• Default
  • Title
  • Date
الثلاثاء, 17 كانون1/ديسمبر 2013

المندائية طقوس الماء الجاري

  زهير كاظم عبود
تقييم هذا الموضوع
(1 صوت )

ليس فقط طقوسهم التي تعتمد على ( اليردنا ) الماء الحي الجاري ، ولا العديد من تلك الطقوس التي تمارس وسط موجات الماء الحي غير الراكد ، وليس فقط تلك الثياب البيضاء التي تعبر عن الطهارة والنقاء ، فالاغتسال ميزة رمزية تعبر عن طهارة الجسد ، ولون الثياب البيضاء تعبر عن الطهارة ، فنقاء الروح وطيبة النفس والنزوع للخير مميزات تعتمدها المندائية نصا وفعلا .
( صباغة الروح والجسد ) تلك ما تعمده طقوس المندائيين ، تطهير النفس البشرية من شرورها وآثامها ، غسلها بالماء الجاري لتعود نظيفة وصافية ، واعتماد الماء عصب الحياة وعمودها الاساس في تلك الديانة القديمة قدم البشر .
كلمة مندائي حسب الدراسات اللغوية جاءت من جذر كلمة ( صبا ) الارامي ، معناها اللغوي اصطبغ أو غطس أو تعمد ) ، ويمارس المندائيون طقس الاغتسال في الأنهر الجارية ، ومعنى كلمة مندائي العلم والمعرفة ، ووفقا للآرامية فإنها تشير الى الذي يعرف او يعتقد بوجود الله خالق الكون ، وقد عرف العرب كلمة ( صبأ ) أي خرج من الدين بما يؤكد خروج الأنسان من دين الضلالة الى دين التوحيد ، وفي لسان العرب خرج من دين الى دين آخر كما تَصْبَأُ النُّجوم أَي تَخْرُجُ من مَطالِعها.
وقد ورد في الكنزا ربا في سورة التوحيد :
(( مسبح ربي بقلب نقي هو ألحي ألعظيم, البصير القدير العليم, العزيز الحكيم, وهو الازلي القديم, الغريب عن اكوان النور, هو القول والسمع والبصر, الشفاء والظفر, والقوة والثبات هو الحي العظيم, مسرة القلب وغفران الخطايا, مسبح ربي بقلب نقي.
يارب الاكوان جميعاً مسبح انت مبارك ممجد, معظم ,موقر , قيوم, العظيم السامي, الحنان التواب, الرؤوف الرحيم, الحي العظيم, لاحد لبهائه, ولامدى لضيائه, المنشرة قوته, العظيمة قدرته, هو العظيم الذي لا يرى ولا يحد, لا شريك له في سلطانه, ولا صاحب له في صولجانه, من يتكل عليه فلن يخيب , ومن يسبح بأسمة فلن يستريب, ومن يسأله فهو السميع المجيب, ما كان لأنه ما كان , ولايكون لأنه لا يكون , خالد فوق كل الاكوان , لا موت يدنو منه ولا بطلان. ))
فالطقوس عادة مستلة من عمق الدين ومن بين النصوص المقدسة ، وهي تعبر عن نظام العبادة وشكل الشعائر الدينية والعبادات ، وتشير ( الكنزا ربا ) ( الكتاب المقدس عند المندائيين ) الى تلك الطهارة والسمو بالنفس الإنسانية والترفع عن الصغائر ، وتحث على الصدقة والمحبة والسلام ، وتأمر المندائيين ان ينشروا خيرهم ومحبتهم على الناس أجمعين كما ينشر الماء الجاري عذوبته وروعته وبساطته ، ومثلما يتم تعميد الطفل المولود حديثا في الماء الجاري حتى تحثه تلك الديانة على ان يكون نقيا وصافيا ومعطاء مثل تلك المياه الجارية التي غسلت جسده وجعلت روحه صافية .


