• Default
  • Title
  • Date
الأحد, 16 حزيران/يونيو 2013 15:48

الحداثة والهوية في التجمعات البشرية

ليست الحداثة التي ننشدها هدفا لذاتها ، وإنما عندما تقتنع بها التجمعات البشرية ، طائفتنا المندائية نموذجا ، فان هذا امر لابد منه ، فان هذه المجتمعات تمضي في الطريق الصحيح الذي عليها ان تسلكه لبناء نفسها ومستقبلها. والحداثة من حيث كونها إحدى الاشكاليات دائمة الجذب للمفكرين والمصلحين الاجتماعيين عبر الازمنة ، ترتبط بها إشكالية الهوية التي هي الاخرى ظلت وما تزال منذ زمن بعيد ، تحمل معها اسئلتها الخاصة التي تتعلق بالملامح والغايات والاهداف ، وكل ما يقع في السياق الاجتماعي التاريخي في مسيرة هذه التجمعات البشرية ، على اعتبار ان المتحول منها بسبب تغيرات الظروف والمستجدات في حياتها وحياة ابنائها، لاتقل مساحته عن الثابت الذي توارثته هذه التجمعات البشرية على مدى قرون طويلة من تاريخ وجودها ، فالهوية التي تدافع عنها وتقر بوجودها هذه التجمعات اينما كانت تتم مقارنتها وتاخذ شرعيتها مع اقرارها ببعض مفاهيم الحداثة ، والتي لايمكن لاي تجمع بشري ، ان يقوم بدونها ، وعلى اقل تقدير على الحد الادنى منها.

من هذا المنطلق فاننا نعترف ، بان الحديث عن الهوية المندائية ، سوف نضع انفسنا في محيط لايخلو من الالتباس ، بسبب اختلاف التعريفات التي يتناولها عادة عدد من المفكرين والباحثين، وخاصة في الجوانب الفكرية والاجتماعية والثقافية . لقد احتدم الجدل بعد تحلل احزاب ودول وانظمة ، واندفعت شعوبا وامما وطوائف وجماعات لتخوض صراعا حادا باسم الدين احيانا ، وباسم القومية او اللغة في احيان اخرى ، وفي كل الاحوال كانت الخصوصية امرا ملازما لكل الاحاديث عن الهوية ، إذ سرعان ما طفحت كيانات وكتل على السطح بعد طول كبت وشعور بالتمييز والظلم ، في مجتمعات كانت صورة الواحدية تطغي عليها . ومن هنا احتدم الجدل حول الهوية عند كل جماعة بشرية ، وارتفعت وتيرته في ظل مفاهيم العولمة ومعطياتها الاجتماعية وتاثيراتها على كل تجمع بشري اينما كان.

نحن نعلم بان الهوية هي جزء هام من فطرة الانسان ، وهو ما يدعو الى احترامها والدفاع عنها ، باعتبارها حقا من حقوق الانسان اينما وجد في المكان والزمان . لكن السؤال الهام الذي يثيره وضعنا الحالي ، هل يمكننا الحديث عن هوية ثابتة او متكاملة دون تغيير، باعتبارها عطاء سومدي غير قابل للتغيير، حتى وإن كانت لدينا عناصر ثابتة في الدين نحمل لها الاحترام والقدسية ، وندافع عن وجودها واستمرارها ، لانها تعكس ديمومتنا.

بالطبع فإن الاجابة سوف تتحدد بالنفي ، وهناك كما نرى ثلاثة مستويات لتشكيل الهوية : الفردي والجماعي، والمستوى الوطني القومي ، والهوية ، وفق هذا التصور، يتجسد في جانب منها على اساس وعي الانسان وإحساسه بذاته وإنتمائه الى جماعة بشرية قومية او دينية ، وبالتالي فانها ليست معطى نهائي ، كما يحلو للبعض من اخوتنا الحديث عنه ، وانما هي ، اي الهوية ، عمل يجب اكماله على الدوام ، وبالتالي فإن التغيير هو الذي يطبع الهوية وليس الثبات ، ومن نتائج هذا التحول يندفع الناس الى التفاعل مع بعضهم ، بحكم علاقة الانسان بالاخر، ليس الانعزال عنه ، وبهذا فان الهوية لاتتكون بمجرد النشأة والانتماء فقط ، وهما موروثان طبيعيان، بل تتكون من خلال عملية الخلق والعمل والصيرورة ، وهذه عملية ابداعية مستمرة ومفتوحة ، فالهوية على هذا الاساس لاتعد منجزا مكتملا ، وإنما هي في حالة من التطور والتغيير المستمرين.

