• Default
  • Title
  • Date
الأحد, 01 تشرين2/نوفمبر 2020 12:34

قصة الكمان الجزء الأول

قصة الكمان الجزء الأول (1 من 3)
ظهور وتطور الكمان

يعتقد الباحثون بظهور الكمان في شمال إيطاليا، في كريمونا تحديداً، في أواخر القرن الخامس عشر ومطلع السادس عشر. ميزته الأساسية هي حجمه وخلو زنده من العتبات التي كانت مستعملة في أدوات عائلة الفيول، كما يدل اسمه (الفيول الصغير Violino). تميز الكمان عن الفيول بالمرونة في تحديد طبقة الصوت، وكذلك بنوعية صوت مختلفة أكثر اختراقاً للهواء الذي ينقل الذبذبات. هذه الميزة جعلت الكمان مناسباً للعزف في الهواء الطلق، وفي الفضاءات الكبيرة مثل الكنائس الكبيرة وقاعات الاوبرا، بشكل أفضل من صوت الفيول المكتوم قليلاً. الفارق الآخر هو عدد الأوتار، فانخفض العدد من ستة أوتار في الفيول الى أربعة في عائلة الكمان، وتغيرت كذلك طريقة الوزن، من الوزن على الرابعة (كفارت) في الفيول إلى الخامسة (كفينت) في شيء من التعويض عن تقليل عدد الأوتار.
انتشر الكمان في كل شمال إيطاليا حوالي سنة 1530، وتعداها ليغزو أوروبا. في نفس الوقت اشتهر صناع الكمان الحرفيون الماهرين مثل أندريا آماتي من كريمونا (1505 – 1577) الذي انشغل بتصميم الكمان وباقي أفراد عائلة الكمان (الفيولا والتشيلو)، وأسهم في أعطائها شكلها الحالي. صنع آماتي أدوات لأفراد عائلة مديتشي الثرية، منهم كاترينا دل مديتشي أم ملك فرنسا شارل التاسع والوصية على عرشه التي كلفته سنة 1560 بصنع أدوات لأوركسترا كاملة تتكون من 38 قطعة.
أخذ أبناء أندريا آماتي الصنعة من أبيهم واستمروا في صناعة أفخر الكمانات، حتى جاء حفيد اندريا، نيكولا (1596- 1684) الذي ارتقى بصناعة الكمان وازدادت الطلبات على منتجاته حتى أخذ يعلم الصبيان الموهوبين على اسرار الصنعة ليساعدوه في تلبية كل الطلبات. من بين هؤلاء الصناع برز اسم اندريا غوارنيري (1626 – 1698) الذي أسس لنفسه اسماً في هذه الصنعة بحيث أصبحت كماناته اليوم بين الأغلى. نافسه في ذلك الصانع الموهوب الآخر الذي تعلم عند نيكولا آماتي: انتونيو ستراديفاري (1644 – 1737)، أشهر صانع كمان على الاطلاق. فقد صنع ستراديفاري أكثر من 1100 أداة موسيقية خلال سبعين عاماً من النشاط، ويقدر المختصون أن قرابة نصف الأدوات التي صنعها ستراديفاري قد وصلتنا، أثمنها هي التي صنعت بين 1700 – 1720 عندما أوصل ستراديفاري الكمان الى الكمال.
تهتم مدينة كريمونا بهذا الإرث فائق الأهمية كثيراً، وتأسست جمعية أصدقاء ستراديفاري في سنة 2009، وتم إنشاء متحف الكمان الذي وصل عدد زواره 100 ألف سائح سنويا. يحتفظ هذا المتحف بالعديد من الأدوات التي صنعها حرفيو كريمونا من عوائل آماتي وغورانيري وستراديفاري. وتشكل هذه المجموعة مصدر معلومات غنية لنحو 250 حرفي ماهر يعملون اليوم في كريمونا في 150 ورشة لصناعة الأدوات الموسيقية. كما توجد في المتحف قاعة صغيرة يقدم فيها عازفون شباب حفلات أسبوعية يستعملون فيها الأدوات المحفوظة في المتحف. وأعلنت اليونسكو صناعة الأدوات الموسيقية في كريمونا ضمن التراث الإنساني.
أحد أسرار جمال صوت الأدوات المصنوعة في كريمونا هو اختيار الخشب المناسب، على الخصوص التنوب الذي يجلب من غابة "الكمانات" في بانافيجيو عند جبال الدولوميت في شمال إيطاليا. يتميز هذا الخشب بالمرونة العالية عموماً، ويقال إن القرن السابع عشر شهد انخفاضاً في درجات الحرارة فبطؤ نمو الأشجار مما زاد من كثافة الخشب وهذا أحد أسرار الصوت المميز لكمانات ستراديفاري.
××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××
عازف الكمان سكوت يوو يعزف على كمان ستراديفاري معروض للبيع بقيمة 15 مليون دولار
https://www.youtube.com/watch?v=QObnfS29lKo

جوليانو كارمينيولا يعزف على كمان ستراديفاري (Baillot 1732) حركة من كونشرتو كمان من تأليف فليتشه غارديني (1716 – 1796):
https://www.youtube.com/watch?v=MRwbPIhkoe0

عندما تجتمع خمس أدوات من صنع ستراديفاري. شوبرت: خماسي في دو الكبير الحركة الأولى الجزء الأول
https://www.youtube.com/watch?v=xCvkdvTwx5E

