• Default
  • Title
  • Date
الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2013 18:40

المندائيون ورحله المنفى المريره

بين ليله وضحاها تغيرت ملامح تلك المدينه الساحره قلوب مفجوعه شوارع مهجوره احلام ضائعه وابتسامه تسلك طريقها نحو المجهول.  

اصبح المندائي خلالها مخير بين خيارين مريرين اما القتل او الهجره بعيدا عن المدينه التي جذور دينه متشعبه بداخلها

 

وتشهد له بحقه في العيش فيها.

 

لايمكننا ان ننكر ان تلك الهجره ساعدت على الحفاظ على اعداد كبيره من المندائيين لكن هجره الدار مريره و ستبقى غصه في القلب.

 

ايام عصيبه مرت عليهم ورافقتهم في هجرتهم حيث وجدوا انفسهم في بلاد المنفى يسيرون نحو الضياع تغيرت حياتهم بشكل جذري والمصاعب تتوالى عليهم

 

(بعد معاناة طويله وصلنا الى امريكا الحلم الذي تكلم عنه العالم لكن هذا كله كان كلام وهم فعندما وصلنا وجدنا ان الحياة قاسيه نخرج صباحا ونعود منتص الليل فقط من اجل توفير الايجار ولقمة العيش)

 

هذا ما قاله سيف احد افراد الطائفه المندائيه حيث كان سيف يسكن في بغداد في منطقة القادسيه رغم حبه العميق الى العراق اجبر على ترك الوطن الام بعد التهديدات التي

 

كانت تتلقاها الاسر المندائيه وكانت عائله سيف لها نصيب من هذه التهديدات

 

يقول سيف بمراره كان لابد لنا ان نترك العراق بسبب تلك الاوضاع اما قتل او خطف وتزداد مأساته ويقول حتى الانسانه التي احببتها تم اختطافها تركت العراق وحتى شهادتي لم استطع الحصول عليها

 

تبتدأ رحلة سيف بسفره الى تركيا وذهبت لاقدم على بلغاريا لكي احصل على فيزا انا ووالدتي واختي لنذهب مع اقاربنا في بلغاريا لكننا لم نحصل عليها

 

ثم عدنا مره اخرى الى العراق وعدت الى دراستي لكن بعد ذلك اصبح الوضع متأزم جدا فكان لابد لنا ان نخرج من العراق باسرع وقت فتوجهنا الى الاردن

 

ذقنا خلالها اشد انواع القسوه والمراره وكنا نحاول ان نحمي انفسنا بقدر الامكان بين الحنين الى بغداد وايام الملل والكأبه وكل سنه تمضي يصبح المستقبل اكثر غموضا بعد ذلك قدمنا على استراليا كباقي العوائل العراقيه والمندائيه

 

وكنا نواجه الرفض دوما وانا احد الاشخاص الذين فقدوا الامل بالاستقرار حتى الرجوع الى الوطن اصبح اشبه بالحلم

 

بعد ذلك حولتنا الامم المتحده الى شؤون اللاجئين وهذا حال العوائل سواء المندائيه او المسلمه او المسيحيه

 فكانت امريكا من نصيبنا عندما وصلنا كانت البلاد في منتصف الازمه الاقتصاديه والظروف الصعبه في بلد لانعرف عنه شيئا فلا مساعد ولا مجيب وبشق الانفس والعمل المتواصل استطعنا تأجير شقه

 والحمد لله اليوم لدي عملي اعمل في الصباح ودراستي في الصباح وهواياتي التي تحولت من حلم الى حقيقه كتاباتي من اشعار واغاني عن الحب والغربه والوطن تحولت الى نجاحات واعمال مع مطربين وفنانين عراقيين ولدوا في الغربه واحلام الرجوع الى العراق

 في تلك الايام كانت تمر هذه الطائفه بأكبر تحدي وهو وجوب المحافظه على ما تبقى من تلك الاسره المندائيه

 والتمسك بتعاليمها ومبادئها واكمال المسيره المندائيه والحفاظ عليها للاجيال القادمه من اجل ان تبقى ملامح هذه الديانه واضحه في كل زمان ومكان

 رغم الالم الذي كان يرافقها شقت المندائيه طريقها في اوطان المهجر من اجل ان لا تموت هذه الديانه المعروفه بسماحتها وعفتها ونقائها

 لكن المندائيون لم تغب يوما عليم ملامح الوطن الجريح يحاولون ان يتناسوا ايامهم فيه لكي لا يثور الحنين والاشتياق اليه من جديد الا ان حياتهم كانت كلها ذكريات الى كل ركن من اركان الوطن

 ويضيف سيف كل عراقي هنا مجروح ويعيش الام بين الوطن وبين الغربه والجميع يتمنى العوده لكن الى هذا اليوم العوده اشبه بالحلم

 كما يقول تعرضت لضغوطات كثيره وسألني البعض ماهو ديني لم اقل سوى عراقي ولن ارضى من اي انسان ان يسألني من انا ومن اي دين لان ديني وهويتي العراق وانا عراقي وهذا يكفيني فخر

 قاسيه هي الغربه بكل ما تحمله الكلمه من معنى حيث لا حبيب ولا صديق ولا عائله مجتمعه بنهار صيفي عراقي تحتسي الشاي المهيل مع الكليجه العراقيه

 تشتت العراقيين في جميع بلدان العالم لكن جميعهم يجمعهم حلم واحد هو حلم العوده الى عراق الامجاد عراق دجله والفرات فالبسمه لايمكن ان تكتمل الا بعد عودة جميع اسرابنا المهاجره .

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2013 19:03

الفكر الدخيل

يتفق الجميع أن خطراً ماحقاً يتهدد وجود الطائفة المندائية العريقة للأسباب المعروفة ويتنادى الخيرون من أبناء الطائفة للوصول الى خير السبل لاٍنقاذ طائفتنا المهددة بالانقراض وهاهم أبناؤها الخيرون اٍبتداءً من رئيس الطائفة ومجالس الطائفة في بغداد وشيوخنا الأفاضل ومثقفينا وممثلياتنا في دول الوسط وجمعياتنا واٍنتهاءً باٍتحادنا العتيد وتنظيماته المنضوية تحت لواءه يبذلون كل من موقعه الجهود الخيرة ويوحدون الصفوف والكلمة من أجل مد طائفتنا بأسباب الحياة وجعلها أكثر صلابة وأقدر على مقاومة الهجمة الشرسة التي تنهش جسد المندائية على كل المستويات.

