• Default
  • Title
  • Date
  • اعداد : عزيز عربي ساجت
    المزيد
    اللغة المندائية والحاجة الملحة للبحث العلمي الدائم هناك جملة تساؤلات
  • فهيم عيسى السليم
    المزيد
    كتب الكثير عن هذا التنظيم الإرهابي الدموي ودخل الإستخدام اللغوي
  • د . قيس مغشغش السعدي
    المزيد
    بتوقف  دراسة اللغة المندائية والتعامل مع معاني مفرداتها وأسس إشتقاق
  • د. قيس السعدي
    المزيد
    قصيدة لميعة عباس عمارة حين تتحدث مع لميعة عباس عمارة،
الأربعاء, 17 نيسان/أبريل 2013 10:49

الوهم

تنويه:

الكتابة، في نظر الكثيرين، هي الوسيلة التي تنطق فيها الكلمات معبرة بالاعتماد على ما مخزون في الذاكرة من رصيد أدبي؛ لكنني هنا وجدت نفسي مضطراً لأن أكتب ما رأته عيناي وما خزنته ذاكرتي!! اعتماداً على ما قاله موليير في هذا الخصوص" إني آخذ ما ينفعني حيثما وجدته "

 

كان الصمت عميقاً، والجو حاراً يكتم الأنفاس، يضارع جهنم في حرارته بعد أن انتصف النهار وهو يطلبني برجاء سمج، كالقرار؛ للترجمة... تلك كانت بداية القصة، التي أخجل من ذكرها، لولا العبرة التي من ورائها، يكمن سر الحكمة في كتابتها ونشرها وإذاعتها.

لم أتهاون يوماً في تلبية طلب كهذا، ولم أقل لأحدهم، كلا، لا أستطيع، فهم أبناء جلدتي، وحقهم هذا في عنقي، مادمت قادراً على سداده!! وهذه المرة لم يختلف الطلب عن أخوته السابقين؛ لولا المفاجأة التي غرقت فيها... مجنوناً، مذهولاً، مصحوباً برهبة مكتومة وغيظ كظيم، جعلني أملي هذه القصة...

ترجمة لبرم عقد إيجار متجر من شخص ألماني، يدعى سيد نتن! الذي أنهى العقد الخامس بسلام، رغم الشيب الذي غطى شعره باللون الأبيض الذي يشبه لون الكفن؛ يجلس في وجهه شارب قروي ثخين، غليظ يمكن حياكة بساط كامل من وبره!! وفي صوته رنة لا مجال لوصفها... إلا أن لها نفس رنة الصوت الذي تطلقه الضفادع أثناء الزواج!!

لم يكن هذا السيد النتن طويلاً، لكنه يتمتع بجسم إسمنتي صلب، وله عينان حمراوان غير صحيتين، وتوقعت أن أشم فيه تلك الرائحة التي يتميز بها اسمه، ولم أكتشفها أو أستدل عليها! ولكن مع الوقت وأثناء الترجمة، شممت الرائحة  النتنة التي كنت أبحث عنها، والتي تزكم الأنوف وتعمي العيون...

فالإنسان قد يكون جسده نظيفاً، وهندامه أنيقاً، لكن هذا لا يعني أن يكون داخله كذلك!! فالرائحة النتنة لا تنبعث  فقط من الأجساد العفنة، بل من الأفكار والأرواح والعقول... وهذا ما وجدته في سيد نتن المبجل! فنتانته كانت طافحة بالسموم، طاغية على عقله، طافية في بحر من العنصرية، معافاة بالهوس والمس،  والتجبر والتكبر!!

المتجر كان صغيراً جداً، كقبو مسكون أو بالكثير يشبه وكر الجن أو الوحوش، المركون! لا يصله ضوء الشمس، مغروز في ركن ضيق المسلك، لا يصلح إلا لسير الأقدام العابرة! يتمتع صدره بواجهة من الخشب الداكن، الغامق، وكأنه محروق، يعلوها زجاج سميك قذر، كحيطان المراحيض العامة المنتشرة في المدن الآسيوية!! وبجانب المتجر من جهة اليمين حانة تبعث روائح كريهة، وكأنها صادرة من سرداب، شبه مهجورة وغير مرغوب في ارتيادها... ربما بسبب سمها أو سمعتها أو رائحة عطرها!! 

في حين كان المستأجر مجن، الذي لم ألتق به من قبل... رجلاً يميل لونه إلى السمار الغامق كثيراً ،بديناً، ممتلئاً باللحوم، مسرفاً في السمنة والشحوم، من قومي، إنسان كأخي في الدين والدم والإيمان؛ في نهاية الحلقة الرابعة تقريباً، قصير القامة، حليق الرأس، وتوقعت من أول وهلة رأيته فيها... أن يكون بطيء الفهم، حاد الغباء، كثير الدهاء( ويقول عن نفسه ببهاء وزهاء، بأنه مازال في طور المراهقة والشباب دون ذرة حياء) وهناك... تحت أذنه اليسرى علامة فارقة، ما أن تراها حتى تكرهها وتمقتها وتبتعد عن شرها متقززاً... عقدة من اللحم المتدلية نحو الأسفل، كحلمة بز نعجة! ولا أعلم كيف وفق الله ووضع تلك الحملة" النعجية " في وجه إنسان؟! وقلت في نفسي متلياً: سبحان خالق الأكوان،ترى ما العبرة من خلق تلك العقدة في وجه إنسان؟!

