• Default
  • Title
  • Date
الخميس, 10 آذار/مارس 2016

رموز الحركة الابداعية التشكيلية المندائية المعاصرة ـ 4

  عزيز عربي ساجت
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

الفنان المبدع نوري عواد حاتم

الفن هو النافذة التي تطل على الجانب السامي من النفس البشرية ... ناقد فني.
يقول ( كوندياك ) الفيلسوف الفرنسي الشهير وزعيم المذهب الحواسي ...( هناك فرق كبير بين الرؤية والنظر ) فالاعمى ينظر ولكنه لا يرى ، وكلما كثر ما في العقل قل ما يحتاج اليه الانسان لتصوره ، والناس يرون الاشياء بعيون مختلفة ومن زوايا متعددة .
من ايام الزمن الجميل ومن بساطة الحياة ، استقى معلوماته وتصوراته على ضوء هذا الفهم ، أنطلق فناننا القدير نوري عواد حاتم ليؤلف اعماله ويدخل عليها هالة مصداقية فكرهُ ، وما يدور في خلده من افكار وتصورات راقية مُبهجة لما يشعر به ، وحسب الرؤية التي يعتقد انها تمثل منطلقاً فكرياً سليماً ، في درجها ضمن لوحاته متعددة المضامين والاهداف ، بالاضافة الى اللون والذي يمثل عنده شعر صامت نظمته بلاغة الطبيعة وبيانها الشامخ .


إن اعماله الفنية تحمل روحية النظرة المفعمة بنبض الحياة وحيويتها وعنفوانها وجمالها ، فالوانها زاهية وشفافة وصريحة ، وقلما استخدم المزج في الألوان من اجل ابراز الصورة الواقعية الناطقة بالحياة .
فاغلب اعماله عبارة عن لوحات زخرفية راقية صاغتها يد فنان ماهر ، لوحاته تمثل اسلوب "الباروك والركوكو"* مع الميلان للاتكاء على الاسلوب التكعيبي والسريالي ، وعدم الاهتمام الزائد بقياس الجسم البشري ، والاهتمام بجمالية الخط واللون وباشكال زخرفية تعتمد الهندسة الذهنية في التخطيط ، وفن الرسم بالفرشاة المستخدمة لاعطاء شفافية الالوان وعمقها اللوني لانتاج المجال لدخول الضوء الصادر من اشعة الشمس او تسليط ضوء صناعي من الخارج مما يتيح ظهور اشكال تمثل لوحات متعددة الالوان الغامقة منها والفاتحة واشكال البورتريت ،.