وهويتنا المندائية في هذه الحالة ، هي في حالة تمثل وتعلم ، واحتدام واحتواء ، في حالة حوار دائم ، تدفعنا الى فضاء الانسان بوصفه انسانا، وتدفع الذات الى ابتكار اشكال جديدة لفهم الاخر، وبهذا فهي ليست معطى جاهز ونهائي، وانما تحمل عناصر بعضها متحركة ومتحولة على الصعيدين الفردي والعام ، وهو ما يجب إكماله واستكماله دائما في إطار منفتح بقبول التفاعل مع الاخر.

الشعور بالهوية على الاسس التي ذكرناها يجعلنا ندرك ، باننا ضد الافكار اليقينية الثابة التي لاتعرف التحرك والتغيير ، ونقف بالضد من الفكر الامحائي الذي لايؤمن بالاخر، ولايؤمن بالفروقات داخل المجتمع الواحد ، وضد وضع التعددية الذي تعيشه هذه الجماعة البشرية او تلك ، وايضا ضد إقصاء الخصوصيات ، ولهذا نرى عن كثب بان جدل الهويات داخل مجتمعنا العراقي يكشف وبوضوح اختيار الصراع بدل التعايش ، والصدام بدل الحلول الانسانية ، وبقدر ما يحمل هذا الواقع من ضرر كبير على المكونات الرئيسية داخل المجتمع فانه يحمل ضررا على الهويات الصغيرة ، وهذه الاخيرة إن لم يتم احترامها وتأمين حقوقها المساوية لحقوق تلك التي تسمى بالهويات الكبرى ، ستكون عنصر ضعف كبير تزدا خطورته على الهوية العامة للمجتمع. فالطريق الصحيح هو اتباع طريق المعرفة ، واشراك الناس جميعهم في المسؤولية.

الا ان العديد من الهويات الكبرى ، تشكو للاسف ظاهرة غياب المعرفة ، اذ لازالت الهويات الصغرى في واقعنا تشكو عدم الاهتمام بالتنوع الثقافي والديني ، وعدم الاعتراف بكياناتها، وايضا الجهل الواضح بمسالة التعددية ، وعدم الاعتراف بها والتقليل من شأنها.

غايتنا كمؤسسة مدنية حقوقية تتمثل باتحاد الجمعيات المندائية في المهجر، إعادة اللحمة المندائية ، والوحدة الجامعة والهوية المشتركة بتعزيز انتماءاتنا ، فمثل هذا الانتماء هو الجوهر في نهجنا وتوجهنا ، وعلينا ان نعترف بضرورة ما ينمو ويتطور ويتغيير حولنا ، بدون اقصاء رأي الاخر الذي بيننا ، لاننا نخشى انهيار هويتنا. نتعامل من واقع الاعتراف بالاخر، باعتبار هذا الاعتراف حتى بهويته الثقافية ، نمو وتطور، لان ثمة عوامل مشتركة ذات بعد انساني ، تتمثل بقيم التعايش والتفاعل بين جميع المكونات المندائية التي تسير على حافات الخطر في هذا الزمن الحرج.