 

اٍن الملاحظ المراقب المتمعن الدقيق والقارئ لما يطرح على الساحة المندائية يجد أن هناك خطابين مندائيين متميزين :

 

1.خطاب قوى الخير والنور

 

2.خطاب الفكر الدخيل

 

اٍن الخطاب الأول معروف وهو الخطاب العام الذي يجاهد الجمع الخير المشار اليه أعلاه من أجل جعله خطاب المجموع عن طريق

 

أ.تحديد الأهداف المستقبلية

 

ب.توحيد التجمعات المندائية وتنسيق فعالياتها

 

ج.المؤتمرات وتوحيد الجهود لاٍنجاحها والعمل الجدي اللاحق على متابعة قراراتها واٍدخالها الى حيز التنفيذ.

 

د.توحيد وتنسيق فعاليات القيادة الدينية والمدنية وتنسيق التمثيل المندائي

 

ه.اٍحترام الرأي المقابل والأفكار الايجابية التي تصب في صالح الطائفة

 

و.التحلي بالصفات المندائية المعروفة وأهمها روح السلام والتسامح وحب الخير ونبذ التآمر والوشاية والتلصص ومحبة بعضنا البعض بغض النظر عن الموقع الاجتماعي أو الوظيفي أو الانتماء السياسي

 

ز. الحيادية اٍزاء الدولة العراقية وحكومتها ومؤسساتها والعمل معها يداً بيد ما أمكن ذلك من أجل تحقيق أهداف الطائفة وفي نفس الوقت الضغط المستمر سلمياً لنفس الغرض.ان قوى الخير والنور ترى أن الدولة العراقية الحالية محاطة بالأعداء من كل جانب من بقايا النظام البائد وفلول البعثيين وقوى الرجعية العربية وقوى الاسلام السياسي بشقيه الوهابي ومناصري ولاية الفقيه الذين لايريدون للتجربة الديموقراطية في العراق أن تنجح وخصوصاً وهي قائمة على تحالف يضم ولو اٍسمياً غالبية الشعب العراقي (ألشيعة والأكراد) والتي يمكن أن تتطور في المستقبل الى تجربة رائدة في المنطقة تنهي والى الأبد السيطرة المقيتة لأقلية متسلطة لا يمكن أن تحكم الا عن طريق الدكتاتورية.

 

ولهذا فاٍن الطائفة المندائية لا يمكن أن تحترب مع المؤسسة الحكومية الحالية ودستورها وذلك لصالح الجماهير المندائية التي هي بطبيعة الحال جزء لا يتجزأ من الشعب العراقي.

 

ح. اٍحترام الدور الخاص المهم والأساس لرجال الدين سواء ضمن المجال الديني أو الدنيوي دون الانجرار أو الاندفاع لجعل قيادة الحركة المندائية قيادة دينية بحتة لما في ذلك من مخاطر معروفة للجميع بما في ذلك رجال الدين الأفاضل أنفسهم.

 

أما بالنسبة للخطاب الثاني والذي أسميته الخطاب الدخيل فيتميز بالآتي :

 

أ. يحمل فكراً اٍعتدائياً غريباً عن صفات المندائي المعروفة واٍستعداداً لسلوك جميع السبل غير الشريفة لشق الوحدة المندائية بما في ذلك اٍستخدام الأسماء المستعارة واٍرسال الرسائل البذيئة ورسائل التهديد والأساليب الرخيصة في التلصص على البريد الشخصي وهي لاشك أساليب المخابرات والأمن والتنظيمات الحزبية للنظام المقبور.

 ب.يبشر بفكر مفاده أن الوضع الراهن في العراق أسوء من الوضع السابق

 وعلى طريقة التباكي على الطائفة في حين أن المغزى هو التلميح بأن بقاء صدام والدكتاتورية كان أجدى وأفضل للطائفة وللعراق.

 ج.كون فرسانه بشكل عام خارج التنظيمات المندائية ولهذا مغزاه الكبير فهو رفض للانخراط في العمل الطوعي المندائي ويشبه تماماً رفض فلول البعث الاشتراك في العملية السياسية في العراق.

 د.يدفع الفكر الدخيل باٍتجاه التدين الطقسي على غرار التدين الأسلاموي البعيد عن روحية الدين المندائي وغنوصيته ومعرفيته الراقية ويحث الفكر الدخيل على الاٍحتفالات الدينية المبهرجة والنفخ الكاذب في رجال الدين لوضعهم في الواجهة أملاً في تشكيل فكر ديني متعصب يتناغم في عداءه لعراق اليوم مع باقي المتضررين من التغيير الذي حصل في العراق .

 ه.يدفع الفكر الدخيل باٍتجاه جر الحركة المندائية لمعاداة الدولة العراقية واٍستغلال الوضع المأساوي الذي تعيشه طائفتنا المسالمة في العراق حيث تتحرك مؤسساتنا المندائية على كافة الأصعدة لرفع صوتها عالياً للاٍحتجاج المنظم والمبرمج لدى الدولة العراقية وفي المحافل الدولية لوضع حد للاٍغتيالات التي تطال أبناء الطائفة اٍلا أن أصحاب الفكر الد خيل يحاولون جاهدين تحويل التحرك ككل لصالحهم عن طريق اٍفتعال أزمة مع الدولة العراقية ومؤسساتها الضعيفة .

 و.يضع أصحاب الفكر الدخيل على المندائية غطاءً ثقيلاً على مآسي الشعب العراقي خلال الفترة 1963-2003 ويحاولون جاهدين قطع الصلة بين الحاضر والماضي القريب في حين أن كل العقلاء يعرفون أن ما يحدث اليوم في العراق هو نتيجة منطقية وطبيعية لأربعين عاماً من كل أنواع العذابات التي ذاق أهوالها الشعب العراقي ونتيجة منطقية للتدمير المنظم المدروس للبنى التحتية للعراق وللتدمير الجذري المتشعب لنسيج الأمة العراقية على جميع المستويات.

 لقد أصاب الطائفة المندائية الشيئ الكثير من هذا التدمير والذي ساهم بشكل لا يقبل الشك في نمو فئة مندائية شابة جديدة فتحت عيونها على الرئيس القائد الضرورة وخطاباته العنترية وأفكاره الانقلابية الانتحارية ومورست على هذه الفئة أبشع أنواع غسيل الدماغ اليومي في المدرسة والشارع ومقر العمل وخلال الخدمة العسكرية الاجبارية ومع مرورعقود من الزمن تقبلت هذه الفئة واقعها المؤلم المريض وغازلت هذه الفئة السلطة الفاشية ومدت شباك العلاقات معها واٍنتمت لها أحياناً وصارت جزءً منها أحياناً أخرى على مستوى الحزب والأجهزة الأمنية أو تعاونت معها كاٍلتقاء للمصالح أو تقاسماً للمغانم وهي كثيرة آنذاك لذوي النفوس الضعيفة وبهذا غُرس نسيج جديد داخل الجسم المندائي سوف تمر سنين طوال قبل أن نبرأ من هذا الفكر المريض.