حضرت، وحضر معي صاحب الحلمة الكريهة تلك؛ تجنبت النظر إليها ما استطعت أثناء الحديث والترجمة... ليخزه الشيطان، كان لا يحلو له الحديث إلا وهو يدير لي وجهه من جهة اليسار، كي أصدم برؤية المخفي، حلمة بز النعجة المتدلي! فأعود وألتف حول نفسي، محاولا، متمنياً تلافي نقطة التلاقي، دون رحمة أو نجاح كبير... وكدت أصيب بالدوار، وكأني في بحر عميق الغور والأسرار، فلعنت حظي، ووجه المسكين مجن الذي لا ذنب له ولا حول... جاء فقط لكي يستأجر المتجر!!

بعد مداولات عدة، ومحاولات أقناع كثيرة، بين شدٍ وجذب، عرض وطلب، واستماع ورؤيا الأوراق التي تثبت صحة الأقوال؛ حدد سيد نتن، قيمة عقد الإيجار، وكانت في الحقيقة باهظة الثمن، لكن الفرص المتاحة لصاحبنا كانت شبه معدومة، لذلك حاول بجهد جهيد، أن يثبت لصاحب المتجر العتيد، عجزه الأكيد من التسديد أو الوفاء بقيمة هذا الرقم شبه الخيالي، لقبو صغير، في قرية من ريف مدينة ميونخ، التي لا يتعدى عدد سكانها أكثر من خمسة عشرة ألف نسمة!! ولكن طمع وجشع الرجل الألماني الخسيس، صاحب المتجر النفيس... جعله يتمسك برأيه، وكأنه وثيقة عهد نازلة بدهاء، بقدرة وحي من السماء!!

نظر لي مجن( وهو يرني حلمته النعجية بشكل كامل، لعنهُ الشيطان حتى يوم الدين ) وهو ينوح  مستغيثاً، متوسلاً، متنهداً دون تبصر كثير:

أرجوك، قل له شيئاً... تدخل، أرني مهارتك في الترجمة الفورية! لا تقف هكذا، كالتمثال الذي لا فائدة منه، وليس له عمل سوى التحليق بالبشر هكذا بشرود وهبل... ثم أنهى رغاءه( أقصد نواحه ) بشكل مهين وقبيح: تحرك ولا تبق واجماً، سارحاً ومطرقاً، كفزاعة الطيور؟!

- سامحك الله يا أخي على ما قلته في حقي، وليغفر لك غفار الذنوب على ما تفعله من أجلي!! ثم أدركت داعياً بسوء طالع:

أخرج الله عينيك من رأسك المفلطح هذا، أنت يا مجن، مصيبة حمراء نزلت عليّ، كالشهب من عالم الجحيم! وتابعت بشهقة صدرت رغماً عني، بعد أن توليت زمام الحديث:

ألا تنظر إليه؟! إنه كالتيس العنيد الهائج، لا يتزحزح من مكانة قيد أنملة، ورأيه ثابت لا يتحرك أو يميل، جاثم على قلب الأرض وقلبي، كالصخرة؛ ماذا عليّ أن أفعل؟ ومن ثم أردفت وبلهجة هادئة، مطمئنة، وغير متوترة بعد أن أشفقت عليه: لا عليك، سأحاول معه مرةً أخرى... فرمقت الرجل الألماني، بنظرة ملؤها التحدي( وأنا أستفزه بالتحديق في عينيه الحمراوين، غير المعافيتين) وسألته من غير تلذذ:

ترى لو كان المستأجر ليس أجنبي، كحالة صديقي المسكين هذا، هل تطلب منه هذا الرقم الكبير، حقاً لاستئجار متجرك؟!

- ضحك بريبة، ضحكه خالطها العجب وعدم الرضا، كالسفيه، وذكرني ولا أعلم لماذا بذلك المرابي اليهودي" شايلوك " بطل قصة أولفر تويست لشكسبير؛ وأجاب متهكماً، ببرود، كالمريض المعزول:

من الطبيعي سيختلف الأمر!! ثم  رنَّ نقيقه بعد أن اتخذ وجهه هيئة الجد: ولكن هل أنت هنا لتحاسبني على ما أريد وما أرغب؟!

- الحقيقة، كلا. وتابعت بتصميم وعناد، ولكننا إزاء موقف إنساني من المفترض أن لا يختلف كثيراً، وأن لا يعتمد على اللون أو الجنس أو الدين أو القومية...