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 03 حزيران/يونيو 2013 14:48

ظاهرة التوحد عند الاطفال

يلقى الطفل منذ الولادة في عباب الحياة ، وهو غير مجهز للاستمرار في البقاء وبحاجة ماسة الى من يساعده ويمد له يد العون حتى يصلب عوده ، فالطفل الرضيع تنحصر كل فعالياته حول جهازه الهظمي وما يتصل به من وظائف حيوية ، حتى في سن الطفولة الاولى ومرحلة الدخول الى رياض الاطفال او المدرسة الابتدائية تعرضه لمشكلات جديدة تتطلب منه تكيفا جديدا قد ينجح فيه او يخفق ، فيحتاج بالتالي الى الرعاية التامة من قبل والدية اواقرانه ، قد يتعرض الطفل الى ضرب من الهون في السلوك يجعله غير متلائم مع البيئة التي يعيش فيها كأن تبدو عليه علامات الضعف في نضجه الانفعالي وهو في كل ذلك بحاجة الى من يرشده ويساعده ويوجهه

.
التوجيه الذاتي بصورة عامة يعني ، مجموع الخدمات التي ترمي الى مساعدة الطفل على فهم نفسه بداً ومن ثم فهم مشكلاته التي يتعرض لها من حوله ، ومن بلوغ اقصى ما يمكن ان يبلغه من نمو وتكامل نتيجة للحالة النفسية والاجتماعية التي يتعرض الطفل في بداية حياته .

هذا العنوان قد يؤخذ للوهلة الاولى على انه موضوع طبي بحت ، لكن بالاساس هو موضوع تربوي نفسي لانه يتعلق بالدرجة الاولى بسلوكية الطفل البيتية والاجتماعية وعن مدى تقبله لها وعن كيفية استيعابه للامور الحاصلة من حوله وكيفية التعامل معها بالشكل المطلوب ، ومدى انعكاسها على حياته في المستقبل ، اضافة الى استخدام الطب النفسي في العلاج السلوكي الفردي .

تعرف ظاهرة الذاتوية او ما تسمى ب ( التوحد ) عند الاطفال بانها : ( انصراف الطفل الى افكار ذاتية ، واحلام يقظة واوهام ، مع الابتعاد عن الواقع ، وعدم القدرة على التواصل العاطفي والاجتماعي ، فضلا عن تدهور اللغة او غيابها ، هذا مصحوب باهتمام الطفل المكثف بشيء محدد ، وافتقاد تجاوبه للاوامر ، وطغيان تفضيل ذاته على ما في محيطها ، مما يسبب انعزاله ، وعزلته ، وظهور اضطرابات سلوكية وعصبية ، وحركات لا ارادية تتكرر الياً ) .

وكان الطبيب النفسي الامريكي الجنسية ليو كانر ( Leo Kanner ) قد اطلق لفظ أوتيزم ( Autism ) ( التوحد ) المشتق من الكلمة اللاتينية ( Autos ) وتعني : الذات - النفس ، وتبين هذه الحالة المرضية تحدث عند الطفل تدهور واضح في النمو الارتقائي ينعكس سلبا في صورة اختلال وتاخر في نمو الوظائف الاساسية المرتبطة بمهارات التواصل الاجتماعي واللغوي ، وعدم المرونة في التفكير السليم والسلوك ، وفقدان القدرة كذلك على التخيل ، وقد يشتمل تدهوراً في قدرات الانتباه ، والنمو الحركي ، والادراك الحسي ايضاً.

عادة ما تظهر الذاتوية اي الاعاقة الغامضة ، خلال السنوات الثلاث الاولى من عمر الطفل ، وقد تظهر المشكلة خلال السنة الاولى في نحو 70-80

