• Default
  • Title
  • Date
الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2013

مكي البدري: في السابق يقولون عني شيوعي، والان.. لا أدري

  عبدالجبار العتابي
تقييم هذا الموضوع
(0 عدد الأصوات)

على الرغم من أنه في الخامسة والثمانين من العمر، لكنه ما زال يتحرّق شوقا الى الوقوف على خشبة المسرح، وتراه لا ينفك عن الحضور كل يوم اثنين الى دائرة السينما والمسرح، عسى ان يلفت نظر احد من المخرجين ويسند اليه عملا، يجلس في مكان قصي وهو يحتضن حقيبته العتيقة، وتسمعه يتحدث بثقة انه قادر على ان يقف على خشبة المسرح واداء دوره كما يتطلبه، يقول: فليجربني المخرجون، انا جاهز، ولكنه يستدرك: ان الفنان العراقي حينما يبلغ من العمر الشيخوخة يهمل، ويتصور الاخرون انه اصبح خارج نطاق الابداع.

  وحين جلست قربه، ومثل كل مرة، اتذكره في اعماله العديدة ومنها فيلم (الحارس) الذي ما زال يشكل احدى علامات السينما العراقية، وكان لا بد ان احادثه واستمع اليه، اسأله فيجيب، وبعد ان سطرت كلامه وجدت ان اجوبته تغني عن الاسئلة، لذلك رفعت الاسئلة وابقيت الاجوبة تتحدث عما في نفس هذا الفنان الكبير.

  -- منذ 13عاما لم يعطني احد عملا، منذ عام 1997 الى الان وانا بلا عمل، لا مسرح ولا تلفزيون، ويا ليتني اعرف لماذا؟ وهذا السؤال اتمنى ان يجيب عنه المعنيون؟

 -- يا سيدي.. النماذج البشرية في الاعمال يخلقها المؤلف، هو من يضع المشكلة على خشبة المسرح، تبدأ من الطفل وحتى الشيخ، لان هذه هي الحياة، كبر السن ما علاقته بالموضوع؟، وان كانوا يعتقدون ذلك دعهم يجربونني، ويرون هل لديّ قابلية في الوقوف على خشبة المسرح ام لا؟، فأن فشلت فيستطيعون تنحيتي ويأتون بأي ممثل اخر.

  -- يا سيدي.. الفنان عادة يموت اذا توقف عن العمل، حياته في العمل، لذلك هو لايتقاعد ولا يعتزل، انا لمدة 13 سنة لم (يقبلني) احد، لماذا؟ ولمن أوجه السؤال؟ ومن يجيب عنه بصدق؟، هذه الفضائيات التي انتجت ما انتجت واولئك المخرجون، لماذا لا أحد يتذكرني، أما كانوا في السابق يتمنون ان اعمل معهم.

 -- في زمن مضى كانوا يقولون انني (شيوعي) باعتبار اغلب الاقليات تميل الى اليسار، والان بعد ان ذهب ذلك الزمن، ما الذي استجد في الساحة بالنسبة لي، ماذا سيقولون عني، هل توجد علامة استفهام عليّ وما هي؟.

 --سابقا كان المخرج منهم يصر على اختياري لانني لائق للدور، على الرغم من ان المعنيين من المسؤولين يرفضون مشاركتي لكنهم يجدون انفسهم مجبرين على القبول بي لإصرار المخرج على وجودي.

 -- ليس لديّ وجه مكروه، وعليك ان تسأل الفنانين ما رأيهم بي كسلوكية وليس كفنان، وهل آذيت احدا منهم في يوم ما؟.

 -- اعيش من راتبي التقاعدي كوني كنت اعمل موظفا في وزارة التربية في النشاط المدرسي، راتبي في كل شهرين (802) دينار فقد، والمشتكى لله، انه لا يكفيني لنصف الشهر، علما انني مريض اعاني من السكري والضغط، وزوجتي رحلت عن الدنيا قبل اسبوعين، ولم اعتب على من لم يزرني ويعزيني، فالظروف صعبة، وزارني بعض الزملاء والزميلات، وانا الان اعيش مع ابني وابنتي في بيتي.