تدخل مجن دون فهم مسبق بما يدور من حديث بيني وبين" شايلوك " المرابي الحقير هذا، ومع ذلك قطع علينا الكلام، وخطب هاذياً بصوت عالي:

ما الذي يحصل؟ لقد أنقضى وطر من النهار ولم نقض شيئاً!! ثم أعلن مستنكراً، مستعطفاً: أرجوك، ترجم لي كل ما يقوله، ولا تجعلني أقف هنا، كبقرة وسط ثورين!!

ضحكت في سري، وحاولت أن أكتم، ضحكتي، وقلت مدارياً أهمس في ذاتي وأخاطب نفسي: كان الأجدر بك أن تقول، نعجة وسط كبشين!!

- نبح مجن، بانفعال: ماذا تقول؟!

- لا شيء يا عزيزي، وأردفت صادقاً:

إنه يضع اللون والقومية والجنسية والدين في أولويات حساباته، لذلك أنتقى الرقم الأعلى كحق قسط الإيجار.

- فحَّ مجن، كالثعبان مهتاجاً وهو يسعل مجاهراً، كالمسلول في نوبة سعاله: تباً له من منافق، زنديق، خنزير، عنصري نازي... ثم أضاف غامزاً: إنه يمثل معنا دور المتسلط، تماماً كتسلط تأنيب الضمير على الزاهد... عندما تراوده نفسه!!

وهنا تدخل النتن مقاطعاً خطبة مجن بإسكاته وهو في حالة عسيرة، غير بهيجة، ويوجه السؤال لي: ترجم لي ما يقوله حرفياً؟ ثم أردف حانقاً، لأنني أشك بأنه يوجه لي الشتيمة؟!

- حملقت في عينيه الحمراوين غير الصحيتين، وكذبت قائلاً:

إنه يعبر عن رأيه بقليل من الحرية!!

وصَّ النتن، كالجرذ ضاحكاً وهو يدمدم، كعفريت فرح بخروجه وتغلبه على قمقمه: ليعبر بحرية تامة وكما يشاء، وفي كل ما تخالج نفسه من شقاء، ثم استطرد، كصعلوك وقح: هنا بلد التعبير، ولولا هذه الحرية، لوجدنا نصف سكان ألمانيا يتساقطون في الشوارع، جنوناً!! 

دسَّ مجن نفسه بيني وبين صاحب المتجر من جديد، وبدا وكأنه يضارع العفريت في مقامه، وقال مرتاعاً، آمراً وهو يوجه الكلام لي وبغباء غير مسبوق، لا مثيل له: لا تتدخل! سأحاول أن أقنعه بنفسي وهو يغمغم ويتمتم، سترى... بطلاقة، ولباقة... ثم أردف:

لا حاجة لي بك بعد الآن! ( قال ذلك وجسمه كله يهتز، كواقف في زورق وسط بحر هائج ) وتابع بهوس: لقد خربت بيتي، وسوّدت عليَّ عيشي بترجمتك المنحوسة، اللعينة هذه... فالتفت إلى صاحب المتجر وحاول الكلام... فلم يقدر على النطق، فعاد أدراجه يمثل حال الكسير، وبدجل نبر:

أرجوك يا أخي، يا رجل يا طيب، يا شهم، سأقول لك ما أريد قوله، وترجمه بصورة حرفية وهذه آخر ورقة أملكها وسألعب عليها، وهي الحقيقة دون كذب أو مبالغة.

شرعت من فوري أقول بعد أن أدركت مرامه، وانكشف لي المخفي من أسراره، في حدة وغضب: ما هذا؟ تشتمني كما تريد، وتترجاني كما تشاء وترغب، كيف هذا؟ ثم أنهيت كلامي متماسكاً بالكاد بعد أن تمالكت نفسي:

أنا لا أراك إلا مغامراً، عندما تفقر تكفر، وعندما تتسلط تبطش وحين تفوز تبطر، ثم رفعت درجة صوتي، حانقاً، حاسماً قراري قائلاً:

سأتركك وأذهب، وتصرف معه كما تريد، يأخذكم الشيطان- أنت وهذا النتن - إلى الجحيم معاً في ساعة واحدة؛ وهممت بالانصراف... والرجل الألماني الجامد، يميل إلى التثاؤب... يسايرنا في حديثنا ويبتسم، وكأنه يفهم لغتنا التي نرطن بها؟!

- مسك مجن يدي متوسلاً، وصاح، كالمخمور: لا تتركني أرجوك، وبدأ يدمدم ويدعوا لي بأغلظ الإيمان وأجمل الدعوات...

رق قلبي له فجأة وقلت: حسناً قل ما تريد قوله، وسأكون أميناً جداً في الترجمة كعادتي دائماً، أعدك  بذلك.

قفز من مكانه بقامته القصيرة، الغليظة، الممتلئة بالشحوم واللحوم فرحاً، وماءَ كالقطة هائماً، هامساً:

أربعة وعشرين قيراطاً، أنت!! ثم تابع:

قل له بأنني أصبحت مسيحياً منذ ثلاثة سنوات!! وابني البكر يعمل اليوم راهباً!! يعظ الناس في دير القرية التي نقطنها، بعد أن تزوج بفتاة ألمانية، لبشرتها... لون القيمر( قال هذا وهو يغمز بمكر، لم أفهم قصده) وأضاف مباغتاً دون توقف: أنجب منها ابناً، الخالق الناظر، يشبهني كثيراً!! وقد قام ابني بتغيير اسمه من يحيى إلى لوقا، ويدلعونه ويدللونه فيطلقون عليه، لوقي...