 اٍن مهمة اٍستئصال هذا الجسم الغريب عن تراث المندائيةالأبيض المسالم تحتاج الى صبر وهدوء وزمن وعدم مواجهة وصمت أحياناً أخرى فبالنتيجة هم أولادنا واْخواننا وهم مبتلون بما لا يدركون .

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2013 18:55

وقفة جريئة إنقراض المندائية وهم أم حقيقة

الحلقة الأولى 

سبق وكتب البعض من الأخوة المندائيين مقالات عديدة حول إنقراض اللغة المندائية والأسباب التي أدت الى ذلك ، وقدموا أقتراحات لذوي الأمر من المندائيين والجهات ذات العلاقة لغرض إحيائها ، كما ويدرك الجميع إن مسألة إحياء اللغة بالوقت الحاظر هو بالتأكيد خارج إمكانيات الطائفة المتواضعة نفسها ، لذلك عرض الأمر قبل عدة سنوات على المنظمات الدولية وخاصة منظمة اليونسكو لغرض تقديم المساعدة الممكنة لما تملكه من إمكانيات مادية وعلمية وخبرة في هذا المجال ، ولكن مع الأسف لم نلاحظ أي إجراء عملي هام قد تم إنجازه من قبل تلك الجهات خلال السنوات الأخيرة ولغاية اليوم . 

وبودنا التطرق اليوم الى ما يتناقله بين الحين والآخر البعض من المندائيين ومن ظمنهم بعض رجال الدين لمستقبل المندائية المهدد بالخطر خلال بضعة عقود قادمة ، وذلك بسبب الظروف المعقدة التي تمر بها الطائفة . ما لم يتم وضع خطة عمل فعالة يساهم فيها كافة أبناء الطائفة المندائيين وعلى إختلاف إخصاصاتهم العلمية والأدبية والفنية ، وتسخر لها كافة الأمكانيات المتاحة لهذا الغرض . 

نود أن نطرح وجهة نظرنا لواقع حال الطائفة المندائية بصدق وواقعية ، وقد يختلف الكثير من الأخوة المندائيين معنا بما نطرحه اليوم ، أو لربما يتهمنا البعض بإتهامات شتى ، ولكننا نعتقد إن الواجب يحتم علينا دق ناقوس الخطر وأن نكون صادقين مع أنفسنا ، وتبيان الحقيقة وتدارك مواقع الضعف في مسيرة الطائفة الحالية إن كنا جادين في المحافظة عليها وأن يكون شعارنا العمل المشترك الفاعل وليس ( نستنكر ونشجب وندين ) كما نلاحظه من كتابات البعض من الأخوة في هذه الأيام بعد أي حدث أو مصيبة تحل بالطائفة . ولا نود أن نكون من المتشائمين بمستقبل المندائية ، ولكننا نطرح الحقائق كما نلمسها وهي على أرض الواقع ، ونطرح السؤال الذي قد يخشى الكثير من المندائيين طرحه على أنفسهم وهو .. 

( هل إن إنقراض المندائية وهم أم حقيقة ؟؟؟ ) 

وما هو دور المندائيين في هذه المرحلة للحفاظ على هويتهم الدينية وعراقة طائفتهم . 

أنها مجرد وقفة جريئة لمراجعة الذات ووضع الحلول المناسبة قبل فوات الأوان ، وقفة تتطلب من كافة الأخوة أبداء آرائهم وأفكارهم في هذا المجال . 

فمن حق أبناء الطائفة أن يرفعوا أصواتهم أمام المسؤولين في قيادة الطائفة ومؤوسساتها في داخل الوطن وخارجه وتنبيههم إلى الأخطاء التي أرتكبت أو لا زالت ترتكب ، وبذل كل الجهود من أجل تصحيح مسيرة الطائفة المهددة بالخطر . 

إن الطائفة المندائية تتعرض اليوم الى نوع بشع من الإبادة الجماعية وفق مقاييس المنظمات الدولية ، وهي بحاجة إلى إعادة النظر بمسيرتها بما يتناسب وبطبيعة هذه المرحلة التي تمر بها في داخل الوطن وخارجه ، وإن العكس في ذلك يعني استمرار الضعف والتدهور والإضمحلال وخسارة المزيد من أبناء الطائفة يوما" بعد يوم مما يهدد مستقبل الطائفة ككل . 

يدرك الجميع إن الصابئة المندائيين هم بناة حضارة وادي الرافدين ، هم أصل العراق وملحه ، ديانتهم تعتبر من أقدم الديانات الموحدة التي إنتشرت في بلاد الرافدين و فلسطين ما قبل المسيحية ، لغتهم هي المندائية وهي أحدى اللغات الآرامية الشرقية القديمة ، أتخذوا مدن جنوب العراق والأهواز في إيران وبالقرب من الأنهار موطنا" لهم منذ قرون عديدة لأهمية الماء في حياتهم الإجتماعية وإقامة الطقوس الدينية ، عاشوا في تلك المنطقة فأثروا فيها وتأثروا بها ، إنتشرت فلسفتهم الدينية ولغة التوحيد أينما حلوا . وفي فترة ما قبل الحكم البريطاني وخلاله وبسبب الأوضاع الأقتصادية والأجتماعية والأضطهاد والقتل الذي مورس ضدهم من قبل جيرانهم المسلمين ، بدأت هجرة المندائيين الى المدن الكبيرة كبغداد والموصل وكركوك والفلوجة والرمادي والحبانية وديالى ليعملوا في الصياغة والنقش والحفر على المعادن . وتبع ذلك هجرات عديدة أخرى في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي وتجست بشكل أكبر ما بعد سقوط النظام الدكتاتوري في عام / 2003 

الشعب والأمة المندائية ... الهوية 

قد يتسائل البعض ما هي هوية الصابئة المندائيين ؟ وهل هم شعب أم أمة ؟ وهل يمكن أن نطلق عليهم ( شعب مندائي ) أم ( أمة مندائية ) كما يحلوا للبعض من الأخوة أن يذكرهم إعتزازا" بالنفس !!! ووصل الأمر للدكتور تيسير الألوسي ليقترح أطلاق تسمية ( قومية الصابئة المندائيين ) بدلا" من ( طائفة الصابئة المندائيين ) بإعتبار إن المندائيين هم ( قومية تلتزم بدين معين ) ( 1) ، ناسيا" بذلك شروط القومية وهي وجود الأرض واللغة والدين المشترك والعادات والتقاليد . 

ماذا نعني بالشعب

( يعرف الشعب بأنه مجموعة من الأفراد أو الأقوام يعيشون في بقعة جغرافية واحدة ( أرض واحدة ) ولهم لغة واحدة وتأريخ واحد وعادات مشتركة وثقافة واحدة ودين واحد ويعيشون ضمن مجتمع واحد ، ويتميزون بشكل العلاقات الإجتماعية التي تجمعهم في ذلك المجتمع ) . 