كما جاء ضمن دراسته الخاصة عن البورتريت كتبها استاذنا المقتدر نوري عواد حاتم بالقول : معروف عن رسم البورتريت هو جزء من الموديل، حيث ان للموديل عدة غايات منها دراسة الشكل الانساني للشخصية ، ولذا نرى ان الرسام يبحث عن مختلف الشخصيات الاجتماعية لإثراء الخبرة والتكوين واعني به موقع الموديل ومدى نجاح الرسام في اختيار الجلسة المستقرة والتكوين المستقر ( بالنسبة لعين المشاهد اي حينما ينظر المشاهد على اللوحة يشعر ان الموديل مستقر في جلسته ) ، ثم دراسة الإضاءة ومساقط الضوء وانعكاسات الظل ، ففي كل ذلك إثراء عظيم لخبرة وتجربة الرسام .
حيث قدم رؤيا جديدة من خلال تقسيمات لوحاته كونه لم يلتزم بالنسق المعروف لأبعاد اللوحة الواحدة وانما اتخذ من الاشكال الهندسية الدائرية والمستطيلة والمربعة بأبعاد كونها لوحات متداخلة بعضها بالبعض الآخر ، اوعددت اللوحة بعدد متكرر من اللوحات ، مما منح الشكل ناحية تعبيرية بأختلاف الشكل ليتناسب مع البناء الزخرفي العام للوحة .
واللوحة عند الرسام نوري عواد حاتم تعبيرية حسب الرؤية التي صاغها ووضعها في قالب روحي وانساني متكامل الوصف والتعبير، صاغها بفرشاته في الخلط بعدة إتجاهات واسلوب ، فهي تزاوج بين التكعيبية والرمزية ، وكثير من لوحاته تنحو التقرب من الواقعية بحكم سرياني واضح .
وتحيطها الزغرفة التي تتداخل مع الوجود والعيون التي أظهرها كخلفية متداخلة مع الزخرفة الجميلة . لم يراعي القياسات للتشخيص ، ولكنه تلاعب في الشكل لتمنحه طاقة تعبيرية من خلال الأساليب المتعددة التي اشتغل عليها في اعماله الفنية متنوعة المضامين والافكار.
كتب عنه الناقد الفني السوري صبري يوسف في مجلة السلام التي تصدر باللغة العربية في ستوكهولم الفنان نوري غواد حاتم ، نعومة وطمأنينة وعيون بنداء يخفف عن القلب الوجع وعن حوافي العمر والعزلة ، قياساته دقيقة وتوزيع ألوانه متناسق زاوج العتمة والضوء فكان ربيعاً من الدفء والحنان ، أما الألوان الموزعة بشكل أقواس وسِهام دقيقة مع الرداء المرقش ساهمت في الإغناء وأعطت إيقاعاً وأشاعت إنطباعاً لطقوس الرشيد أو الخيام ، مجامر متقدة بمنقوع البخور الجديد تبخر سماوات الزمن الماضي ، وتبهر فضاء زمن المستقبل .
وتبقى لوحاته بصراحتها وصدقها لا تعبر عن قوة ادراك وابداع لفيزيائية النور ، وحسب شغفه بالصراحة ، جعل تعددية الالوان هي السائدة في لوحاته ، فهو يبقي الالوان الداكنة محور تنقلاته المدروسة داخل اللوحة الواحدة ، فهو ابيض اللون كبياض المندائية بصراحته ، واذا حاول ما حاول المزج بالالوان في بعض نتاجاته الفنية ، يفقد السيطرة على شفافية اللون ويظهر بعتمته ، وهو ما لم نجد له تفسيراً إلاّ كونه ما زال يؤمن برمزية الفكرة وعلى المشاهد والمتلقي فكَ طلاسمها ودلالاتها ، لهذا نرى ان اعماله تمتاز بالجمالية التعبيرية المكنونة داخل ذاته ، وان اغلب لوحاته كانت بألوان الأكريل والألوان المائية .
فاعماله تنم عن حس فني عالي الحساسية ، وفيه من الرقة والاتقان، مما يفتح لها المجال مستقبلاً لوضع اعمالاً تثير اكثر من اهتمام ، فهو يمتلك القدرة تنم عن دراسة وتجربة حية ، حيث تقترب نتاجاته الفنية الرائعة من شفافية المدرسة الانطباعية في التعامل مع الالوان بصراحتها ونقائها .
كتب الاستاذ سلام جاني سهر في تعليقه على احدى لوحاته الجميلة : ( لمحات تراثية ) بالقول : عندما أمعن النظر في هذه اللوحة احس انني استمع الى سمفونية الفصول الاربعة لفيفالدي فالتناسق اللوني الجميل يخلق في المشاهد شعورا غامرا بالفرح وطريقة التمازج بين الفكرة والمضمون .. فيها ينقل الانسان الى الواقع العراقي الاصيل وخصوصاً العيون التي في طرفها حورٌ والنخلة العراقية والتفاصيل الجميلة التي تنساب على سطحها تعبر عن إبداع لا متناهي وقدرة خلاقة لهذا الفنان واني مقتنع تماما ان هذه اللوحة تمثل قمة الابداع لنتاجه .

وفي مكان اخر كتب عنه بالقول : الاخ العزيز ابا رشا أدام الله أناملك الخلاقة ، كيف لي أن اعبر عن ما يجيش في داخل نفسي من مشاعر الغبطة والفرح عندما أطيل النظر الى هذه التحفة الرائعة ، انت تعرف رأيي بنتاجك الفني ، ولكني أقف هذه المرة مشدوهاً لما أحتوته هذه اللوحة من مضمون سواء أكان ذلك في هذه التشكيلة المتناسقة من الالوان أو الفكرة الإيحائية التي تنم عن أسلوب متميز ومدارك لا يملكها إلا الفنان التشكيلي المتمرس .
وفي حديث للرسام المبدع ابا رشا وعن تجربته الفنية بالقول : أميل الى رسم الجمال وبألوان زاهية تثير في المتلقي البهجة والفرح ، وأظهر في أغلبها الظلال ، والأضاءة كي تتجسد حركة وقوة اللوحة وأهتم جداً بتفاصيل دقيقة أثناء الرسم .
أحببت فن الرسم والنحت منذ صغر سني حيث تأثرت بخالي المعلم والرسام حزام عطية النصار .
أحب الحياة وتأثرت بما يحدث في وطني العراق ورسمت العديد عن معاناة الطفولة والأمومة والعائلة العراقية .