% من المصابين بها . اما الباقي فيكون نموهم بصورة طبيعية ، ثم يتراجعون فيما بين سن الثانية والثالثة ، كاستخدامهم بعض الكلمات ، والسلوكيات الاجتماعية .وقد وجدوا من ذوي الاختصاص ان هذه الحالة متواجدة في الذكور اكثر منها عند الاناث بنسبة 1:4 . وتعتبر الذاتوية جرس انذار مبكر عندما لا يصدر الطفل اصوات المناغاة كغيره من الاطفال الاسوياء ، او يواجه صعوبات في النوم ، او ضعف في الاستجابات الحسية كالحرارة او مصادر الالم ، او يكون اكثر حساسية من غيرة لحالة اللمس ، او اقل من المعتاد للالم او النظر او السمع او الشم ، وعدم استجابة الطفل عند مناداته باسمه ليبدوا كانه اصم ، لكنه في ذات الوقت قد يستجيب لاصوات اخرى تصدر من حوله كصوت لعبة ما ، او ما يصدر عن فتح غطاء علبة مشروب ، كما لا يوجه بصره الى والديه ، او الى الاخرين ، والاشياء من حوله ، ولا يرفع ذراعيه الى الاعلى لكي يحمله احدهم ، ويقل اهتمامه بالاشخاص المحيطين به ، او انه يغفل وجودهم ، ويبدوا كانه يعيش في عالم خاص ، او كأن يوجه بصره الى نافذة واحدة او يتعمد الى رفع اصابعه امام الضوء ، او الدوران حول نفسه ، كما انه لا يستجيب لابتسامة الغير بمثلها ، مع صعوبات في فهم انفعالات وعواطف الاخرين ، كما انه لا يشارك الاخرين بالالعاب البسيطة التي يحبها الاطفال من حوله ، وقد يتشبث باشياء محددة مكررا طريقة اللعب ، ومفتقدا القدرة على التخيل او اللعب التمثيلي . ان تاخر الكلمات البسيطة ، وعن بلوغه عامين قد بستخدم جملا مكونة من كلمتين ، قد تتطور المهارات الاجتماعيىة واللغوية الطبيعية لدى فئة قليلة منهم بنسبة 10- 25% ، ثم تتعرض تلك المهارات لفقدان مفاجىء للغة بلوغ عام ونصف العام تقريباً .
ان من اهم الاسباب لحالة التوحد هي العوامل الجينية الوراثية باعتباره مرشح رئيس لتكون السبب المباشر ، ومازالت تتواصل البحوث لمعرفة مسئولية الجين المسبب للمشكلة ، ومن الملاحظ تزايد نسبة الاصابة بين التوائم غير المتطابقين ، ان التوأمين المتطابقين يشتركان في التركيبة الجنيية نفسها .

وهناك اسباب تتعلق بالتفاعلات الكيميائية الحيوية والوظيفية بالمخ ، واضطراب بالجهاز العصبي المركزي . يعتقد بعض علماء النفس التربوي ان العوامل التي تسبب تلف بالمخ ، قبل الولادة او اثنائها او بعدها ، تهيىء لحدوث المشكلة مثل اصابة الاًم بالحصبة الالمانية ، ونقص الاوكسجين اثناء الولادة والتهاب الدماغ ، وقد اشارات الدراسات الى مضاعفات ما قبل الولادة اكثر لدى الاطفال الذاتويين عن غيرهم .

وهناك عوامل اخرى منها الملوثات البيئية ، كالمعادن السامة كالرصاص والزئبق ، ونقص قدرة الجسم على التخلص من السموم والمعادن السامة والتعرض المتكرر لمسببات الامراض والالتهابات كالفيروسات مما يسبب زيادة تكاثر الفطريات والبكتريا في الامعاء ، والاستعمال المفرط للمضادات الحيوية عند كل نازلة ، وضعف المناعة ، ونقص الفيتامينات والمعادن وضعف التغدية بشكل عام ، وزيادة الحساسية ونقص مضادات الاكسدة ، نقص الاحماض الدهنية الاساسية ، وهناك عومل مشتركة مابين الاسباب العصبية والبيئية .