الجزء الثاني
Schubert Quintet Mvt1-Part2 (Harlem Quartet on Stradivarius' & Carter Brey)
https://www.youtube.com/watch?reload=9&v=myzchMKm4D

الى اللقاء الأحد المقبل

الأحد, 27 أيلول/سبتمبر 2020 12:33

الموسيقار منير بشير بعيون زوجته

صدر العام الماضي كتاب "من بودابست الى بابل" في بودابست باللغة المجرية، وهو سيرة ذاتية للسيدة إيرين گَچَــيي أرملة الفنان منير بشير، تروي فيه مراحل حياتها مع عازف العود الشهير. قدّم له الصديق السفير بالاج بوكور الذي خدم في عدة دول عربية وأصبح رئيساً لدائرة التشريفات في الخارجية المجرية سنوات طويلة. هو أقرب الى بيوغرافيا عن منير بشير، رغم تناوله تفاصيل حياة السيدة گَچَـيي قبل زواجها في بودابست حيث درس منير وعمل قبل انتقاله الى لبنان مع عائلته.

الكتاب سلسلة من الجلسات مع السيدة گًچَـيِي حررها محرر مجري، مما تسبب في أخطاء في التواريخ وبعض التفاصيل. مع ذلك يحمل الكتاب الكثير من المعلومات المثيرة عن الفنان الراحل.
يبدأ الكتاب بمشهد درامي هو بقاء السيدة لوحدها والرعب الذي سيطر عليها ابان حرب الكويت في غياب زوجها وابنها في دور الضيافة التابعة لمدينة بابل السياحية التي أنشأت بالتزامن مع إطلاق مهرجان بابل الدولي سنة 1987، بحيث مر شريط حياتها بدءاً بعائلتها، ثم تعرفها على منير وزواجها منه وذكرياتها حتى تلك اللحظة. يحمل هذا المشهد دلالات كبيرة، إذ تعود اليه السيدة گَچَـيي في خاتمة الكتاب لتصف حزن منير لرؤية حلمه يتهاوى مع انهيار الدولة العراقية بعد حرب الكويت.
تكلمت عن هروبه من بغداد الى بيروت في خريف 1960 بعد الحكم عليه بالإعدام لأسباب سياسية، ثم قبوله في كونسرفاتوار تشايكوفسكي في موسكو في ربيع 1961 بمساعدة من أصدقائه الشباب الذين شاركهم آراءهم السياسية. لكنه عانى من المناخ القاسي لموسكو، فطلب من المنظمة السياسية نفسها المساعدة في الانتقال الى أكاديمية فرنس ليست في بودابست وتم له ما أراد (ص 24 – 25) ليبدأ الدراسة سنة 1962 ويتخرج سنة 1965. وقد تعرف على الفتاة المجرية خلال سنوات دراسته، وتزوجا بعد تخرجه. عمل في القسم العربي في الراديو المجري (حيث أخرج وأدار برنامجاً أسبوعياً عن الموسيقى وفق حديث أحد الأصدقاء)، ثم في القسم التركي بعد إغلاق القسم العربي.
يصف الكتاب الجهد الذي قام به منير بشير في القيام بتغييرات جذرية على الحياة الموسيقية في العراق (دوره في مدرسة الموسيقى والباليه، ورشة الأدوات الموسيقية، دائرة المستشار الفني، إطلاق مهرجان بابل الدولي وغيرها)، في نفس الوقت نجد إشارات الى الصراعات التي خاضها، منها التقرير الذي رفعه ضده أحد زملائه المقربين بتهمة الماسونية (وقد اشير الى الحرفين الأولين من اسمه، ولعله الإشارة الوحيدة المباشرة في كل الكتاب إلى إحدى الشخصيات من العراقيين) ومن ثم اعتذار ذلك الشخص منه لاحقاً بعد "استضافته" من قبل أجهزة الأمن (ص 72).
خلال متابعتي للإنترنت بحثاً عن المزيد من المعلومات عن منير بشير، لم أعثر على كتابات عربية تناقش تفاصيل موسيقية عنه، سوى الصفحة الإنكليزية على الويكيبيديا التي تطرقت الى تفاصيل طرق وزن (دوزان) العود التي استعملها، وتقنيات العزف بالمضرب أو بالأصابع أو الأظافر، والتزويق الذي استعمله والارتقاء بالعود من أداة مصاحبة الى أداة منفردة.
وقد توفي منير بشير في بودابست يوم احتفال العائلة بعيد ميلاده، ودفن هناك بحضور عدد كبير من الشخصيات المجرية والأوروبية والعربية في يوم شديد البرودة من خريف 1997 .

تقاسيم على العود منير بشير
https://www.youtube.com/watch?v=mEGU_8qtIoA

الأحد, 23 آب/أغسطس 2020 15:09

مراسلات موتسارت

 

كان فولفغانغ اماديوس موتسارت كاتب رسائل خصباً مثلما هو مؤلف خصب، والمراسلات التي يبلغ عددها قرابة 1400 رسالة بينه وبين أفراد عائلته وأصدقائه مصدر ثمين للبحث، فهي تساعد على توضيح ظروف تأليف الكثير من الأعمال المهمة لأنها تتطرق الى الحلول الفنية. فهي تسلط الضوء على التسلسل الزمني للمؤلفات وتزودنا بتفاصيل هامة تتعلق بسرعة الأداء ونوع الزخارف (التحلية الموسيقية) فيها، وحجم الفرق عند تقديمها. في نفس الوقت تشكل هذه الرسائل مصدراً مهماً لدراسة أدق تفاصيل سيرة حياة موتسارت. مع ذلك يجب التحيط عند دراسة آرائه الفنية في رسائله الى أبيه، فقد لا تعكس قناعته الحقيقية خوفاً من سطوة الأب.