والنصوص المقدسة التي يضمها الكنزا ربا تعتبر كلاما مقدسا وتعاليم يوجب الالتزام بها ، ويمكن ان يكون تعريف كلمة الكنزا ربا تعبيرا عميقا عن تلك النصوص والتي تعني بالكنز العظيم ، ويتطرق الى قصص الأنبياء والأزمان الأولى التي كانت فيها المندائية تشع على ما حولها من مناطق تقع على ضفاف الأنهار ، بالإضافة الى ما ضمته من قصص الخليقة والرسل والانبياء والتعاليم الروحية والمصادر الأساسية للأيمان بالتوحيد ، وتحث تلك النصوص على المحبة والمعرفة وتدعو للطهارة الروحية قبل الجسدية ، وقد جسد المجتمع المندائي تلك التعاليم بطريقة عملية ، واثلت اتباع هذه الديانة تلك التعاليم ومارسوا تلك الطقوس دون ان يخالفوا تعاليم دينهم في تقديم الخير والمحبة والسلام لجميع الناس .
واذا كانت الرمزية تعبيرا عن تلك الديانات ، فأن طقوسها وشعارها يكملان تلك الرمزية ، ولعل تلك الرمزية التي تنعكس على شعار المندائية ( الدرفش ) ، وما يسمى بعلم يحيى ، وهو شعارهم المتكون من عصى متقاطعة ، احدها مدببة من الأسفل تشكل علامة ( + ) تلتف عليها قطعة من قماش الحرير الأبيض مشرشبة من الاسفل ويعلوها عدد من اغصان الاس .


ولطالما عبرت الملابس البيضاء عن النقاء والطهارة ، فقد اعتمدت المندائية تلك الملابس حتى في طقس الزواج الجاري وسط الماء الجاري ، ولأن تلك الشعائر ترتبط بالرمزية فأن طقس الزواج يوجب على المتزوجين ارتداء ( الرستة ) وهي ملابس بيضاء ترمز الى نقاء الضوء وطهارة النفس البشرية ، كما ان رجال دينهم يرتدون الملابس البيضاء ايضا
ولعل اهل العراق عموما اكثر معرفة بتلك المواصفات التي التزم بها المندائيين ، باعتبارهم من سكنة العراق الأوائل ، ومن اهل الديانات التوحيدية القديمة ايضا ، ومن المجتمعات التي تمكنت من الاختلاط والانسجام مع عشائر واعراف وديانات المجتمع العراقي ، ولعل انبل تلك الشعائر ذلك الالتزام الصارم بالمحبة والوداعة والدعوة للسلام التي رافقت حياتهم بالرغم من كل المحن والسلبيات التي رافقتهم والتي عكستها العقلية الساذجة او المتطرفة ضدهم على مر الزمان .
تلك الطهارة ليست ثوبا يرتديه المرء ، ولاطقسا دينيا يمارسه ، ولا نصا مقدسا يطالعه ، انما هي ممارسة يومية وأيمان بحقيقة تلك الطهارة التي تغمر الروح والعقل ، فتحيل الأنسان الى كائن سامي يجاهد من اجل قيم الخير والمحبة ليعكسها على ديانته وطقوسه ، تلك هي طقوس الديانة المندائية التي تحث على المحبة والخير والسلام بين الناس .


ليس سرا ان تعتمد المندائية على عبادة الخالق الواحد الأحد قبل كل تلك الديانات التي عمت المنطقة ، وليس سرا ايضا ان تحث معتنقيها على البحث والتطوير والعمل وتنقية النفس والصوم والزكاة والصدقة والتعميد والاغتسال في المياه الجارية ، ومن يستل من هذه الالتزامات مجموعة بشرية تعايشت مع كل تلك المحن والظروف التي عصفت بالعراق ووزعتهم في مشارقه ومغاربه ، وبعثرتهم في كل انحاء الأرض ، غير انهم وبالرغم من كل تلك القوافل من القرابين التي تقدمت على مذبح حرية الأنسان والعراق ، كانوا صابئة مندائيين بحق ، نقشوا على جباههم قيم المحبة والتسامح والنخوة والشهامة ، ورفعوا مع رايتهم البيضاء الناصعة راية السلام والتآخي .
المندائية ديانة تحث على الطهارة ونقاء النفس البشرية من الحقد والكراهية ، مثلما تحث على كل القيم الايجابية ، ونجح اتباعها في غرس محبتهم في قلوب وضمائر من تعرف عليهم عن قرب .

الدخول للتعليق