ان اهم الوسائل الوقائية لحالة التوحد ، على الام اخذ الاحتياطات خلال فترة الحمل والمراجعة الدورية للطبيب والابتعاد عن كل ما يؤثر سلباً في الجنين . الكشف على الطفل في مرحلة مبكرة ( عامين مثلا ) ، ومن الاهمية بمكان تعاون الاهل والمدرسة في كشف اي عارض مبكر ، وينبغي ان يكون الاهل ومعلمات رياض الاطفال على دراية عامة بمشكلة الذاتوية عند الاطفال ، حتى يتم اكتشافها مبكرا وتحويلها الى الاختصاصيين في هذا المجال ، ويشمل العلاج لهذه الحالة المبكرة بتطبيق طرق العلاج ذات نشاطات تعليمية خاصة بالطفل ، وجلسات التخاطب ، مع تنظيم بيئته ، وهناك تدخل طبي حيوي ، والعمل على تنظيم البئية المناسبة وتنظيم الوقت للنشاطات المختلفة عبر استعمال جداول مصممة حسب قدرات الطفل الادراكية ، وهي جداول نظرية على مستوى الاشياء والمجسمات على الجداول ، مثل تعليق طبق صغير من البلاستك لوقت الاكل ، تعليق كأس لوقت الشرب .. الخ ، وهناك جداول على مستوى الصور الفوتوغرافية وكذلك على مستوى الرموز ، ومستوى الكلمات ، هناك امكان للتدرج من مستوى الى اخر وفق تقدم قدرات الطفل . ان تقوية الجانب اللغوي يتم عمل جلسات التخاطب ، كما يعمل الان في اوربا لاطفال المدارس دون السن المتقدمة ، حيث يستعملون البطاقات الملونة لتعليم الطفل الكلمات والجمل ، كما يستطيع الاباء والامهات عمل جلسات لأبنائهم اضافة لجلسات المختص ،يمكن تجميع صور الازمة سواء بقصها من المجلات او شرائها جاهزة ، وهناك بطاقات على شكل مجموعات مثل مجموعة الطعام ، ومجوعة الاشياء ، صور للمطابقة ، صور متسلسلة على هيئة قصة قصيرة ، أشرطة لمختلف الاصوات مثل راصوات الحيوانات او اشياء ، وتستعمل للادراك الحسي السمعي . وطريقة التدريب على التكامل السمعي وتقوم على تحسين قدرة السمع لدى هؤلاء عن طريق عمل فحص سمع اولا ، ثم يتم وضع سماعات على الاذن بحيث يستمعون الى موسيقى تم تركيبها بشكل رقمي ( ديجتال ) بحيث تؤدي الى تقليل الحساسية المفرطة او زيادة الحساسية في حالة نقصها . وهناك طريقة معالجة عن طريق برنامج الكمبيوتر ، وهذا البرنامج يعمل على تحسين المستوى اللغوي والاستماع والانتباه عند الطفل الذاتوي ، وتقوم فكرته على وضع سماعات على اذن الطفل القادر على الجلوس امام شاشة الكمبيوتر دون وجود عوامل سلوكية ويلعب ويستمع للاصوات الصادرة من هذا اللعب . المعالجة عن طريق التداخل الطبي الحيوي وهذا يقوم بمعالجة بعض المشكلات الصحية بعد الكشف عنها بواسطة التحاليل المختبرية ، مثل معالجة مشكلات الجهاز الهظمي حسب وصفة الدكتور المختص . هنالك حالة مهمة لدى اليافعين يجب ملاحظتها عند كلا الجنسين الزامهم قدر الامكان بجدوال خاصة عند منابعة التلفزيزن او جهاز الكومبيوتر لما لهما من دور كبير في زيادة ظاهرة التوحد لدى الاطفال او عند اليافعين ايضا .، وهناك خبر جديد نشر مؤخرا من على موقع ( ) يقول كشف علماء امريكيون عن وجود دواء يساعد على علاج مرض التوحد سيتم اختباره على الاطفال الذين يعانون من هذه الحالة ، وتشير النتائج الاولية الى ان الدواء الذي يستخدم بالفعل في علاج حساسية النوم صحح اعراض مرض التوحد لدى الفئران حيث يقوم هذا الدواء بتصحيح مسارات اتصالات المخ الخاطئة والاشارات من خلية الى خلية اخرى ويعتقد بان هناك تاثيرات ايضية تكمن وراء هذا الاضطراب ، وقد اوضح العلماء ان دواء سورامين يستهدف نظام التراسل بين الخلايا التي تنتج استجابة للاجهاد الايضي وفقا للنظرية الجديدة يرتبط التوحد بقوة بهذا المساروالمعرفة بأسم الاشارات العصبية ، ختاما ادعو لاطفال العالم عامة ولاطفال المندائيين خاصة الصحة والعافية والسلامة الدائمة مع ارق تحياتي .