هناك العديد من التفاصيل المثيرة في المراسلات بسبب لغتها واستعمال اللغات الأخرى (اللاتينية والفرنسية في أكثر الأحوال) وطابعها الساخر اللاذع وتضمينها الكثير من التوريات التي لا تخلو من البذاءة بحسب عرف اليوم، لكنها شائعة في بافاريا والنمسا في القرن الثامن عشر. نلمس تفاؤله الشديد حتى في أحلك الظروف، كذلك معرفته بقيمته وعبقريته رغم صعوبة حياته وقلة موارده، إذ فشل في الحصول على وظيفة تؤمن له ولعائلته حياة مستقرة رغم محاولاته المتواصلة. بعض الرسائل التي أرسلها الى أصدقاءه ليقترض منهم مبلغاً من المال تعبر عن الحالة هذه. ونعرف أنه قد مات مديوناً للكثير ممن كانوا حوله رغم احتفاء أوروبا كلها به.

راسل موتسارت أباه وعائلته كلما ابتعد عنه في سفرة "عمل" أو جولة موسيقية. كان الأبن والأب يتبادلان الرسائل اسبوعياً على الأغلب، وأحياناً أكثر من رسالة في الأسبوع. لكن اثارت انتباهي رسالتان مؤرخة في 3 تموز 1778، وهو يوم وفاة امه أثناء وجودهما في باريس أملاً في الحصول على وظيفة هناك. في الرسالة الأولى يخبر موتسارت أباه بمرض امه الشديد، وبرر عدم رده على رسالة الأب تاريخ 11 حزيران بمرضها. ويخبره في الجزء الثاني من الرسالة عن تقديمه سيمفونية [هي السيمفونية رقم 31 الباريسية، العرض العام الأول في 18 حزيران]، وعدم رضاه عن التدريبات وتخوفه من فشلها، ثم يذكر نجاح العرض الأول واعجاب الجمهور بالسيمفونية ويصف التصفيق الحار الذي أثارته السيمفونية. في ختام الرسالة يبلغه بوفاة فولتير، ويصفه بالملحد الشرير، ربما لإرضاء والده. وقت كتابة الرسالة غير معلوم، لكن من المحتمل أن يكون بعد وفاة امه في الساعة العاشرة والثلث ليلاً بسبب الرسالة الثانية المكتوبة بنفس التاريخ والتي كتبها في الثانية صباحاً بعد وفاة امه وقد أرسلها إلى صديق له يطلب منه تبليغ أبيه واخته بالخبر المؤسف.
(المراسلات منشورة على الانترنت في أماكن عديدة، بينها موقع مشروع غوتنبرغ الأوروبي)

الأحد, 19 تموز/يوليو 2020 10:55

جديد شوستاكوفيتش

قدم راديو وسط ألمانيا MDR وقناة آرته ARTE الأوربية الثقافية بالتعاون مع شركة الغرامافون الألمانية (Deutsche Grammophon) أمسية خاصة يوم الخامس من تموز الجاري، مخصصة لأعمال دمتري شوستاكوفيتش (1906 – 1975) للبيانو تعزف للمرة الأولى في التاريخ. كانت الأمسية مقررة ضمن مهرجان غوريش الحادي عشر لموسيقى شوستاكوفيتس الذي الغي هذا العام بسبب الكورونا. منتجع غوريش (Gohrisch) القريب من مدينة دريسدن الألمانية الذي يضيّف المهرجان سنوياً هو المكان الذي أمضى فيه شوستاكوفيتش فترة في صيف سنة 1960 ليؤلف موسيقى فيلم سوفيتي – الماني ديمقراطي مشترك عنوانه "خمسة أيام خمس ليال"، في نفس الوقت أنجز رباعيته الوترية رقم 8 والتي يعدها المؤرخون "وصيته" الموسيقية، وهي واحدة من أعماله المهمة.