استوقفته بخبث، سائلاً: ماذا قلت؟ لوطي؟!

- بانفعال وتجهم صرخ ناعقاً، كالغراب بعد أن تجمع الدم في وجهه واحتقن:

أنا لم أقل لوطي، بل قلت لوقي!! ثم أستمر هائجاً، كثور مطعون في رقبته برمح إسباني: ليسأل عنه إن أراد، فسمعته باتت، كسمعة الياسمين هناك، بل أكثر من ذلك... ثم جلجل المكان بقهقهة مخنوقة، معكره، كقهقهة ساحر مهووس، وهو يردد:

سوف لن تصدق إذا قلت، بأن سمعته، فاقت سمعة مايكل جاكسون على نطاق القرية التي نسكنها؟! ثم هتف مشرعاً بوقاحة وعند وتحد: هل تصدق بالرب؟! ولم يعط فرصة للرد عليه، وعوى: فأنا صادق وحق الله وابنه يسوع... فيما أقول!!

- أجبته سائلاً بغيض مستنكراً، محاولاً إظهار الغباء وعدم الفهم:

وماذا تريد أن أقول له؟!

- ماج وهاج، كالسكران وهو يحك رأسه ويقول: عجباً، ترجم له ما سمعت!! ثم أضاف بتفاخر رديء:

حدثه عن تغيير ديانتي، وبأنني أصبحت مسيحياً مثله، ولا أخشى شيئاً بعد الآن!! وتابع يشرح نظريته، مدافعاً عن وجهة نظرته... أينما تكون المسيحية، تكون السعادة، أو تجدها صاغرة بين يديك، كعفريت المصباح السحري! ثم سألني برعونة: إلا تعرف ذلك؟! واستمر خاطباً، تالياً: يا رجل أنها الطريق لتتحقق كل الأحلام...

- طفقت مسترسلاً، مترجيا: مستحيل!! ما هذا الذي تقوله؟ ثم نوهت:

ربما أنت ليس في وعيك؟ أقصد، كل ما تفكر فيه الآن وتريده هو استئجار المتجر، حتى لو كان هذا على حساب نفسك وسمعتك وما تعتقد وتؤمن به؟!

لم يجعلني أكمل لغطي ولا هوسي؛ تركني أنوح بعد أن قاطعني معترضاً، وبلهجة حادة لا تنم عن عاقل:

كي تعلم يا صاحبي، بأني أستطيع أن أعمل المستحيل!!  

- شرفٌ رفيع، هذا المستحيل الذي صنعته( همست ذلك أسرّ ذاتي ) ثم وطنت العزم وأجبته مستهزئاً:

أنعم وأكرم! وبأسى وباستماتة سألته مجدداً: هل أنت متأكد مما تقول؟ أعني، هل ستحقق فعلاً أحلامك؟!

- ولول كالمعتوه: بالتأكيد، قطعاً دون ريب أو شك!! ثم أردف متحاملاً، نافد الصبر:

ترجم  له ما قلته للتو وسترى النتائج بعينيك؟! وردد بصوت خفيف، سمعته بشكل واضح... هل متأكد، قال؟ سترى بنفسك، دينك أم ديني الجديد؟! ( تلا ذلك وهو يهرش رأسه هرشاً متصلاً، وكأنه مسكون بالقمل )

- عفا الله عنك، ومن أمثالك الظالمين.

- بعنف واجهني مستفسراً: ماذا تقول؟

- يائساً: لا شيء! ثم استدركت مستعرضاً:

سأخبره بكل ما قلته، ولكن ذنبك على جنبك( وهمست دون أن أجعله يسمعني، ليكن ذنبك الملعون هذا قرب حلمة بز النعجة التي تعتلي صدغك) ثم توجهت( وأنا قلق جداً من النتائج ) إلى المؤجر البارد، الثلجي، الرابي، السمسار القابع في ركن شبه مظلم من متجره؛ وأسقطت في أذنه مذعناً، واجماً، خجلاً، قانطاً، وجلاً، والعرق يتصبب من جبيني، بعد أن خارت مقاومتي، وكأنني أنا الذي غيرت ديني؟! كل اللغو الذي قاله مجن؛ ذلك القصير، العريض، البدين، ناقص العقل والدين، عديم الأخلاق والانتماء، والذي لا يبحث إلا عن ظل الأرزاق، ومن يراه يقول، بأنه يحيا لآخرته، وكأنه يموت غداً، ويعيش دنياه، وكأنه فيها باق، خالد أبداً!!

