاردة عوامل فنائها وكل ما يحد من اتساعها حتى يؤطرها التبت من خلال تدوينها وبالتالي مرأة للشعب الذي ابتدع نواتها وللشعوب التي شاركت في صياغتها واضافت اليها من عذريتها .

اما السحر فيعرفه فرويليش : بأنه ( مجموعة من التقنيات التي تسمح للاختصاصي الذي تعلمها بأن يؤثر على العالم المرئي وغير المرئي بفضل سيطرته على القوى المختبئة ) .

ويرى البعض ان الاعتقاد بوجود هذه القوى الخفية بدأ مع نزوح الانسان من المملكة الحيوانية ، وان وجود هذه القوة كان مرتبطا بقوى غريزية حادة ، وان هذه القوة كانت اكثر نشاطأ عندما كان الانسان متوحشأ منعزلا صيادأ وتضاءل الاحساس بها كلما دخل في اطار الحضارة والتجمعات البشرية والاستقرار ، اي ان السحر هو اعتقاد وتقنية معا ، ولذلك يقوم على وجود القوة الخفية والاعتقاد بها ثم على طقوس تقنية تنفذ ذلك الاعتقاد ، وهذا ما يجعله مختلفا عن الدين الذي هو اعتقاد بقوى غيبية في الكون يجب الايمان بها والخضوع لها ، اي ان السحر يختلف عن الدين في نوعية المعتقد ، فالقوة الخفية في الدين خارجية وتجسيدها كائنات الهية اوكائن الهي هي التي تسيطر على الانسان وترسم له مصيرة ، في حين ان القوة الخفية في السحر تكمن داخل الانسان وان وجدت خارجه فانها تظل مرتبطة به بطريقة ما ، ويمكن السيطرة عليها وتحريك الكون كله بها ، ثم ان الدين يتضمن بالاضافة الى المعتقد والطقس ، الاسطورة ، في حين يخلوا السحر من الاسطورة .

ويحكي ولاس ويدج في كتابه ( السحر المصري ) حوادث خارقة مثل شق موسى مياه البحر وعبوره مع قومه ، التي يرجعها يدج الى حادثة اسبق مدونه على بردية ، كتبت أبان الفترة الاولى من السلالة الثامنة عشر الفرعونية عن الساحر – تشاتشا- ايم- غنج - الذي صنع حائطين من مياه النهر التي كانت على عمق 12م واصبحت على علو 20م ليبحث عن حلية لاحدى نساء الملك سقطت في الماء .

ان هدف الساحر بصورة عامة هو فرض ارادته على الطبيعة والالهة والانسان ، وان الساحر بشكل خاص والانسان بشكل عام يمتلك قوة خفية يسميها ( س ) يصل الانسان بها الى ما وراء الحاضر ، وهي ليست حاسة سادسة بل قدرة عادية من قدرات الوعي التي يرى بأنها مفتاح التجربة الغيبية .

لكن الهدف هو الوصول الى مفهوم علاقة الماء بالحوادث الكبرى في الطبيعة ، حتى وصل الاعتقاد وما يزال الى علاقة الكواكب السبعة المعروفة ويسمونها كالهة ، ويعتقدون ان حوادث العالم كلها من افعالها ، وقد اتخذت تلك الاساطير والخرافات وما خالطها من الطلاسم والممارسات السحرية عدة امتدادات دينية وعرقية خلال مساراتها التاريخية ، وللتامل يلاحظ مثلا ان طقوس التعميد وهي طقوس تنشأ في المجتمعات التي تعيش على ضفاف الانهار الكبيرة كنهر الغانج في الهند ، وكذلك الحضارات القديمة في بلاد الرافدين وبلاد الشام وقد تسربت الى كل من الصابئة واليهود والمسيحية مع كثير من الطقوس والتعاليم الطوطمائية عن طريق الثقافة البابلية العريقة ، ومن الجدير بالذكر من ان الديانة المندائية قد تطورت نحو الاسمى ، واثرت تاثيرا كبير على الديانات الاخرى اللاحقة .