قدم أعمال شوستاكوفيتش ثلاثة من العازفين الروس البارزين، هم يوليانا آدييفا (في غوريش) ودانيل تريفونوف (من بيته في الولايات المتحدة) ودمتري ماسليف (من قاعة تشايكوفسكي في موسكو، عازف شاب حصل على الجائزة الأولى في مسابقة تشايكوفسكي العالمية سنة 2015). الأعمال المقدمة كانت سوناتا للبيانو عمل 12 رقم (1926) وهي من الأعمال المعروفة سابقاً قدمتها آدييفا، بعدها انتقلنا الى بيت دانيل تريفونوف في كوناكتيكت بالولايات المتحدة حيث عزف ثلاثة قطع فوغا (غير مصنفة لحد الآن تعود لسنة 1934) وسكرتسو في سلم فا دييز الصغير في صيغة أولية أو نسخة البيانو للعمل المكتوب للأوركسترا (op. 1) ألفه في سنة 1921. بعدها انتقل البث الى موسكو فعزف دمتري ماسليف مقطوعات للبيانو ألفها في سنوات 1918 – 1920 أي أنه كان في عمر بين 14 - 16. الأولى كانت مارش جنائزي في ذكرى شهداء ثورة أكتوبر، القطعة الثانية نوسطالجيا، ثم قطعة في دو الكبير من دفتر تمارينه، قد تكون أحد الأعمال التي قدمها في امتحان القبول الى كونسرفاتوار لنينغراد، وهي قطعة غنائية رقيقة وجميلة رومانتيكية تذكرنا بأعمال مندلسون. تبعها برليود (مقدمة) – ومارش مقاربة للمارش الجنائزي الذي بدأ به، ثم قطعة من القطع المسماة توافه (Bagatelle) من العام 1919. بعدها عزف قطعة عنوانها الغابة، فيها إشارات الى عمل فرانس ليست "تمتمة الغابة". ثم قطع برليود (مقدمة) وانترمتزو (قطعة وسطية أو رابطة) وأعاد تقديم السكرتسو الذي قدمه تريفونوف مرة اخرى. اختتم البث بتقديم يوليانا آدييفا برليود وفوغا في سلم دو دييز. البرليود كان عبارة عن مسودة أكملها وألف جزء الفوغا لها المؤلف البولوني المعاصر كشيشتوف ماير (ولد في 1943) وفق أسلوب شوستاكوفيتش. ولشوستاكوفيتش مجموعتين من 48 برليود (مقدمة) وفوغا بكل السلالم الصغيرة والكبيرة (هي عمل رقم 87) مماثلة تماماً لعمل باخ الكلافير المعدل الواقع في جزأين.
اكتشفت الباحثة الروسية اولغا ديغونسكايا هذه الأعمال وغيرها، فقد سبق لها اكتشاف العديد من مسودات واعمال شوستاكوفيتش بينها مخططات اوبرا بدأ بها سنة 1932. وتعمل ديغونسكايا في مشروع وضع تصنيف شامل لأعمال شوستاكوفيتش.
××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××
سكرتسو في فا دييز الصغير (Op. 1)، من أول أعمال شوستاكوفيتش.
https://www.youtube.com/watch?v=ClJLiImryZ0


السكرتسو (Op. 1a) حسب تقديم ماسليف في الأمسية:
https://www.youtube.com/watch?v=hY3IuvQFTqM

 

برليود وفوغا رقم 7 في لا الكبير من عمله رقم 87. من القطع القليلة التي تجنب استعمال التنافر الموسيقي فيها.

Shostakovich Prelude and Fugue in A Op.87 No.7 Score Video

https://www.youtube.com/watch?v=a-1T8yOs6TM

 



الإثنين, 13 تموز/يوليو 2020 06:04

التصفيق

 

التصفيق هو أحد أقدم الأدوات الموسيقية التي استعملها الانسان، ولا يزال. وعادة ما يستعمل الانسان التصفيق لضبط الإيقاع، أو لإبداء الاستحسان. وهناك أشكال مختلفة من التصفيق تعطي أصواتاً مختلفة تستعمل بحسب الحاجة.
من الأمثلة المثيرة الفن الشعبي الخشّابة البصرية، وتعود جذوره الى عمال صناعة السفن الذين طوروا فناً خاصاً بهم تأثر ببعض الإيقاعات والملامح الأفريقية، عماده أدوات خشبية صنعوها من بقايا أخشاب صناعة السفن، والتصفيق وطق الاصابع وضرب الأرض بالأرجل (وهذا تشتهر به مناطق الأهوار إذ يضرب الجالسون الأرض بكعوبهم ويطقون أصابعهم في مرافقة إيقاعية جميلة للغناء).
ومثله مصاحبة التصفيق الرقص الاسباني التقليدي مثل الفلامنكو والسَبِيّانا (الاشبيليّة)، وله دور هام فيه. من أنواعه العديدة التصفيق القوي ويتم بضرب الأصابع (الثلاثة الأولى) المشدودة بقوة على راحة اليد الثانية الموازية للأولى تقريباً، واللين أو الصامت وهو ضرب الراحتين بحيث تسقط الأصابع المتقوسة قليلا في الفراغ بين سبابة وابهام اليد الثانية في الهواء، واليدان متعامدتان الواحدة على الأخرى.
استعمل الانسان التصفيق كذلك للتعبير عن الاستحسان، مثلما فعل اليونانيون والرومان القدماء في استحسان ما يقدمه الممثلون والموسيقيون والرياضيون (والمصارعون عند الرومان) على المسرح أو في الملاعب، وكانوا يعبرون عن استهجانهم للأداء السيء كذلك. واستعمل الرومان أنواعاً مختلفة من التصفيق، مثل طق اصبعين الوسطى والسبابة واعتبروه أدنى أنواع الاستحسان، يليه التصفيق بضرب أصابع اليد اليسرى على راحة اليمنى ويعطي ذلك صوتاً حاداً، النوع الثالث التصفيق بكامل اليد، يعني ذلك اما ضرب الراحتين، أو اليد المضمومة براحة اليد الثانية.
كان التصفيق بين أجزاء العمل الموسيقي شائعاً في السابق، فقد كتب موتسارت الى أبيه (1778): "... جاءت عبارة موسيقية في منتصف الحركة الأولى الليغرو كنت أعرف أنها ستسر الجمهور الذي انفجر بتصفيق كبير، فقد كنت أعرف تأثيرها أثناء تأليفي لها، لذا استعملتها مرة أخرى في نهاية الحركة – فتكرر الأمر. استقبل الجمهور الحركة البطيئة آندانته بشكل جيد كذلك، لكنه أعجب بشكل خاص بالحركة الأخيرة الليغرو...."، وكان موتسارت وبيتهوفن يعيدان تقديم المقاطع المثيرة التي يقاطع الجمهور فيها العازف، بنفس الطريقة التي يعيد فيها الشعراء العراقيون والعرب المقاطع التي يقابلها المستمعون بالتصفيق كنية عن إعجابهم.
يقول دفورجاك عن تقديم سيمفونيته الثامنة في لندن: كان نجاحاً كبيراً، صفقوا بعد الحركة الأولى، وازداد التصفيق بعد الحركة الثانية، الحركة الثالثة تلاها تصفيق شديد بحيث تعين عليّ الاستدارة عدة مرات لتقديم الشكر للجمهور تلا الحركة الرابعة تصفيق عاصف اشترك فيه كل الجمهور وكذلك العازفين، وعدت الى المسرح عدة مرات. تشرفت كثيرا بهذا التصفيق.
لكن ذلك اختلف باختلاف المؤلفين، فاغنر مثلا عارضه ودعا الناس للتعبير عن استحسانهم بعد نهاية العمل، وعمد بعضهم الى تأليف أعمال ترتبط فيها الحركات لمنع الناس من التصفيق أثناء العمل، إلى أن وصلنا اليوم الى اعتبار التصفيق أثناء الحركات أمراً مشينا ينم عن قلة ثقافة وجهل بأصول التذوق الموسيقي. مع ذلك لا يزال بعض رواد الأوبرا يتصرفون مثل جمهورنا الشعري إن أجاد المغني في الأداء الى اليوم.
×××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××
نوعي تصفيق الفلامنكو:
https://www.youtube.com/watch?v=Yo38h7Wdc88