فهل ينطبق هذا التعريف على المندائيين ؟ بالتأكيد هناك إختلاف في وجهات النظر تعتمد على مدى ثقافة القارئ وسعة أطلاعه على تأريخ الشعوب عامة وتأريخ المندائيين !! خاصة فيما يتعلق ( بلغة ) ذلك الشعب و( الأرض الواحدة ) التي يعيش بها ذلك الشعب وثقافته . 

ما نعني بالأمة ؟ 

تعرف الأمة بأنها ( عبارة عن جماعة من الناس يرتبط أفرادها بروابط معينة مثل اللغة أو التاريخ أو الجنس ... من ناحية ، والمصالح المشتركة والغايات الواحدة من ناحية أخرى ، ويقطنون بقعة من الأرض حتى لو لم يخضعوا لنظام سياسي معين ) . 

ووفق هذا التعريف يأتي السؤال هل المندائيون ( أمة ) فعلا" ؟ وأذا كان الجواب بنعم ؟ فأين لغة تلك الأمة حاليا" ؟ وأين علم تلك الأمة ؟ وماذا خلفت لنا تلك الأمة من آثار ؟ وأين المصالح المشتركة لهذه الأمة ؟ أين حضارة تلك الأمة وأين جنسها وتراثها لمئات من السنين الماضية ؟ وهل لدينا تراث مكتوب ومنشور يدل على تلك الأمة المندائية ؟ أنها مجرد أسئلة تطرح وتحتاج الى أجوبة علمية مقنعة وقد تحتاج الى دراسة مفصلة من قبل الباحثين المندائيين . 

واذا كنا أمة في السابق ؟ فأين هي الأن ؟ ولماذا انقرضت الأمة المندائية ؟ إن المتتبع للتأريخ يدرك إن بقاء الأمة وأستمرارها يكون بالأنفتاح على الحضارات ، وفي مدى قدرتها على مواكبة متطلبات الحياة وهي التى تملك شروط منافسة باقي الأمم والتي تقتضي التفاعل مع المعطيات الحضارية والتأثر بها وبقدرتها على الإبداع والعطاء ، إن مقدرة الأمة على التنافس هو الذي يؤكد وجودها ويجسد فعاليتها بين الأمم . 

وطالما لسنا بشعب أو أمة ، فمن نحن إذن ؟ 

يؤكد الباحثون المختصين بالمندائية ومن أبرزهم البروفسور نولدكة ، البروسفور ليدباسكي ، البروسفور كورت رودولف ، البروسفور ماتسوخ ، الليدي دراور ، البروسفور ديفيد ديرنجر ، والبروفسورة يون بكلي ، وغيرهم العشرات من الباحثين الأوربيين والمندائيين ، إن المندائيين هم ( طائفـة دينيـة ) وليس شعب أو أمة وأصبح أسمهم المتعارف عليه رسميا" هو( طائفة الصابئة المندائيين ) . فلو كانوا أمة أو شعب بالمعنى العلمي الحقيقي لكانت لديهم كيان دولة ، وإن هذا كيان يحتاج الى مؤوسسات عسكرية للدفاع تحمل السلاح المحرم في التعاليم المندائية ، ولذلك بقي المندائيون يمارسون طقوسهم الدينية فيما بينهم تحت وطأة الأضطهاد والقتل والأجبار على تغيير الدين على مدى قرون عديدة ولحد الأن ، ولذلك نرى إن أعدادهم آخذة بالنقصان سنة بعد أخرى مما يهدد وجودهم ومستقبلهم ككل خلال عقود قليلة قادمة . 

وفي هذا الصدد يؤكد المرحوم الأستاذ والمربي ( نعيم بدوي ) ، إن الدين المندائي لا يؤمن يالمادة ، ولكن يؤمن بالروحانيات . والسلطة هي من ماديات الدنيا . وكلنا نعرف إن هناك ثلاث أركان أساسية لأي دولة وهي : الجماعة البشرية ( الشعب ) ، الإقليم أو الأرض ، السلطة السياسية . ( وفي هاذا الجانب طالما إن السلطة هي من ماديات الدنيا ، فأعتقد لم يفكر المندائيون يوما" أن يكونوا لهم دولة ، بأعتبار إن وجدود الشعب هو أمر أساس في تكوين أية دولة ، وليس هناك دولة بدون شعب . وتؤكد الفلسفة المندائية على إن الحياة هي الطريق الى الحياة الخالدة في عالم الانوار وبذلك كانوا غير مهتمين بالحياة الدنيوية الفانية فمالوا الى التقشف والزهد والبساطة وإنصرفوا لعبادة الخالق ولم يفكروا يوما" بأقامة كيان سياسي خاص بهم وعاشوا كأقلية دينية في ظل دول وعشائر سائدة في مناطق سكنهم ، وطالما لم يفكروا بأقامة دولتهم التي تتطلب وجود الشعب ، والسلطة ، وحدود الدولة والجيش فليس هناك حاجة لكتابة تأريخهم أيضا" . أما تجمعاتهم في أماكن مختلفة مثل الطيب وحران وسهل ميسان وميديا فكانت أساسا" هي تجمعات دينية يقودها رجال الدين للحفاظ على روحية الدين ) ( 2 ) . 

كما ويؤكد الأستاذ الباحث ( عزيز سباهي ) على المندائيين هم طائفة دينية بقوله : ( أن الصابئة آثروا الأبتعاد كليا" عن مجرى الأحداث دفعا" للمخاطر التي قد تهددهم ، وأيثارا" للنجاة ، لا سيما إنهم كانوا مستهدفين بضغط متصل ، لحملهم على أعتناق الأسلام وإن ردة فعلهم كانت مزيدا" من الأنغلاق على النفس والأيغال في تصليب القشرة الطقسية لمعتقداتهم الدينية ، والكثير منهم أعتنق الأسلام والمسيحية . ) ، ( واثر غزو المغول للعراق ، وتدهور الخلافة العباسية ، تشتت الصابئة الحرانيون الذين ألتجأ أغلبهم من قبل الى بغداد ، وآثر بعضهم العودة الى ديار مضر ( حران وما جاورها ) ، ديارهم السابقة في أعالي الفرات وما بين النهرين ، بينما أنصرف آخرون الى ممارسة الزراعة شرق بغداد ، وضمنوا لأنفسهم السلامة من بعد بأعتناق الأسلام ، ولا يزال أحفاد هؤلاء يواصلون الزراعة في مناطق ديالى ويعرفون بأسم الزهيرات . 