المصادر

1-د. ناصر احمد سنه / كاتب واكاديمي مصري

2- منظمة الصحة العالمية

3- موسوعة الاوكيبيديا العامية

4- مجلة افاق علمية وتربوية

5- مجلة العربي الكويتية

نشرت في علوم

ديمقراطية دولة بابل ما قبل الميلاد وديمقراطية العراق الجديد عربي الخميسي سيدي القارئ الكريم ليس المقصود هنا ، تقديم بحث عن مفردة الديموقراطيه تحديدا ، بل دعوه لقراءة سريعه للحالة الاجتماعيه والسياسيه والقانونيه التي كان عليها سكان وادي الرافدين ، من خلال عرض لمحه من ملامح تاريخ العراق القديم ، مستقطعا من بحث رائع للأستاذ الباحث القدير علي الشوك ، المنشور بهذا العنوان على صفحات مجلة الثقافه الجديده بالعدد 266 لسنة 1995 ، وبه يستعرض باختصار ماضي شعوب وادي الرافدين للحقبه الزمنيه تلك ، ونمط الحكم السائد آنذاك ، وعلاقة الجماهير بالحاكم ، وشرعية سلطة الدوله ، وكيف كان ملك بابل مسؤول وغير مصون ..! وبيّن كذلك طريقة ممارسته لسلطته ، ثم مصدر هذه السلطه ... ومن خلال هذه التصرفات حيثيات ذلك الحكم ، اوجد التنظيم السياسي المتقدم باستحداث المجالس الشعبيه وتدرج سلطاتها التي تمثل ارادة الامه وتؤسس للحاله الديمقراطيه في البلد ..كل ذلك واضح بهذه النصوص ، والتي سيخرج منها القارئ بانطباع اكيد ، على ان مبدأ الديموقراطيه هذا المبدأ ، كان قد عرفه الانسان العراقي ومارسه قبل غيره منذ القدم ، وكيف ان جماهير بابل كانت ترفض الخنوع لظلم الطغاة والمستبدين والظالمين من حكام وملوك ذلك الزمان ..! وكيف كان الشعب البابلي يروض الملك ويخضعه لأرادته الى حد الاذلال ...! والذي اريده هنا لفت النظر الى مبادئ الديمقراطية التي سادت مجتمع بابل في زمن يسبقنا بالاف السنين ، وإن اختلفت مواصفاتها بعض الشيئ مما نعرفه نحن الان .. ولا زال الشعب العراقي يطالب بها بعد كل هذه الحقبه الزمنيه البعيده ولو حتى الى الحد الادنى منها هذا هو اصل التساؤل وهذه هي المفارقات ..؟واليكم ادناه النص المستقطع من البحث المشار اليه عن وصف لنمط نظام الحكم في مملكة بابل قبل حوالي 2500 عام مضت ..ملامح من تأريخ العراق القديمدولة بابل قبل الميلادعام 331 ق. م توجه الاسكندر المقدوني الى بابل ، فلقيّ استقبالا حارا من البابليين الذين كوفئوا باعادة بناء معبد ايساجيلا ، وفي اليوم الثاني من حزيران سنة 323 ق . م ، وقبل ان يبدأ بحملته الحربيه ، صيب الاسكندر بمرض الملاريا على ما يَعتقد . وفي 13 حزيران توفي عن 32 عاما ، ويعتقد ان جنرالات الاسكندر تقربوا الى الاله البابلي مردوخ في معبد ايسجيلا ليشفي سيدهم ..