تكسير (خشابة) من المحمرة:

 ممقطع من جلسة طرب في مدينة المحمرة الاهوازية 

للقاء الأحد المقبل

 

الأحد, 31 أيار 2020 04:10

چـارداش

أختار أحد الأصدقاء الأعزاء قطعة موسيقية ليضعها على صفحته في الفيسبوك، هي عمل الموسيقي الإيطالي فيتّوريو مونتي (1868 – 1922) المعنون چـارداش (وكتبه Czardas وهي صيغة تستعمل نظام الكتابة في اللغة البولونية). مونتي من أصحاب المؤلف الواحد، هو عمله المذكور، ولم يشتهر بأي عمل آخر كتبه من اوبرات أو باليهات، لكن ذلك الـ "چـارداش" كان كافياً لتخليد اسمه. يظهر في التسجيل عازف كمان ماهر من فرقة أوركسترا قدمت العمل مع عازف كمان غجري شهير من بودابست مع فرقته في شبه مباراة ودية بين العازفين. يستعمل الغجر الكمان والفيولا والدبل بيز (كونتراباص) والكلارينيت والسنطور بالدرجة الأولى، لكنهم الى جانبها يستعملون أدوات أخرى مثل الغيتار وربما الأكورديون وغيرها.

رقصة چـارداش (Csárdás) هي رقصة شعبية مجرية ظهرت وانتشرت في القرن الثامن عشر كتطوير وإضافة لرقصة اسمها "ڤـربونك" وهي رقصة يرقصها الرجال بمفردهم بحركات ماهرة ومعقدة، ارتبطت بالدعوة للتطوع في الجيش بين صفوف الفلاحين، ومن هنا جاء اسمها، فالكلمة ألمانية تعني "دعاية" أو "إعلان" ولاتزال مستعملة في الدول الناطقة بالألمانية. أما كلمة چـارداش المجرية فهي نسبة من كلمة چـاردا، ومعناها الحانة خارج المدن أو في القرى، حيث رقص الشباب هذه الرقصة، ويرجعها الباحثون المجريون إلى تعبير چهار اتاق الفارسي ويعني الغرف الأربعة (وهناك كلمات فارسية مستعارة في اللغة المجرية، منها أرقام مائة وألف مثلا). يتبادر الى الذهن على الفور تشابهها في الصوت وربما الوظيفة مع كلمة الـچـرداغ العراقية المعروفة في البساتين حيث تجمع التمور المجنية لتعليبها أو وقايتها من الشمس والعوامل الجوية قبل تسويقها.

تتألف الرقصة من أجزاء بطيئة وسريعة، إيقاعها ثنائي أو رباعي. يرقصها الرجال مع النساء في وضع أشبه بالفالس، يبدأ ببطء ثم يسرع قبل أن يترك الرجال النسوة فيتبارون بينهم ليظهروا مهاراتهم المنفردة. انتشرت الرقصة في وسط أوروبا لدى الشعوب المجاورة للمجريين، ووصلت مع الموسيقيين المجريين الغجريين المهرة الى فيينا عاصمة امبراطورية هابسبورغ وعاصمة الموسيقى وقتها. فبدأ المؤلفون الكبار باستعمالها كشكل موسيقي مميز مثل برامز ويوهان شتراوس الابن ثم عازف الكمان الاسباني الماهر المؤلف بابلو دي ساراساته الذي دخلت المواضيع الاسبانية أعمال أعظم الموسيقيين الفرنسيين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بإلهام منه. وكان فرانس ليست السبّاق في استعمالها وتأليف موسيقى "مجرية"، وهو مجري الأصل كما نعلم رغم تكلمه الألمانية. استعملها تشايكوفسكي كرقصة في الفصل الثالث من عمل الباليه الخالد بحيرة البجع.