وبناء على ما سبق ذكره ، وبما إن الديانة المندائية غير تبشيرية ومحصورة بين أبناء الطائفة فقط ، وبما إن نسبة الوفيات كما تشير الأرقام هي أعلى من نسبة الولادات ، خاصة وإن الكثير من المندائيين الشباب وبسبب هجرتهم الى بلدان عديدة ، وعدم أستقراهم في المهجر ، وأبتعاد الكثير منهم عن عوائلهم ، ولتكاليف الزواج الباهضة والخارجة عن قدرتهم ، تراهم اليوم يفكرون أكثر من مرة قبل الأقدام على الزواج وتكوين أسرة لهم ، ولو نظرنا بعيدا" وبحسب هذا الواقع نرى إن الطائفة تخسر المئات من أبنائها سنويا" فما بالنا والعقود القادمة ، وهذا يحتاج الى حل سريع وأحدها هوالتشجيع على الزواج وزيادة الأنجاب لقلب المعادلة ، وإلا فنحن نسير بطريق الأنقراض التدريجي ( 3 ) . 

الهوامش 


 

1 ـ الندوة التي عقدتها قناة الفيحاء في يوم الأربعاء 11 حزيران / 2008 وفي برنامج قراءات عراقية مع الدكتور قيس السعدي

2 ـ مجلة آفاق مندائية ، العدد 10 ، مايس 1999 ، في رده على المرحوم الأستاذ نعيم بدوي حول صابئة حران

3 ـ عزيز سباهي ، أصول الصابئة المندائيين ومعتقداتهم الدينية ، دار المدى للثقافة والنشر ، الطبعة الأولى 1996 

نشرت في وجهة نظر

لقد كانت الاحداث السياسية ساخنة جدا آنذاك على الساحة العراقية قوميا بسبب القضية الفلسطسنية والحرب الدائرة فيها وبوادر تنفيذ القرار الدولي بتقسيم فلسطين وتكوين الدولة الاسرائيلية ، وداخليا بسبب الضائقة الاقتصادية والمعاشية للشعب العراقي والمضايقات والمطاردات ضد الصحافة والاحزاب والحركة الوطنية والحريات العامة وازمة الخبز، تزامنت مع اعلان صالح جبر رئيس وزراء العراق من لندن عن التوقيع مع آرنست بيفن وزير الخارجية البريطاني على معاهدة بورتسموث المهينة والجائرة في 18كانون ثان1948، فبدأت حالة الغليان في الشارع العراقي وشملت كافة شرائح المجتمع في بغداد والمدن العراقية بقيادة الاحزاب الوطنية التي نشرت بيانات تندد بالحكومة والمعاهدة وتطالب باستقالة حكومة صالح جبر ورفض المعاهدة واعلن العمال وطلبة المدارس والكليات تضامنهم مع جماهير الشعب ضد بيانات الحكومة ، اخذت الامور تتسارع نحو التأزم والتوتر وانتشرت حالة الرفض والتنديد بسرعة واستمرت الاضرابات والمظاهرات (يرجى الرجوع الى مقالة عشتار البرزنجي في الرابط ادناه --- من تجارب شعبنا في الكفاح السلمي - وثبة كانون عام 1948 --- لمتابعة تفاصيل دقيقة وتسلسل الاحداث وتطوراتها السريعة) حتى جاء يوم الحسم والمعركة الوحشية الطاحنة في بغداد والمدن الاخرى بين جماهير الشعب العزل من السلاح وقوات الشرطة المدججة بكافة انواع الاسلحة والاوامر المشددة في صبيحة يوم 27/كانون ثان/1948 وسقط في بداية المعارك اربعة شهداء وعدد من الجرحى مما زاد في غضب الجماهيرفوقعت معركة جسرالشهداء الشهيرة التي راح ضحيتها 40 شهيدا من بينهم الشهيد جعفرالجواهري والشهيد قيس الالوسي ، وكان عدد جرحى المعركة ما لايقل عن 130 جريحا ، وعلى اثرذلك سقطت الحكومة والغيت معاهدة بورتسموث الجائرة وتحققت معظم مطاليب الاحزاب الوطنية ، وبهذا فقد انتصر الشعب العراقي مسجلا ملحمة بطولية مشرفة بالاصرار والتضحيات والاباء والشهادة

 

شذرات وطنية مندائية في وثبة كانون المجيدة

 

وثبة كانون معركة جميع مكونات الشعب العراقي ضد الظلم

 

كل الذي ادركته في حينها وانا ابن الثانية عشرعاما ونيف من عمري ان مادار من احداث هو ثورة الشعب الموحد بجميع شرائحه واطيافه ضد الحكومة والنظام وان اختلفت الشعارات والهتافات ، ومما زاد في يقيني عن عدالتها هو مساهمة اهلنا ومعظم الصابئة المندائيين فيها من صاغة وحرفيين وطلابا ومثقفين مع كافة شرائح ومكونات الشعب بدون تمييز سواء كان ذلك بالاضرابات وغلق المحلات التجارية والتوقف عن العمل والمظاهرات ومسيرات تشييع الشهداء .. في ذلك الحين لم افقه من مبادئ السياسة الرئيسية سوى ان هنالك شريطا من الاحداث التي سبق وان طبعت في مخيلتي ولم استطع بلورتها وتجميعها بشكل واضح الا بعد معايشتي احداث الوثبة التي كانت ذروتها ايام عصيبة (18 - 28/1/1948) ولم تنته تداعياتها الا بعد تحقيق معظم مطاليب الشعب وقياداته الوطنية وامتدت حتى شهر آذار 1948 حينما انحل مجلس النواب ، ولكن الشئ الذي لم اصدقه هو وحشية الحكومة وقساوة الشرطة وهم يوجهون نيران بنادقهم ورشاشاتهم الى صدور ابناء الشعب العزل من السلاح فسقط الكثير من الشهداء والجرحى بهذه المذبحة المروعة واعتقال المئات من المواطنين

 

احداث اثناء طفولتي لم اكن افقهها

 

من الاحداث التي بقيت عالقة في ذاكرتي في السابق ولم يكن لدي تفسير واضح لها .. احدها ان ابن عمي مدلول عبد الرزاق اعتقل من قبل رجال امن الفلوجة حينما كان مع جمهرة من الناس في مدينة الفلوجة وهم يشاهدون قطعات عسكرية عراقية ذاهبة الى فلسطين لانه كان يتكلم مع احد الواقفين بجنبه ويقول له اننا يجب ان نشم السمكة من ( ذيلها ) للتأكد من ان التفسخ لم يصل بعد للذنب ، فاعتقلوه !! والحادثة الاخرى لقد اعتقلوا ابن عمي لطيف كثير حينما كان طالبا في ثانوية العمارة وكتب الى اهله بريديا في احد ايام المناسبات الصابئية المندائية (يوم دك ابو الفل وهو مناسبة دينية تراثية يعملون فيها مدكوكة من التمر والسمسم) وكان يطلب منهم ان يرسلوا له كمية من الفل من العيارالثقيل ويقصد من الحجم الكبير، اذ كانت الرسائل تخضع للرقابة الامنية ، فاعتقلوه !! والحادثة الاخرى حينما ذهب رجال الامن في مدينة الكحلاء للتحري في دار ابن عمي حليم كثير ووجدوا صورا معلقة لرجال ملتحين في فناء الدار ( وعلمت فيما بعد انهما ماركس وانجلس ) وسأل رجل الامن احدى نساء الدار قائلا من هم هؤلاء؟ فردت عليه انهم اجداد الاولاد ، فاعتقلوا حليم !! والحادثة الاخرى حينما ذهب رجال الامن للتحري في بيت ابن العمة خيري يوسف في مدينة الكحلاء ووجدوا ان ام خيري جالسة على كوم من التبن في (حوش الهوايش) فسألوها لماذا انت جالسة هنا فقالت لهم اخاف على (الهوايش) منكم فامروها بالنهوض ونبشوا التبن ووجدوا كتب واوراق كانت قد دفنتها في نفس المكان الذي جلست عليه !؟ فاعتقلوا خيري !!! هذه الاحداث وغيرها توضحت لي بعد معايشتي لاحداث الوثبة الدامية وبدأت اعي ما يدور حولي بشكل واضح ووجدت ضالتي في السياسة