استمع لي النتن بهدوء وهو يغالب إغفاءة؛ استغربت تصرفه، نهبني القلق، وغصت في عمق الشك، خفت، توجست الخطر، وهمست في سري بحذر:

هل ما قام به مجن، له تأثير فريد، سحري، قوي وطيب على سريرة هذا الرجل فعلاً؟! وهل سيخفض له من قيمة الإيجار؟ كما يحلم به صاحب حلمة بز النعجة؟ إذن ما يقوله صحيحاً؟! وقد أتى بالمستحيل، وأنا لا أعلم!! ثم شعرت والنتن يقترب مني، كوحش أصابه المس، وهو يردد لاغطاً كمن في نفسه مآرب أو غاية وباستخفاف:

قل لصديقك المعتوه، المسكين، العبوس، ذي الجلد الأسمر، المدبوغ، المحسود على لونه! وتلك التي لا أعرف سبب وجودها بهذا الشكل اللعين، الكريه؟! تلك... وهو يشير إلى الجزء اللحمي المتدلي تحت أذن مجن، بأصبعه... ثم لفظ أنفاسه الضائعة، التائهة وتابع بسخط:

إذا كان يعتقد بأنه بتغير دينه، سنأخذه بالأحضان، ونهوي علي وجهه الأجرب هذا بالقبلات الحارة، ونمسح عنه الأحزان، ونزيل منه الأدران، ونزفه كعريس، في ليلة زفافه، لتفتح له كل الأبواب ويصبح من الأحباب... لأنه أعتنق المسيحية وزادها فرداً شبه إنسان، لا من فصيلة البشر ولا الحيوان... فإنه واهم!! ثم صرخ بنا ناعقاً، حانقاً، محتجاً، كالمجنون:

اغربوا من هنا... هيا، لا أريد أن أراكم أمامي، تباً لكم ولساعة الحظ المنحوس الذي جعلني التقي بكم... ماذا تنتظرون؟ قلت اغربوا عن وجهي... ثم قهقهة فجأة وبشكل مريب، مغتبطاً وهو يردد: أنا أخاطبكم لحد الآن، بأدب!! اعلموا ذلك! وتابع قلقاً، مرتجفاً وهو يدمدم، غير دينه... وابنه... راهب قال؟!

وجهت كلامي إلى مجن وقلت دون أن أعيره التفاتاً وبغير اكتراث وأنا أداري ثورتي وهيجاني، وبقلب راجف وبنفس مهزوزة، منكسرة، متكدرة، تعبة:

أنت كالمقامر الأرعن، إذا خسر نفر، وإذا جاع باع، وإذا آمن خان، وإذا أسرّ نشر، ثم تابعت بذات الألم الذي استعمرني واستولى على كياني كله: أحرق الله كبدك وأخزاك، وبصقت بمغزى على الأرض، تفوه... يا حامل الحلمة الكبيرة، المتدلية لبز النعجة، ثم سألته دون أن انتظر أو احتاج  إلى جواب منه:

ألم تنظر في المرآة يوماً؟! ألم تر بوزك القبيح هذا؟ الذي يشبه بوز ذبابة عجوز!! وتابعت متسلطاً، مستنبطاً، ناقماً: يا وجه آخر من صورة إبليس، يا عقل منطفئاً، كشمعة بلا فتيلة، يا عود ثقاب محروق، لا فائدة منه ترجى، يا روحاً متدنية، مسحوقة، غائبة الإدراك والشعور ونفساً فارغة، فانية، مغرورة ومتكبرة... ثم أضفت متعمداً، مشمئزاً: والله الحمار أفضل وأعلم وأذكى منك، لأنه بسيط ويعلم بأنه جاهل! بينما أنت لا تعرف حقيقتك... ثم ختمت كلامي بقولي:

سأبتعد عنك، لأجل أن تصل إلى نفسك وتكون قريباً منها!! ثم وصفته دون شعور، شيطان بقرنين وتابعت بحزم: لعلك عندها تدرك بأن الهروب من الواقع بالرهبنة أو الجنون أو حتى الموت الإرادي، ليس هو الحل ولا يمكن للسعادة أن تكمن فيه، أو أن تتحقق الأحلام من خلاله... وإنما بالخلق الذي لا يعني الهروب من الواقع، بل بالتغلب عليه، عندما تبدأ بالتجربة بشكليها( النجاح والإخفاق ) وصولاً إلى الإنجاز والعودة إلى الواقع بعد أن تتحرر من الجهل، ثم بإصرار نوهت:

لا أريد أن أقول هنا التحرر من الخطيئة، فالخطيئة موجودة في داخل كل فرد منا، ولكن قصدت الرجوع إلى الواقع الذي هو الوجه الحقيقي للحياة والمعرفة من بعد اكتشاف وتجربة!! بعدها تصل إلى حالة الإدراك الخالصة، تلك التي تكشف وتتكشف فيها الأشياء والموجودات بشكلها الحقيقي، لا بصورتها المقلوبة، حينها فقط، ستجد كل شيء... الأشياء والموجودات والحياة برمتها بين يديك طيعة، لينة صاغرة، وهذا كله وبشكل مبسط، هو خلاصة تعريف ديننا الصابئي، المندائي، المعرفي، الأزلي القيوم... ثم سألته ممتعضا، ساخطاً، كارهاً، قانطاً وأنا أشعر بالقهر والغثيان:

ترى هل كنت تعرف من قبل كل هذا، قبل أن تقدم على فعلتك الشنيعة تلك؟! ولم أترك له فرصة للإجابة، بل بادرته مجدداً وبنفس رنة الغضب: أم تراك كنت تحتاج إلى التوعية التي هي أصل عمل القيادة التي يجب أن يكون لها شأن أكبر في مد الجسور المعرفية بين أبنائها، حرصاً على الطائفة وحباً لدينها ولديمومة بقائها؟! ( توقفت للحظة، وأنا أحدق بالنتن وأغرس عيني فيه غرساً، وهو يتراجع متقهقراً، وربما خوفاً مني، ففضل الصمت والسكوت، بعد أن لاحظ الطريقة والرنة القاصفة التي أتحدث بها مع هذا المخلوق الذي يدعى، مجن )  

تقربت من مجن لا شعورياً، وأسقطت في أذنه كلماتي التي لم أجد يوماً لذة في قولها أكثر من تلك اللحظات: المسيحية لا تعني أكثر من اعتقاد، والسعادة تبرق لمن يكتشفها، وتحقيق الأحلام تنجز لمن يطلبها بعد سعي... لا أن تتمناها بالكلمات، كما يتمنى العجوز إلى الشباب؟!     

استمع لأسئلتي وفحيح كلماتي وهو يبتسم ببرود قاتل، قاس لا ينم عن جسد يدق بداخله قلب ينبض بالحياة... يا لها من ابتسامة؟ كأنها تعود إلى وجه ميت، فارق الحياة منذ ثلاث ليال!  عندها لم أطق الصبر أو الانتظار... أعطيت للريح ساقي وهربت قبل أن يهرب! وأنا أداري غضبي وانفعالي، متوجهاً إلى داري، محاولاً اغتصاب ابتسامة على وجهي تقلل من توتري الذي أصبح في تلك اللحظة لا يطاق؛ ولم أحر جواباً ولم أسمع منه نداء...

 

نشرت في قصة
الأربعاء, 17 نيسان/أبريل 2013 06:33

ألكذاب

 صفة ألكذب,بلاء ومرض من أخطر ألامراض ضراوة في تقديم ألضرر ألبالغ للبيئة وألمحيط وألمجتمع. صاحب هذه ألصفة أللعينة متلون,منافق,دجال.يكون صياداً ماهراً وللأسف ألشديد يقع في حباله ألكثير من ألناس ألابرياء وفي بعض ألأحيان يقع ألكذاب في شر أفعاله ويبدأ في تصديق ما يكذبه على ألناس وعلى نفسه...

بطل قصتنا لهذا أليوم غريب ألأطوار جملة وتفصيلا وأسم على مسمى.(خريطي),ولكي لا يتكرر ألاسم كثيراً أمام ألقاريء سًأرمز له بحرف خ فقط للدلالة وألتركيز.

قبل شروق ألشمس بدقائق ورحيل ألفجر وقف ديك هراتي على ألحائط ألذي يفصل بين دار (خ) ودار جاره,يصرخ بكل ما لديه من قوة لكي يستيقظ ألناس من نومهم. هذا ألحدث ألجديد أثار غضب (خ) ألنائم تحت ألجدار ألفاصل وأقلق نومه وشعر بألاستياء من جاره ألذي أشترى هذا ألديك ألمزعج. ذهب ألجميع ألى أعمالهم وبقى خ يرتب للخلاص من تلك ألمصيبة ألتي ستحل عليه كل فجر. أرتدى ملابسه وأتجه في طريقه ألى ألقاضي,وبعد أن أستمع ألقاضي ألى ألشكوى ألمقدمة من خ على جاره,أصدر ألقاضي أمرا للحرس بجلب جار خ لدار ألقضاء ليتم ألتحقيق في أمر ألشكوى ألخطيرة ألتي أدلى بها خ على جاره. مر ألنهار وبانت خيوط ألظلام وبدأ ألليل يسدل ستاره.في تلك ألأثناء طُرقت ألباب بشدة وهناك من ينادي بأسم خ,أحد حراس ألقاضي للحضور أمامه. وقف ألجار يبكي بألم ويطلب ألسماح وألأمر بيد خ.فكر قليلاً وبعدها طلب ما يلي: تعويض مالي وتسليمه ألديك ألهراتي وأن يبحث ألجار عن دار اخر وينتقل بأسرع وقت ممكن.لقد لبى ألقاضي جميع ألمطالب التي أرادها خ وحكم على ألجار ألمسكين بتنفيذها.ترى ما هي ألشكوى ألتي قدمها خ حتى صدقها ألقاضي وحكم على ألجار بألجرم ألمشهود..أليكم ألحكاية.....