×××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××

التسجيل الذي وضعه الصديق الفنان على الفيسبوك: روبي لاكاتوش ودمتر چـرنوكوف يقدمان چـارداش مونتي:

https://www.youtube.com/watch?v=O6umanZrSCY&feature=share&fbclid=IwAR3HPoP7cdsXVFAy-GZjeLJdforpCHhYlcj8HRX74g8aOWAYbVPSdg9wetE

 

رقصات مجرية من منطقة كالوتاسگ، فرقة موژيكاش مع فرقة رقص جامعة كورفينوس بودابست:

https://www.youtube.com/watch?v=LmNDvQmNXWo

 

چـايكوفسكي، الرقصة المجرية من بحيرة البجع

19 Swan Lake 2013 Act2 Hungarian Dance

19 Swan Lake 2013 Act2 Hungarian Dance

Mariinsky Swan Lake 2013 Act2 Hungarian Dance Olga Belik Karen Ionnisyan

 

 

 

 

 

السبت, 07 أيلول/سبتمبر 2019 09:11

موسيقى نيجيريا

لم تكن نيجيريا في القرن العشرين سوى مستعمرة بريطانية استقلت في الستينات. وقتها كانت ثقافتها الشعبية المحلية المتنوعة تنوع أعراق نيجيريا بعيدة عن الموسيقى الأوروبية التي نسميها كلاسيكية، وكانت سيرورة نشر هذا النوع من الفن بين الفئات المتعلمة والنخبة يذكرنا بما جرى في العراق تحت الحكم الملكي ولاحقاً في النصف الثاني من القرن مع فوارق ملموسة. من الاختلافات تنوع التأثيرات المتمثلة بطبيعة العلاقات بين غربي أفريقيا والمستعمر الأوروبي (البرتغال، اسبانيا، بريطانيا). لكن الاختلاف الأساسي يكمن في نجاح نشاط البعثات التبشيرية المسيحية خاصة بين السكان الذين اعتنقوا ديانات بدائية – طبيعية، على العكس من حالة العراق حيث اقتصر نجاح الارساليات على تحويل اتباع الكنائس المسيحية المشرقية الى مذاهب أخرى (التنافس بين الكاثوليك والبروتستانت) الخ. ونعرف عن الكنيسة الأهمية التي توليها للموسيقى والغناء الديني في الطقوس. أهم أوجه الشبه يكمن في توظيف الفن المحلي في الأعمال الموسيقية التي ألفها أبناء البلد مثل توزيع الأغاني الشعبية أو الفنية (المؤلفة) واستعمال العناصر الموسيقية والايقاعات المحلية في الأعمال المكتوبة وفق النظام الموسيقي الأوروبي.
كان توماس كنغ أكوندايو فيليبس (1884 – 1969) من أهم الموسيقيين الذين نشطوا في حقل الموسيقى الكنسية، لذا لُقّب بأبي الموسيقى الكنسية النيجيرية، وهو عازف اورغن ومؤلف موسيقي ومربٍ معروف وهو ابن أسقف غرب أفريقيا تشارلز فيليب (توفي 1906). وقد استعملت الكنيسة في غرب أفريقيا الألحان الشعبية المحلية في الأناشيد الكنسية حسب مقترح فيليبس في 1926 ومزجتها بالأناشيد الأوروبية مما قربها الى جموع المصلين.
وإذا كان فيليبس أبا الموسيقى الكنسية النيجيرية، فلابد من ذكر أبي الموسيقى النيجيرية المعاصرة، وهو فيلا أوبافونميلايو سُوانده (1905 – 1987). وفيلا هو الآخر ابن الكنيسة، فأبوه قس وأحد الموسيقيين الكنسيين النيجيريين الأوائل وصديق لفيليبس المذكور الذي درّسه العزف على الأورغن، وكلاهما أثرا كثيراً في فيلا الصبي ونشأته الموسيقية. درس الموسيقى في نيجيريا ثم في بريطانيا وأقام وعمل فيها لفترة كعازف اورغن وبيانو (كلاسيكي وجاز). اهتم سُوانده بالموسيقى المحلية وبموسيقى الجاز، واستعملها في أعماله (حوالي 50 عملا). كتب أعمالاً كثيرة للأورغن، والقليل للأوركسترا منها المتتابعة الأفريقية وسيمفونية الشعب، بالإضافة الى أغاني وكورالات.
أنجبت نيجيريا عدداً من الموسيقيين الذين حصلوا سمعة عالمية بسبب دراستهم في أوروبا أو الولايات المتحدة، مثل صموئيل آكـپـابوت (1932 – 2000) الذي درس العزف على الأورغن والترومبيت في الكلية الملكية للموسيقى في بريطانيا وحصل على الدكتوراه في علم الموسيقى الشعبية (أثنوميوزيكولوجي) في الولايات المتحدة. ألف أكثر من 14 عملاً بينها 12 عمل للأوركسترا بالإضافة الى كتابة الموسيقى للفرقة التي شكلها لتقدم الموسيقى المحلية ولديه عدة تسجيلات. تتميز أعماله بأنها سبيكة من موسيقى عدة ثقافات، فإلى جانب الثقافات المحلية (يوروبا، إغبو، أفيك وإيبيبيو) نجد عناصر الموسيقى الأفرو - أمريكية والصينية التي تعرف عليها أثناء دراسته في الولايات المتحدة. ولعل أشهر هذه الأعمال وأبكرها هو "مشاهد من أفريقيا" (1960). يستعمل في أعماله أدوات موسيقية أفريقية في الكثير من الأحيان.