في الاناجيل هنالك عدد من الاشارات والرموز السرية القديمة التي تربط الابن المخلص بالشمس وميلاده بميلادها ، ومنها حادثة اعتماد المسيح بمياه نهر الاردن ، فعماد المسيح هو ميلاده الثاني ، وكل مسيحي يجب ان يولد ثانية بعد التعميد بالماء : ( الحق اقول لكم ، ان كان احد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله ).

اما عن حادثة الاعتماد فنقرا ( حينئذ جاء يسوع من الجليل الى نهرالاردن الى يوحنا ليتعمد منه ، ولكن يوحنا منعه قائلا : انا محتاج ان اتعمد او اعتمد منك وانت تأتي الي ؟ فأجاب يسوع وقال له اسمع الان لانه هكذا يليق ان نكمل كل بر ، حينئذ سمح له ، فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء واذا السماوات قد انفتحت له ، فرأى روح الله نازلا مثل حمامة واتيأ اليه ، وصوت من السماوات قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ) . وفي الحقيقة فان طقس التعميد او الاعتماد الذي كان معروفا في الديانات السرية ، يرجع في اصله الى عبادة اله الماء السومري – البابلي (أيا) الذي يعني اسمه اله بيت الماء ، وكانت طقوس الاعتماد (التعميد ) بالماء تتم في معبده ، بيت الماء ذلك ، وكان البابليون يرمزون للاله ايا بحيوان خرافي نصفه الاعلى لجدي ونصفه الاسفل لسمكة ، كما كانوا يرمزون لبرج انكي السماوي بنفس الحيوان ، وهذا البرج مازال معروفأ الى يومنا هذا ببرج الجدي ، وهو البرج الذي لاحظ البابليون القدماء ان الشمس تدخله وقت الانقلاب الشتوي لتجتازه بعد ذلك صاعدة في دورتها الجديدة نحو منتصف السماء . فاذا علمنا ان الاسم الذي عرف به الاله انكي في الفترات هو (اوانيس ) الذي يلفظ باليونانية (ايوانيس ) وباللاتينية (يوحانيس ) وبالعبرية (يوحنان ) لأدراكنا العلاقة السرانية بين اله الماء انكي ويوحنا المعمدان في الانجيل ، وهذه العلاقة انما تربط في الوقت نفسه بين يوحنا المعمدان الذي يعمد بالماء وبرج انكي الذي تمر فيه الشمس قبل ولادتها الجديدة في السماء ، وبرج انكي الذي تمر فيه الشمس قبل ولادتها الجديدة في السماء ، وتجعل من حادثة اعتماد السيد المسيح انعكاسأ للحدث الفلكي ، فالسيد المسيح بعد اعتماده بماء الاردن على يد يوحنا المعمدان (يهيا يهانا ) وولادته الجديدة ، يصعد من الماء ويجتازه ليهبط عليه روح القدس ويكرسه ابنأ للاله وقاهرأ برسالته للظلام ، تماما كما تلد الشمس في يوم الخامس والعشرين من ديسمبر مجتازة برج الماء في ميلادها السنوي الجديد . ومن المتعارف عليه ايضأ ، ففي منتصف القرن الثاني من ظهور الناصري – السيد المسيح – الى تبديل شعار السمكة الذي كان يتعارف به التلاميذ والاتباع على بعضهم لدى المصافحة والذي كانوا يرسمونه ةعلى عتبات بيوتهم او يدونونه في مراسلاتهم ، فأحلوا مكانه شعار الصليب الذي لم يزل شعار المسيحيين المتداول ، فمن المعروف بأن يسوع بارك السمك ، لاجل ذلك جعله ذلك جعله التلاميذ شعارهم ، كما انه من المعروف بأن الصليب هو اله العذاب حتى الموت المخصص للمجرميين ، والخارجين عن القانون انذاك ، وابدال السمكة بالصليب هو تكريس لانتصار اليهودية على تعاليم السيد المسيح .

مصادر الموضوع :

-مصطفى حمودي – من جلجامش الى نيتشه بحث في الثقافة العالمية .

- خزعل الماجدي – بخور الالهة .

- كولن ولسن – الانسان وقواه الخفية .

- فراس السواح – لغز عشتار .

- محمد نمر مدني – انهم يعبدون الشيطان .

- جود ابو صوان – القراءات الملعونة .

الدخول للتعليق