سيرته الذاتية :
*نوري عواد حاتم .. مواليد 1948 في مدينة الديوانية العراقية
* نال شهادة البكالوريوس في علوم الحياة / كلية التربية / جامعة بغداد عام 1970- 1969.
*إشترك بعدة معارض في السويد في الجمعية المندائية في العاصمة ستوكهولم ، وجمعية الفنانين التشكيليين العراقيين .
*إشترك وأشرف على مهرجانات الجمعية المندائية في ستوكهولم .
*لوحاته عديدة تجاوزت المائة لوحة .. موزعة في العراق وليبيا وأستراليا وهولندا وبريطانيا والمانيا وكندا ، إضافة الى السويد .. وبعض لوحاته إقتناها سويديون ، وتمتاز لوحاته بألوان الأكريل والألوان المائية .
*عضواً في هيئة تحرير مجلة الصدى الغراء الصادرة عن الجمعية المندائية في العاصمة السويدية - ستوكهولم .
* فنان مندائي عراقي مغترب يعيش الان في مملكة السويد .
لقد صور لنا استاذنا الكريم نوري عواد حاتم ، في مجْمل لوحاته الفنية عن الالوان وتأثيرها ودورها في تحديد أنساق اللوحة مع إظهار وبشكل واضح الاعتبارات والغايات الفكرية والفنية والانسانية . كما في الروائع الفنية التي خلدها لنا كبار الفنانين أمثال بيتر بول روبنس (1577- 1640 ) وهو رسام فلامنكي بلجيكي ، والرسام العالمي بول سيزان (1839- 1906) وهو من رواد الحركات الفنية العالمية في القرن العشرين ( الوحوشية ، التكعبيبة ، والتجريبية ) وهو رسّام فرنسي ، والرسام فينسنت فان كوخ (1853- 1890 ) رسام هولندي من المدرسة ما بعد الانطباعية ، اشتهرت اعماله بالجمال وصدق المشاعر والالوان الباردة ، وهو فنان له تأثيره في القرن العشرين ، وغيرهم من المبدعين في جميع ضروب الفنون التشكيلية سوى امثلة حية لما تحدثه الالوان من اثر في نفس كل انسان ، وهي تؤثر بشكل ملموس في نفس كل فرد منا . ويتعذر علينا نحن تفسير هذا التأثير النفسي والروحي الذي تحدثه الالوان تفسيرا موضوعيا ، ان دراسة كل لون على حدة في الجهاز العصبي تتطلب عزلا تاما لمزاج الفرد وخبراته التي يرتبط فيها كل لون بانفعالات وعواطف خاصة ، وكونها منبهات خاصة مثل الموجات الضوئية وتاثيرها الفعال بحيث تبعث في النفس الفرح والسرور أو الحزن والغضب .
وقد ورد استنتاج من قبل ( رودار ، ودورو ) من خلال دراستهما عن سايكلوجية الفن ، وللالوان وتاثيراتها على الذات البشرية ، وقد اوضحا ، ان الالوان لها درجاتها الضوئية ومركباتها اللونية تتغير كلما بعدت عن عين الناظر ، لان العين (هي سجل أمين لما تراه وتشاهده فدربها على الرؤية الصحيحة ) ، ذلك طبقا للنور المباشر والنور المنعكس ، ولا سيما المسطحات ، ويقول (رودار ) تكون الظلال في المسطح الاول دائما حارة ، ولما كان اللون الاحمر من أشد الالوان قساوة وقوة ، لذ يجب ان يكون في مقدمة الالوان الاخرى . وهذا ما لاحظناه في لوحة ( لمحات تراثية ) للفنان نوري عواد حاتم .
وقد ثبت أخيراً ان الضوء المباشر في المسطحات ينتقل من الاحمر الى الاصفر حتى البنفسجي ، بينما ينتقل لون الضوء المنعكس تدريجيا من الاخضر الى الازرق حتى الاصفر.