 

https://www.youtube.com/watch?v=KQBbgQh2ahw

 

 

الجمعة, 18 آذار/مارس 2016 12:11

"مقطوعة بيتهوفن " إلى أليزه

من هي أليزا؟

تعتبر مقطوعة بيتهوفن "إلى أليزه" (Für Elise) من أشهر أعماله. نشر العمل العام 1867، بعد وفاة بيتهوفن بستة عقود، وفقدت النسخة الأصلية (المخطوطة) التي كتبها بيتهوفن منذ ذلك الحين. يقول لودفيغ نول الباحث الموسيقي الألماني الذي نشر هذا العمل أنه مؤرخ في 27 نيسان 1810. وهو عمل صنف باسم باغاتل رقم 25 في لا الصغير للبيانو المنفرد. والباغاتل في الأصل تعني شيئاً صغيراً، من دون أهمية الخ، لكنه في الموسيقى يعني "مؤلف قصير وزهيد للأدوات" وعلى الأغلب يكتب للبيانو. لكن من هي أليزه التي كتب بيتهوفن لها هذه القطعة الساحرة؟
من الصعب إعطاء جواب قاطع على ذلك، فالآراء والأبحاث تتحدث عن أكثر من امرأة. ويعتقد على نطاق واسع أن لودفيغ نول قد نسخ الأسم بشكل خاطئ، وربما كان العنوان "إلى تَرَيزه" كناية عن تريزه مافلاتي (1792 – 1851) وهي موسيقية نمساوية إيطالية الأصل كانت صديقة مقربة إلى بيتهوفن وتلميذة لديه. وهناك رأي آخر يقول أنها كتبت لمغنية السوبرانو الألمانية أليزابت روكل (1793 – 1883) التي تزوجت فيما بعد من الموسيقي المعروف يوهان نبوموك هومل (1778 – 1837). إذ عملت هذه المغنية في فيينا وأصبحت من أصدقاء بيتهوفن في العام 1808، وهي الفترة التي ألف فيها الموسيقار هذا العمل الجميل. لكن هذه الفرضية لا تستند إلى أسانيد قوية. وهناك افتراضات حديثة، تقول أن أليزه هي المغنية يوليانه كاترينه أليزابت بارنسفلد (1796 – 1820) من مدينة ريغنسبورغ. وعملت هي الاخرى في فيينا لفترة وبقيت في بيت بيتهوفن عندما تلقت دروساً من الموسيقار أنتونيو سالييري الذي ذكرته قبل أسابيع، وكان أحد أشهر معلمي الغناء وكتابة الأوبرا آنئذ. لكن يصعب علي التصديق بأن بيتهوفن كتب عمل البيانو هذا لمغنية عمرها 13 أو 14 سنة حتى لو كانت توصف بالطفلة المعجزة.
مهما يكن من أمر أليزه أو تريزه، ذاعت شهرة هذه القطعة الصغيرة لسبب بسيط، فهي من ضمن الأعمال الموسيقية التي تستعملها معظم مناهج تعليم البيانو لسهولتها النسبية على المبتدئين. والعمل رغم تصنيفه ضمن المقطوعات الخفيفة البسيطة بني ضمن مخطط أ ب أ ج أ، وبدايته الشهيرة تصاحبها اليد اليسرى بآربيجيو (مثلما تلمس الأصابع أوتار الهارب بالتتابع) لا الصغير ومي الكبير بالتوالي.
××××××××××××××××××××××
https://www.youtube.com/watch?v=e4BysqPWgfc

 

إلى اللقاء السبت المقبل
ثائر صالح

 

 

الإثنين, 25 كانون2/يناير 2016 08:51

البيتلز في عصر النهضة

يتفق مؤرخو الفن، أن عصر النهضة يبدأ في العام 1400، وهذا التأريخ المفترض ليس حداً فاصلاً بالطبع، فالانتقال من عصر فني لآخر يستغرق عقوداً من السنين قبل وبعد التاريخ الافتراضي. وكذا يقال عن أبرز الفنانين الذين ينسب الانتقال إليهم، فمونتفردي لم يكن وحيداً في التحول إلى عصر الباروك، ولا هايدن في التحول إلى العصر الكلاسيكي، ولم يكن كارل ماريا فون فيبر كان أول موسيقار رومانتيكي. فمع هؤلاء وقبلهم كان آخرون يحملون نفس الروحية الجديدة، وكل منهم أضاف شيئاً جديداً في بناء المدرسة الجديدة.
لكن في مقابل هذه الظاهرة، هناك موسيقيون فاقوا أقرانهم في قدرتهم على التأثير في مسار الفن. ففريق البيتلز كان ظاهرة من هذا النوع، فقد نجحوا في التأثير على مسار فن البوب منذ ظهورهم المدوي في الستينات. أغانيهم لم تنتشر في العالم فحسب، بل جعلوا الموسيقيين يستعملون اسلوبهم الجديد. نفس الشيء حدث في مطلع القرن الخامس عشر، عندما زار فرنسا وفلامانديا موسيقي انكليزي هو جون دونستبل (1380/1390 – 1453)، فقلب الموسيقى رأساً على عقب، وأغوى الموسيقيين لكتابة الموسيقى للمرة الأولى، الموسيقى التي نعرفها اليوم.
ودونستبل لم يكن موسيقياً راهباً كما هو الشائع والسائد حتى عصر النهضة، بل موسيقياً محترفاً على الأغلب، عمل في بلاط الأمير جون لانكستر الذي كان عاهلاً على فرنسا في نفس الوقت، وذهب معه إلى فرنسا وبورغونديا، وزار فلامانديا (وهي "القوة العظمى" في موسيقى تلك الفترة) ولربما إيطاليا، فأخذ موسيقيو تلك الأرجاء تجديداته الموسيقية وعندها بدأ عصر النهضة في الموسيقى بتأثير مباشر منه. وصلنا من أعماله 60 عملاً كانت مستنسخة في هذه الدول، لحسن الحظ، إذ لم تلقى مصير أعمال أقرانه مثل ليونيل باور التي فقدت عندما أمر الملك هنري الثامن بتدمير الأديرة الكاثوليكية بعد قرن من الزمان على اثر قطيعته مع البابا.
أهم ابتكاراته كان أيجاد صلة مباشرة بين النص والموسيقى، فأخذ إيقاع الموسيقى يتبع التقطيع اللفظي للنص، وبدأ الشكل الموسيقي يأخذ على يده صيغته الحالية عبر تقسيمه إلى أجزاء مميزة بفضل استعمال السكتات الزمنية والوقفات الهارمونية (القفلة). باختصار تمكن من صياغة نموذج موسيقي متين البناء مشذب الأركان سهل الانسياب تألفه الأذن وتميل إليه. وواقع الحال أن الاستماع إلى أعماله اليوم ليس ممتعاً تماماً بالنسبة لنا، على الأقل لا يخلو من عنصر الضجر، مع ذلك تعتبر أعماله الخطوة الأولى في الطريق الذي أوصلنا إلى باخ وبيتهوفن وبرامز وغيرهم.
×××××××××××××××××××
نشيد تعال أيها الروح القدس (من الطقس الكاثوليكي)
https://www.youtube.com/watch?v=Ei9btWV8uKc