قبل خروج خ من داره سألته زوجته ألى أين? رد عليها بأنه سيجلب ألطعام لأن ألدار خالية تماماً من ألمواد ألتموينية. قالت له ألزوجة بأن يبتعد عن ألمشاكل وألمصائب فقد كثرت في ألأونة ألاخيرة وعليه أن يبحث عن عمل لأن ألاوضاع أصبحت مزريةً ولا تطاق. في ألطريق ألى ألقاضي,ألتقى بأحد ألباعة ألمستطرقين لبيع ألكاهي وقف بجانبه يولول ويتأسف لحدوث ألحريق في دار ألبائع,عند سماع ألرجل هذا ألنبأ ترك ألعربة محملة بألكاهي وهم راكضاً صوب داره خوفاً على أسرته من ألموت. باع خ كل ألكاهي بأسعار قليلة وأخذ ألباقي له وترك ألعربة في وسط ألطريق. أستمر في في طريقه ليرى شخصاً يجلس على حافة ألنهر وبقربه ملابس طفل..سأله أين ولدك? قال ألرجل أنه يسبح هناك مع ألأطفال! قال له أسرع ربما من غرق هو ولدك..لم يكذب ألرجل خبراً خلع ملابسه وبسرعة قفز ألى ألماء تاركا كل شيء خلفه.أخذ ألنقود من ألمحفظة وما يراه مناسباً من أشياء أخرى ومشى يكمل مشواره. وصل دار ألقاضي وهو يبكي بألم وحرقة ويشكو ظلماً سببه جاره له في ألصباح ألباكر وقبل بزوغ ألشمس..سأله ألقاضي مأ هي ألمشكلة أيها ألرجل? قال خ لدي دجاجة جميلة تعطينا ألبيض كل يوم لكي نأكل أنا وعائلتي منها ألطعام صباحاً,وفجأة قفز ذلك ألديك ألجبان في ساحة داري ثم هجم على دجاجتي ألمسكينة غتصبها عنوة وكسر ألبيض وهم بألخروج من قفصها يتباهى بفعلته ألشنيعة,صرخ بكل ما عنده من قوة تاركاً ضحيته متألمة مكسورة ألخاطر.قفز عائداً من حيث أتى وأنا أتابعه بنظري وأذا بجاري ينظر بعين قبيحةٍ ألى حرمة داري وزوجتي كاشفة ألرأس. أية صلافة وأية وقاحة لرجل وديكه,لقد شعرت بألاهانة وألمهانة وأنا أرى بأم عيني أحداث جريمةٍ سأقتها ألأقدار لترمي بثقلها ألمأساوي على رأسي وعائلتي ودجاجتي ألمكسورة. تألم ألقاضي وشعر بحجم ألضرر ألبالغ على خ.لذلك طالب ألجار بدفع ألغرامة وتسليم ألديك ألى خ وأن يبحث عن داراً أخرى تحقيقاً للعدالة. أما ألجار ألذي قبل بدفع ألتعويض وتسليم ألديك ألى خ وأن ينتقل من داره ألى أخرى تحت ألمثل ألقائل (كومة أحجار ولا هالجار).

نشرت في قصة
الأربعاء, 17 نيسان/أبريل 2013 10:25

حي التنك

في ليلة ممطرة شديدة البرودة والصواعق تنشر الرعب في نفوس الناس داخل بيوتهم تصول وتجول تحت رداءة الطقس السيء.تضرب بين الحين والاخر,يشع المكان بالضياء القوي حتى يرى الناظر مدينة أشباح وليست مأوى للبشر.الرياح بدأت تشتد اكثر فأكثر والغيوم تتفاقم وتميل إلى اللون الداكن ,خيم الظلام الدامس حتى بدأت ألحالة تنذر بألشؤم ,وما زاد الطين بلةً أنقطاع التيار الكهربائي حتى أكتملت مسببات إشاعة الفوضى في ألتنقل وألحركة. الحي قديم جداً وألطريق بين المباني ضيق ولا يسمح بمرور اكثر من شخص واحد. النوافذ عالية في تصميمها والازقة في هذا الحي متشعبة وطويلة. في وسط الطريق الذي يشق الحي توجد ساقية لمرور المياه الاسنة والفضلات ومياه ألامطار وفي هذه الحالة الممطرة تعلى مناسيب المياه لتغمر المكان بالفيضان حتى يبلغ النوافذ ويدخل إلى البيوت عن طريق الابواب الخشبية البالية المهترئة.