يقول الرسّام العالمي ( رينيه ) : ان الوان الطيف ليست دليل الفنان فحسب ، بل هي ايضا المرشد الاكبر له ليتعمق في دراسة علم الالوان . وان الترتيب الطبيعي لالوان الطيف خير مثال للتوافق .
لقد برهن ( مونيه ) الفنان الفرنسي الشهير للملأ ان الاجسام الطبيعية كلها مكسوة بجلبات من النور يرقص ويتلألأ . وان اللون المركزي للاشياء الذي نظنه ثابتا ، انما هو في الواقع غير ثابت بل هو يتغير من ساعة الى ساعة ومن لحظة الى لحظة اخرى، كما تتغير الوان ظلاله بالنسبة لالوان النور .
نوري عواد حاتم ( ابا رشا ) هذا الفنان الرائع الذي يردد دائما : من لم تفتنه الطبيعة بجمالها او يُحركه الربيع بأزهاره فهو انسان ناقص المزاج .
تتكشف لنا يوما بعد يوم الموهبة الفذة ، والقيّم الجمالية الراقية التي يمتع بها ، والتي يمارس فيها جانباً كبيراً من الحرية المعبرة عن احساس مرهف لارتياد آفاق واسعة لنتاجاته الفنية الاوفر خصباً واكمل نماءاً ، واقباله في اعماله مقروناً بروح العزم والهمة والثقة بالنفس ، مع تصميم واضح عن كل ما يجول في خاطره ، بخطواته الفنية الصاعدة في رسم طريق نجاحه وتقدمه في مشواره الفني هذا ، مع كل الثناء والتقدير لفناننا الكبير نوري عواد حاتم .
إشارات :
*اسلوب الباروك والكركوكو في فن الرسم :
الأسلوب الباروكي مصطلح يطلق على أشكال كثيرة من الفن الذي ساد غربي أوروبا وأمريكا اللاتينية. والعصر الباروكي بشكل عام هو الفترة الممتدة من أواخر القرن السادس عشر وحتى أوائل القرن الثامن عشر في تاريخ أوروبا.
باروك هو اصطلاح مستعمل في فن العمارة والتصوير معناه الحرفي شكل غريب، غير متناسق، معوج. وقد ظهر هذا الفن أول مرة في روما في السنوات الأخيرة من القرن السادس عشر الميلادي. ويتميز الأسلوب الباروكي بالضخامة ويمتلئ بالتفاصيل المثيرة. وفي القرن الثامن عشر تطور الفن الباروكي إلى أسلوب أكثر سلاسة وخصوصية ويسمى بفن الروكوكو. وكان فنانو الباروك يغرمون بالجانب الحسى للاشياء ويعتنون في وصفها بتفصيل وتنميق وكانت إيطاليا وعاصمتها روما في القرن السابع عشر هي المركز الرئيسى للنشاط الفنى الكبير كما كانت أهم مصدر للفنون في أوروبا.

*ألوان الاكريلك (بالإنجليزية: Acrylic paint) : هي ألوان تخلط بمواد راتنجية تخليقية بولى أكريلات ومشتقاتها وهى تستخدم في طلاء الحوائط وتعرف بالبويات البلاستيكية.وهى تتميز بسرعة الجفاف وتظل ثابتة للتغيرات المناخية وتقاوم الاصفرار والاكسدة والتحلل وتقاوم الغسيل بالماء كما أنها جيدة الالتصاق.
ألوان الاكريلك ملائمة لعديد من الاسطح مثل قماش الخيام والاخشاب والكرتون والورق وتدهن مباشرة وهى تخلط بالماء ويمكن أيضا خلط ألوان الجواش مع ألوان الاكريلك على البالتة ويمكن الرسم بها بالفرشاة والسكين.

المصادر :
-محي الدين طالو / الرسم واللون / العراق – بغداد
- فضاءات تشكيلية مفعمة بالحياة / مؤيد داود البصام – عمان
- مجلة الصدى الغراء / العدد -46 / البورتريت / بقلم : نوري عواد حاتم
- ويكيبيديا / الموسوعة الحرة .

الدخول للتعليق