 

يوم مذبحة الجسر المروعة

 

كنت ايام الوثبة طالبا في الصف السادس الابتدائي في مدرسة الفيصلية الابتدائية للبنين في منطقة المشاهدة / محلة الجعيفر وهي مدرسة نموذجية تضم الصفوف الثلاثة الاخيرة من المرحلة الابتدائية ومعظم طلابها وحسب نظام الانسيابية من خريجين مدرسة المشاهدة الاولية المختلطة التي كنت انا احد طلابها ، واسكن مع عائلتي التي انتقلت قبل بضعة اشهر من محلة الدوريين الى محلة الكريمات قرب السفارة البريطانية في شارع حيفا حاليا مقابل المركز الثقافي البريطاني ومستشفى الدكتور محمد صالح الاهلي ونادي الشباب الرياضي مع بيت المرحوم ناهي ساهي الخفاجي والد كل من الدكتور طالب والفنان غالب وفاروق وغازي وفيصل وعائلتهم الكبيرة وكذلك بيت المرحوم ضامن حويزاوي ابو زهير (لفترة قصيرة) وثم بيت المرحوم زيدان خلف والد المرحوم المهندس فوزي زيدان .. كنت اذهب الى مدرستي في الجعيفر سيرا على الاقدام وحينما حصلت احداث وثبة كانون في ايامها الاولى كان الهيجان في الشارع ليس بتلك الخطورة والاحداث تتسم بالطابع السلمي بعيدا عن العنف ، ولكنني اخذت اسلك طرق الازقة الضيقة عند ذهابي وايابي للمدرسة ، كان مدير المدرسة المرحوم صالح الكرخي من المدراء المعروفين في بغداد بكفائتهم وقوتهم اداريا وكان حريصا جدا على سلامة الطلاب لاسيما وان الجعيفر والتيار القومي فيها هائج الى درجة الغليان فكان يغلق باب المدرسة بالاقفال ولا يسمح للدخول او الخروج من المدرسة وسارت الامور اعتياديا وبسلام حتى صبيحة 27 / 1 / 1948 يوم المجزرة حينما سمعنا دوي الرصاص من بنادق ورشاشات قريبة من مدرستنا في ساحة الشهداء ومظاهرات وتجمهر طلاب ثانوية الكرخ امام باب مدرستنا طالبين فتح ابواب المدرسة لنكون معهم وحاول المدير مقاومة ذلك ولم يفلح فانفتحت الابواب على مصراعيها لثلاثمائة طالب تقريبا ووجدت نفسي في الشارع في منتصف معمعة الهتافات والشعارات واهمها .. تسقط معاهدة بورتسموث والموت لصالح جبر والخبز للجياع ويسقط الاستعمار وهنالك من يهتف ( أكعد ياغازيها ألاسد فلسطين قسموها ) فسحبت نفسي بهدوء الى الرصيف واذا بأمي تفاجئني وتصرخ (ها يمه انت وين؟) كانت المسكينة مرتعبة شاحبة الوجه وخائفة ولفتني بعبائتها وقلت لها ما بك ولماذا انت خائفة؟) فقالت يمه سمعت الرصاص يلعلع وقالوا لي ان المعركة في الجعيفر وساحة الشهداء قرب مدرستكم وسيول الدماء على الجسر وهنالك عشرات القتلى والجرحى وهرعت من الخوف وامسكت بعبائتي وخرجت مسرعة خائفة عليك ولم اصدق ان اراك سالما ) وامسكت بيدي باتجاه الشواكة فوجدنا انفسنا في وسط المعركة قرب ساحة الشهداء والجسر ودوي الرصاص الذي يطلق على المتظاهرين في الشارع عشوائيا من فوق سطوح العمارات ومنائر الجوامع .. لفتني بعبائتها وسحبتني الى الخلف باتجاه الجعيفر والسوق الجديد وعن طريق الازقة الضيقة باتجاه مستشفى العزل ( م . الكرامة التعليمي حاليا ) وعلاوي الحلة ومن هناك باتجاه السفارة البريطانية والكريمات فتنفسنا الصعداء وتطمنا على الوالد والاطفال والاقارب

 

تعطلت المدارس والكليات وبدأ الحداد وخيم الحزن على شوارع بغداد والمدن العراقية .. في مساء نفس اليوم اعلن الوصي عبد الاله في خطابه للشعب العراقي عن رفض المعاهدة واستقالة حكومة صالح جبرالذي هرب مع نوري سعيد الى خارج العراق ، والموافقة على مطاليب الاحزاب الوطنية ، وبعدها توالت البيانات ، اذ بعد يومين تم تكليف الشيخ محمد الصدر لتأليف الوزارة الجديدة وتهدئة الامور وتحقيق معظم المطاليب

 

مواكب تشييع الشهداء المهيبة

 

وفي اليوم الثاني جرى تشييع مهيب للشهداء وعلى رأسهم الشهيد جعفر الجواهري والشهيد قيس الالوسي والاخرين ... فخرجت بغداد عن بكرة ابيها في مسيرات التشييع باتجاه جانب الكرخ وعلى شكل مواكب منظمة تمثل محلات واحياء بغداد وجميع شرائح المجتمع ومكوناته الاثنية والدينية وباتجاه علاوي الحلة ومقبرة الشيخ معروف حاملة اكاليل الزهور واللافتات السوداء لنعي الشهداء ولافتات اخرى تحيي الشعب العراقي وقواه الوطنية وتمجد بارواح الشهداء وتندد بحكومة صالح جبر العميلة وبالاستعمار البريطاني ومعاهدته المهينة مطالبة باطلاق الحريات وتوفير الخبز للجياع

 