حي التنك ألاسم الذي أُطلق على المكان.من بين ركام ألانقاض وهوس الظلام وقساوة ألطقس وشدة البرد ألقارص وصوت خرير ألمياه الجارية في وسط الحي..سمع ألجميع صرخة صوت إمراة ,فساد المكان نوع من الرعب والخوف من المجهول. جاءت الصرخة الثانية حتى عرف الجميع أنها أم غائب.إمراة تعدت سن الخمسين تعمل قابلة مأذونة قصيرة ألقامة تميل إلى اللون ألاسمر محبوبة من اهل الحي لرقة أخلاقها وطيبة قلبها. زوجها أبو غائب مريض وهو طاعن في السن وعقيم.ليس لديهم أية ذرية وتمنى ألزوج أن يرزقه الباري بطفل يحمل أسمه ويفرح به,ولكن للاسف لم يحقق مراده وبقى محروم من الخلفة. والعجيب في ألامر ان زوجته تعمل في مجال الولادة ولكنها لم تتجرأ اخذ طفل من أحد رغم الفرص التي أتيحت لها.مأساة كبيرة لعائلة بيت أبو غائب في وسط هذه الملابسات التي أجتمعت في وقت واحد.كيف ستحصل على المساعدة ومن يكلف نفسه للخروج في هذا الطقس الرديء.سكان حي التنك من المتجاوزين على أراضي الدولة ساقتهم ظروف الحياة الصعبة وغلاء السكن وفقر الحال أن يبنوا هذا الحي لكي يعيشوا تحت رحمة وبؤس الظروف القاسية.
جميع المباني تفتقر إلى الصيانة ,وجاء البناء على شكل عشوائي مؤلم وأستطاع نفر من الساكنين أن يجهزوا الحي بالماء والكهرباء مقابل اجور شهرية متفق عليها.بنيت السقوف من جذوع النخيل أما الحيطان والابواب فقد بنيت من الصفائح والطين والجص وبعض من الاسمنت.ولزيادة الحماية من الامطار والبرد فقد غطى الاهالي سقوف بيوتهم بمادة البلاستك الحراري لدرء مياه الامطار وشدة البرودة.هذه المرة تصاعدت وتيرة الخطر بسبب شدة المطر الهاطل وسرعة الرياح أنه الموت لا محالة.يعتبر حي التنك من افقر المناطق السكنية المعدمة ولكنه بعيد عن متناول سلطة ألدولة,حيث لا يأبه له أي مسؤول.

أنه بعيد عن حسابات الحكومة وغير خاضع لمراهنات السياسيين المتبجحين وأصحاب النفوذ. قبل شهر من ألان تعرضت شاحنة نقل الاموال المتجهة من البنك الرئيسي إلى السطو المسلح وأختفت ألاموال وكأنها فص ملح وذاب.مئة مليون دولار هذا ما صرحت به وكالة ألانباء,خصصت الدولة مكافأة كبيرة لمن يعرف او رأى أو سمع شيئاً بخصوص ألسرقة.عندما عرف اهالي حي التنك بفقدان الاموال تحت ذريعة السطو المسلح خرجت الجموع تطالب الدولة بتحسين احوالهم والنظر بعين العطف إلى اولادهم وعوائلهم.كالعادة لا مجيب وأهمال للطلبات. حدثت جلبة قوية وسمع سكان الحي طبة حتى تبين سقوط أحد المباني وجرف الماء لمحتويات المبنى مع السيل الجارف ليبقى سكانه في العراء وتحت رحمة المطر وشدة البرد القارص. تعالت الصرخات وطلب النجدة وزاد النحيب والبكاء,ولكن لا مجيب.الكل يشعر بالرعب والخوف من الموت.الفقراء يرفعون ألايدي متضرعين إلى طلب الرحمة والتوبة من غضب الرب.

ألله يغضب فقط على الفقراء فهم كبش الفداء,لا كهرباء ولا ماء ولا غذاء,لا سقف ولا رداء الجميع في العراء.بين الصراخ وسقوط الابنية بالتوالي وبدون تخطيط خرجت العوائل متحدية هذه الموجة الخطرة لأنقاذ أولادهم والابتعاد عن مركز الخطر الماحق. وقف الرجال في الطرق الضيقة تساعدهم النساء لسد الفتحات الجارفة حتى يتسنى إنتشال اكبر عدد ممكن من الاطفال والمرضى وكبار السن.لقد نجحت المحاولات وخرج عدد كبير من حي التنك. استمرت محاولات الانقاذ وقد شملت أم غائب,حمل الشباب والرجال رفاة ابي غائب,بين عويل زوجته وبكائها وصراخها حتى بلغت الناجيين من الغرق والموت خارج الحي.الناجون يرجفون من شدة البرد. وقد حدث ما كان بالحسبان فقد تهدم حي التنك وجرفت المياه ألانقاض والجميع شاهد على هجمان بيوتهم التي افتقرت إلى ابسط وسائل الحماية..وفجأة نظرت الحشود إلى شيء سلب العقل وزغلل العيون واثار حالة جنونية عند ألاهالي بعدها تعالت الصيحات الهستيرية وبدأ الهجوم على السيل الجارف والكل لا يصدق ما يرى!!! دولارات بالملايين تطفو وتسير مع السيل.
نسى الفقراء وحشة وقساوة الطقس والخوف من الموت وضربات الصواعق وأرتفعت درجات الحرارة في ألاجسام.نال الناجون رزم المبالغ واختفى الجميع بلمح البصر. اختفى حي التنك من خارطة التجاوز واختفت العوائل القاطنة.أكتشفت دوائر الدولة ألامنية عن وجود مخطوطات وأدلة لمسؤولين في الدولة سكنوا في حي التنك وتحت أسماء وهمية وأشخاص ليس لهم وجود.
مصائب قوم عند قوم فوائد

نشرت في قصة
الصفحة 8 من 8