ما أجملك (من أناشيد سليمان):
https://youtu.be/nxFNkcI8K4A


نزلت إلى البستان لأرى (من أناشيد سليمان):
https://www.youtube.com/watch?v=eNBsaMHHct4

 

إلى اللقاء السبت القادم

الأحد, 17 كانون2/يناير 2016 14:38

الثورة في الموسيقى

تصادف اليوم الذكرى الحادية عشرة بعد المئة لمجزرة القصر الشتوي التي حصلت في سنتبطرسبرغ، وهي ما بات يعرف بالأحد الدامي، وكانت الشرارة التي فجرت ثورة 1905 في روسيا. هذا كان الموضوع الذي استمده ديمتري شوستاكوفيتش لكتابة سيمفونيته الحادية عشرة الملحمية، التي عنونها "العام 1905".

أنجز شوستاكوفيتش هذه السيمفونية سنة 1957، لكننا نعرف أنه كان قد قرر كتابتها قبل هذا التأريخ، لتقدم في الذكرى الخمسينية للثورة في 1955. لكن عدد من الظروف والمتغيرات أطالت في أمد إكمالها، منها وفاة والدته ومشاكل زواجه وكذلك الافراج عن الكثير من أصدقائه الذين أمضوا سنوات طويلة في معتقلات ستالين الرهيبة. ويرى الباحثون كذلك أن شوستاكوفيتش هزه القضاء على ثورة 1956 المجرية. فقد قمعها الجيش السوفيتي، مثلما قمع الحرس القيصري مسيرة العمال يوم 9 كانون الثاني 1905.

تصور الحركة الأولى البطيئة (أداجيو) ساحة القصر الشتوي كما يدل على ذلك اسم الحركة، استعمل شوستاكوفيتش فيها لحنا بطيئاً مؤثراً بدأه بالسلم الكبير، وتحول عدة مرات بين السلم الكبير والصغير خلال الحركة. أما الحركة الثانية (9 كانون الثاني) فتصور يوم الأحد الدامي، وهي بجزأين، الأول يصور تقديم عرائض ومطاليب الجموع إلى القيصر وهم يحملون الأقانيم والأعلام الارثوذكسية، والثاني وابل الرصاص الذي جابههم به الحرس. الحركة الثالثة (بطيئة، أداجيو) تتميز باستعمال شوستاكوفيتش ألحان المارش الجنائزي لضحايا الثورة. أما الحركة الأخيرة (سريعة دون إفراط) ترمز إلى ثورة اكتوبر 1917، كنتيجة لأحداث 1905.، وتنتهي نهاية درامية في صراع شديد (استعمل فيه دقات الناقوس).

يندرج هذا العمل في خانة المزاوجة بين الفن والسياسة، ولا أقول أنها موسيقى دعاية سياسية، لأنها ليست كذلك. فهي برأيي موسيقى برنامجية تصور أحداث تاريخية محددة، لكنها تعبر إلى ما وراء الأحداث التاريخية المحددة هذه لترمز إلى كل الثورات التي تقوم بها الشعوب ضد القهر. انه عمل ملحمي ابداعي يحمل قيمة فنية عالية وأفكاراً انسانية عامة – مثل التوق إلى الحرية والمساواة والعدالة، صاغها المؤلف حسب رؤيته الخاصة وليس كما يراها بعين السلطة الحاكمة.

×××××××××××××××××××××××××

توماس سوندرغورد يقود فرقة هيئة الاذاعة البريطانية الوطنية الويلشية، تسجيل حفل من سنة 2013.

https://www.youtube.com/watch?v=g9lo9ZDYuDU

 

إلى اللقاء السبت القادم
ثائر صالح

الصفحة 1 من 2