ومن بين هذا المواكب كان موكب مهيب ومنظم جدا لطائفة الصابئة المندائيين اشترك فيه المئات من النساء والرجال والاطفال وعلى شكل مجموعتين رجالية وشبابية يتوسطها مجموعة نسائية ثالثة يحملون الاكاليل واللافتات وهنالك زناجيل بشرية في الجانبين للحماية ونساء يرتدين العبايات السوداء يحملن الماء (بالمصاخن) والطوس لتوزيع الماء على العطشى من المشاركين في الموكب واتذكر منهن (رحمة لارواح المتوفيات منهن) المرأة الرائعة ام عزيز سباهي وام نبيل بهية الشيخ دخيل زوجة المرحوم غدير باحور ورسلية غالب رومي زوجة المرحوم ابراهيم وهام واخريات لاتسعفني الذاكرة لذكر اسمائهن وكان من ضمن هذه المجاميع المندائية صاغة وحرفيون وعمال وشعراء وعدد كبير من المثقفين وطلاب الكليات والمدارس .. وقد وزع شعراء ومنظموا الموكب ادوارا على المجاميع الثلاثة لينشدوا مقاطع من الابيات الشعرية الشعبية الحزينة وبشكل متناغم ومؤثر يثير انتباه الحشود البشرية المصطفة على الارصفة وهي تبكي وتلوح للمواكب المارة

 

فتقول المجموعة الرجالية الاولى

 

شرطة ورشاش وتفك بحجار قاومتوها

 

الله واكبر ياعرب شبانا كتلوها

 

وتجيب المجموعة الرجالية الثانية

 

ما صارت بكل الدول صالح جبر سواها

 

وتجيب مجموعة النساء في الوسط

 

أم الشهيد أتصيح وين المعركة ياناس

 

ابني اشتراها عله الجسر نايم بليه اجفان

 

وتعود الادوار بالتعاقب بدون انقطاع على المجاميع بهذا الشكل حتى وصول المواكب الى المقبرة مما ترك اثرا كبيرا على الجماهير والمشيعين واهتمام منظمي المسيرة من القوى الوطنية وامتنانهم وانتباه رجال الصحافة والاعلاميين ووكالات الانباء في حينها

 

لقد كانت ايام حزينة ومؤلمة بالرغم من نشوة الانتصار التاريخي الذي حققته الوثبة المجيدة والذي كان حافزا قويا وممهدا لانتصارات الانتفاضات التي تلتها وحتى ثورة الرابع عشر من تموز الخالدة

 

تحية اجلال واكبار للذكرى الثالثة والستون لوثبة كانون المجيدة

 

المجد والخلود لشهداء وثبة كانون الخالدة

 

المجد والخلود لجميع شهداء الحركة الوطنية في العراق

 

العزة والنصر للشعب العراقي العظيم

 

الخزي والعار للارهاب والقتلة المجرمين في كل زمان ومكان

 

الموت والاندحار لقوى التخلف والظلام

نشرت في وجهة نظر

نبدأ من مسلمة عراقية أن الصابئة المندائيين تراث أصيل في بلاد ما بين النهرين عمقه لا يتحدد بزمن.. وظل موصولا على مدى التأريخ حتى يومنا هذا. عرفوا بالعراق وعرف العراق بهم حين تذكر أقدم الأديان. وتعددت جوانب الإمتلاك لديهم بدءً بالمعتقد التوحيدي والإيماني الذي يظهر أن بذرة التوحيد الأولى إنما في بلاد ما بين النهرين وليس في أي مكان آخر. ثم في الطقوس الدينية المتعددة التي أساسها الماء هبة الحي للحياة ومنه كانت وتكون، فقدسوه تعميدا. وفي الأساطير التي تختلط عمقا ومعنى مع الأساطير السومرية والبابلية. وفي اللغة المندائية وهي الفرع النقي للآرامية الشرقية بحسب تصنيف علماء اللغات السامية، هذه اللغة التي حفظت أدبهم وطقوسهم وهي ما تزال ماثلة في مئات المفردات المعتمدة في اللغة العامية العراقية كدليل على قدم الإستخدام وإلتصاق المفردة باللسان العراقي فلا ينفك من أن يقول أكو ماكو. وفي تأريخهم الممتد على ما مروا به من وجود وإضطهاد وتهديد ومعاناة وحرص على البقاء أيضا. وفي إنسانهم العراقي الطيب المسالم الممتلئ مهنية البناء والإخلاص الوظيفي. وهم بهذا، وبكل ما يحفظه لهم العراق في ذاكرته، إستحقوا محبة العراقيين بجدارة ، خاصة وأن ديانتهم لا تحض على أي مطمع سياسي، فليس غير محبة الله وخلقه والعيش بسلام حتى الإنتقال إلى عالم الأنوار.

وما يؤسف أن هذا التراث الرافديني الكبير والكثير الذي يحتفظون به لم تنله رعاية متخصصة في البحث والدراسة والتعليم والتوثيق، فصار آثارا بدلا من أن يكون أثرا وإثراءا، إلى أن تلقفه الغرب فنقلوا آثار الصابئة المندائيين وأدبهم بمخطوطاته وكتبه التي عكفوا على ترجمتها إلى الألمانية والإنكليزية والفرنسية من خلال ما نقله المبشرون البرتغاليون حين قدموا إلى العراق في القرن السادس عشر الميلادي. وصارت المندائية تدرس في عدد من الجامعات الغربية، وحتى زارهم العالم الألماني هنريك بيترمان في عام 1853 في سوق الشيوخ وتعلم لغتهم، وحتى وضع عالم الساميات ثيودور نولدكه كتابه قواعد اللغة المندائية في العام 1875. وهكذا تواصلا يقوم عالم الساميات مارك لدبارسكي بترجمة كتاب النبي يحيى (ع) للألمانية في العام 1915 ومن ثم كتاب الصابئة المندائيين الرئيس " الكنزا ربا" في العام 1925، وتكمل الليدي دراور مسعى أكاديميا منذ العام 1935 وحتى وفاتها في العام 1972 بما صار يعرف بـ " مجموعة الليدي دراور المندائية" التي تحتوي على عشرات المخطوطات وترجماتها محفوظة اليوم في جامعة أكسفورد.

ومقابل ذلك حُرم الصابئة المندائيون من دراسة دينهم وصاروا أميين في لغتهم وفقدوا حلقات عديدة وبعيدة في تدوين تأريخهم وتسجيل وقائع وجودهم، وذهبت ثقافتهم بآدابها وفنونها ولم يحضوا بمدرسة واحدة في أي زمن وعصر تعمل على هذا بشكل نظامي ورسمي، وهم الذين يمسى بيت العبادة عندهم " بيت مندا " بمعنى بيت المعرفة. وقد يستغرب البعض أن جميع رجال الدين المندائيين غير متخرجين في مدرسة دينية متخصصة، ولم يحصلوا على تعليمهم الديني بشكل أكاديمي ممنهج إنما بالإعتماد على الدراسة الذاتية سواء في معرفة المعتقد أو في ممارسة الطقوس الدينية على الرغم من التزمت المندائي المعروف فيها. ولذلك فقد ظلوا يطمحون لأي مؤهل أكاديمي مندائي متخصص.