 -- نحن العراقيين طبيعتنا النفسية تختلف،احيانا اتفاجأ ببعض الامور ولا اعرف تفسيرها، اضرب لك مثلا: قبل ثلاث او اربع سنوات عرض عليّ احد المخرجين ان اشترك في عمل مسرحي، وكان هذا يتطلب الحضور يوميا، ولكن رواحي ومجيئي يكلفني مبالغ كبيرة، فأخبرت احد الزملاء وكان بيته قريبا من بيتي وهو يعمل في دائرة السينما والمسرح ويحتل منصبا فيها، وكانت الحكومة قد رصدت له سيارة لذهابه وعودته، ان يساعدني فأذهب واجيء معه، لكنه لم يعرض عليّ ذلك كي اتواصل في عملي، فوجدت صعوبة الاستمرار اذ علي ان اضع راتبي التقاعدي واكثر على التاكسيات، فأخبرتهم بعدم قدرتي ثم انسحبت، وبعد ايام وجدت جاري وزميلي اخذ الدور لنفسه !!.

 -- السر في عدم الاهتمام بالفنان يكمن في اصحاب الكراسي الذين لا يتحركون من كراسيهم، لا يسألون عن الفنانين ولا يرسلون احدا لمتابعة احوال الفنانين، فالكرسي له وضعية مهمة عند الانسان ينسى معه حتى إنسانيته.

 -- اجيء الى الدائرة حتى ارى اصدقائي القدامى، وعسى ان يتذكرني احد في عمل، وهذا كما يقول المثل (امل اشعب) الذي مر ذات يوم على شخص يضع الخرز في طبق من الخوص (طبكك)، فقال له: زد له (سافا) اي زد وسعه، فقال له الشخص: هل ستشتريه؟، قال له اشعب: لا، ولكن عسى الذي يشتريه يبعث لي فيه حاجة.

 -- هل تريد الصدق؟ الوضع الفني جزء من الوضع العام في العراق، لانه في بلدنا ليس كل الاشياء تمشي صحيحا، الكثيرون يمشون بالاعوج !!.

 -- ارجع واقول الحمد لله على المسيرة الطويلة في المسرح والفن بشكل عام لم اسء الى احد اطلاقا، لا صغيرا ولا كبيرا، ولا امرأة ولا رجلا، وهذا يشعرني براحة نفسية.

 -- الاهتمام بالكبار من الفنانين (فدوى لروحك) ضرب من الخيال، الكثير من الفنانين الكبار وليس انا فقط.

 - هذه الحقيبة التي احملها معي فيها اوراق بيضاء، عسى ان يحتاج احد الى ورقة منها، وفيها بعض الصحف، فأنا ما زلت اقرأ على الرغم من ضعف بصري، اقرأ بالنظارة واحيانا بالعدسة المكبرة، لا استطيع ان لا اقرأ، تعودت على هذا منذ زمان بعيد، حاليا عندي كتاب بدأت في قراءته عن حضارة وادي الرافدين لأحمد سوسة، استفيد منه للحصول على معلومات، واتباهى مع نفسي بما كان عليه العراق، المعرفة لا تنتهي عند سن معين، كالفنان، ليس له سن للتقاعد ولا اعتزال، الفنان يعمل حتى اخر نفس في حياته.

 --لم اشعر باليأس ابدا، ولو كنت اشعر به لم أأت الى هنا، ولكن احيانا اشعر به بصراحة عندما تضيق بي السبل وأقف موقفا حرجا من حوادث الزمن ومن ذلك وفاة زوجتي الذي كان حدثا كبيرا بالنسبة لي بعد (عشرة عمر) لمدة 54 عاما.

الدخول للتعليق