ونتيجة لما حصل في العراق الوطن الأم لهذا المكون العراقي الأصيل، فقد تهدد كيان المندائيين بخصوصيتهم أكثر من جميع المكونات الأخرى وبإعتراف دولي موثق، حيث أضطرت النسبة الأغلب منهم إلى مغادرة وطنها فرارا بالنفس والدين. وكان من نتيجة ذلك أن توزعوا دون هدي على أربع قارات وفي حوالي 20 بلدا في المهجر على محدودية عددهم. وصارت الخشية اليوم من ضياع هذا الكيان بأسباب التوزع الخطير وطبيعة وإغراءات ثقافات الشعوب التي صاروا بينها، والمعاناة في التجمع وإقامة الطقوس مع ضعف الإمكانات الذاتية لدرء خطر كل هذا. وما كل هذا إلا نتيجة لم يكونوا هم السبب فيها. كما أن التهديد داخل العراق مازال قائما ومستمرا والخشية في أي وقت أن يتعرض هذا الكيان لمجزرة فيفقد من يفقد ويتشرد من يتشرد من جديد. ومن أجل كل هذا صار المعنيون بالشأن المندائي يناشدون الحكومات والمنظمات الدولية والإنسانية للمساهمة معهم في حفظ كيانهم كحق إنساني، ولكونهم دليلا بشريا ملموسا على حضارات وادي الرافدين، وعلى ديانة تسجل على أنها واحدة من منابع ديانات الشرق بحسب التصنيف والإهتمام الأكاديمي العالمي بالأديان.

وحيث يصعب التجميع ولم الشمل بأسباب تعدد بلدان اللجوء، فإنه لا يصعب جمع ولم تراثهم وثقافتهم وتعليمهم والإحتفاظ به حقا وتكرمة لهم وثوابا، مثلما هو حق للعراق والإنسانية فيما يكتنزون. فإن ظلت بهم المندائية قائمة نكون قد حافظنا عليها شاهدا حيا على الأصالة والتسامح الديني والرعاية، وإن غلبهم هذا العصر بجبروته وبأسباب مغادرة العراق وطبيعة عيشهم فيه، فنكون قد سعينا لتوثيق هذا التراث والأحتفاظ به جزءا أصيلا من التراث الرافديني. بمثل هذا المسعى كان توجهنا لمخاطبة منظمة اليونسكو. ويوم لم نفلح بمشروع ثقافي، فاتحنا سمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند حرم سمو أمير قطر بحكم أنها الممثل الخاص لمنظمة اليونسكو في الشرق الأوسط حول اللغة المندائية كونها لغة مهددة بالإنقراض، فكان مسعى سموها طيبا ومثمرا في تسجيل اللغة المندائية لغة مهددة بالإنقراض من قبل اليونسكو في أطلسها منذ عام 2006 . لكن الأمر ظل تسجيلا دونما أي إسهام بأسباب أن العراق غير موقع على وثيقة الأمم المتحدة بحفظ اللغات المهددة بالإنقراض وبالتالي فإن اليونسكو لا تتكفل مشروعا بذلك بحسب آخر رسالة إستلمناها من اليونسكو بهذا الخصوص.

ويبقى العراق الوطن والحضن، ويبقى الوفاء لأبنائه من جميع أديانه وقومياته شعار الجميع ومسعى الجميع، إلا أن الصابئة المندائيين لم يشملوا لحد الآن بخصوصيتهم في إستحقاقات ملموسة. وتأسيسا على ما يكفله الدستور العراقي اليوم لمكونات الشعب العراقي كافة وللثقافة والتراث العراقي عامة، ولحرص مجلس النواب والحكومة العراقية على تنفيذ أحكامه وبنوده بالإستحقاق المتكافئ والمكفول بالمساواة بين العراقيين جميعا مع مراعاة خصوصياتهم الدينية والثقافية واللغوية، فقد تدارس الصابئة المندائيون سبل المحافظة على تراثهم بتنوعه، وتعزيز دراسته وتوثيقه، وإجراء الدراسات والبحوث فيه والدراسات المقارنة مع الأديان السماوية، وتخريج رجال دين بمؤهلات ومستويات أكاديمية وإنتظام الموجودين منهم بها، وحصول الراغبين على شهادات عليا في اللاهوت المندائي والطقوس الدينية، وتحفيز الكفاءات المندائية والراغبين من غير المندائيين عراقيين وعرب في دراسة المندائية وتأريخها، ولغرض الإنفتاح على الجامعات العالمية ومراكز البحث المعنية بالدراسات السامية والمندائية، وخرج الأكاديميون والمعنيون المندائيون في كل بلدان تواجدهم بإقرار تأسيس أكاديمية مندائية تكون مجمعا ثقافيا وتعليميا وتوثيقيا لكل ما يمتلكون وما يحرصون على تعليمه والمحافظة عليه، أساسها العراق وتنفتح على بلدان تواجدهم. وهم بهذا التوجه ينطلقون من أن هذا الأمر بالنتيجة هو إسهام عراقي متخصص يناط بهم على ما عرفوا به من كفاءات وإسهامات وطنية. وقد تم وضع مخطط المشروع الذي كان لنا شرف التكلف بمتابعته وإنجازه بنظامه وأقسامه ومستوياته وطبيعة الدراسة فيه.

ومن أجل أن يوضع هذا المشروع موضع التنفيذ فإن الحاجة لا مناص منها لمساهمة العراق رئاسة وحكومة وبرلمانا في مد يد العون لإسناد هذا التأسيس العراقي وجعله قائما متحققا ومحققا لأهدافه. وبه سيقدم العراق العزيز دلالة عملية على التسامح الديني والحرص التراثي وتقدير أصالة شعبه ومكافأة الصابئة المندائيين على حرصهم على البقاء وعلى مواطنتهم الشريفة والمعهودة.

إن الصابئة المندائيين يحذوهم الأمل بأن يلقى مشروعهم الأكاديمي الثقافي هذا القبول والإسناد ليتباركوا بإعلانه وهم يستعدون في العام 2011 للإحتفال بإحياء الذكرى المئوية لولادة العالم العراقي المندائي عبد الجبار عبد الله، فيقدمونه شهادة تقدير ومحبة وعرفان له ولأنفسهم وللعراقيين عامة بل وللمجتمع الإنساني. وسيعتزون كثيرا بمساندة كل أكاديمي عراقي وكل مسؤول منصف يسهم معهم في دعم بناء هذا الصرح الأكاديمي وقيامه.

نشرت في وجهة نظر
الصفحة 20 من 20