قبل ايام كورش شهدت بابل كثيرا من السلالات الاجنبيه تفرض وجودها ثم تزول ، لكن الجميع كانوا يذوبون في بابل او انها تهضمهم ، وعلى أية حال ،اخذت تظهر عوامل جديده في الشرق الاوسط ، واخذت تحلّ اديان ومعتقدات جديده بالتدريج محل تلك القديمه في وادي الرافدين ، حتى المؤسسات الاجتماعيه تعرضت للتغيير ، وحتى نظام الكتابه حلت محله الابجديه الآراميه الأكثر عملية ، لأنها تتألف من 22 حرفا فقط ، لكن الكتابه المسماريه إستمر إستعمالها في الامور الدينيه والعلوم الفلكيه ، فقد دام إستعمالها في الفلك حتى القرن الاول الميلادي ، كما بقيّ استعمال الكتابه المسماريه ساريا في بعض الوثائق الماليه ، ووصلت الينا نصوص عديده من هذه الكتابه لتجار اثرياء ، وبيوت مصرفيه ، في بابل ونيبور ..أما عن طبيعة الحياة السياسيه في مجتمعات وادي الرافدين ، فهناك دلائل تشير الى ان الجماعات السكانيه في سومر في مرحله ما قبل التأريخ ، كانت ديموقراطية في تركيبتها .طبعا ليس بالمعنى الحديث للكلمه ديمقراطيه ، وقد أشار ( جاكوبسن ) الى ان اقدم صيغه للحكومه المدنيه – الدوله ، كانت ذات مجلسين تشريعيين تتألفان من المواطنين الاحرار ، هما مجلس ( الشيوخ ) وهو المجلس الاعلى ، ومجلس (الرجال ) وهو ادنى منه ، كان هذا المجلس الثاني يُدعى للأجتماع عند الطوارئ ، وتتخذ قراراته بالأجماع ، ليختار قائدا مؤقتآ لينفذ ارادات المجلس .. وبتطور المجتمع اصبح مركز هذا القائد اقوى وأكثر رسوخا ، ويرى البعض في هذه الشخصيه القياديه الملك (الرجل الكبير ) ويدعى المجلس بالسومريه —- ويعني بالحرف الواحد (دائرة الناس ) وقد وردت الاشاره اليه في اقدم النصوص السومريه ( أورك ) ويسمى المجلس بالبابليه ( — ) ومجلس الشيوخ ( —) ( ومجلس الشيبه ) وفي المرحله البابليه القديمه .. – اي في زمن حمورابي – كانت كلمتا — (مدينه ) و( مجلس ) مترادفتين ...وعندما كانت بابل تحت النفوذ الآشوري في زمن آشوربنيبال ، ثُبت في محضر باحثات الملك آشور بانيبال مع موطني مدينة بابل الخاضعه له ،أن بابل قلب المعموره ، وكل من يدخل اليها يحصل على امتيازات معينه حتى الكلب الداخل الى بابل يُمنع قتله ،وكانت المدن الآشوريه بدافع الحفاظ على ادارتها الذاتيه القديمه واستقلالها عن دائرة اختصاص الملك ، تسبب لملوك آشور عموما اكثر من البلدان التابعه ..واستمر نظام المجلس الشعبي في جميع انحاء العراق الى ايام الفرس والاسكندر المقدوني ثم زال فيما بعد بحلول القرون الوسطى ..وكانت بابل مديينة كوزموبوليتيه وتشكيلة سكانها فسيفسائيه ، والى جانب سكانها الاصليين توافدت اليها القبائل الكلدانيه وألأراميه ، وكان فيها جاليات مصريه وايرانيه وعيلاميه وليديه وارمنيه وعربيه وهنديه ويونانيه ،وكان الجميع يعاملون سواسيه ويمارسون حقوقهم الدينيه بحريه ،ومن ايجابيات الماضي ان الناس في تلك الايام لم يعرفوا شهادة الجنسيه ولا جوازات السفر ولا الخلافات القائمه على اساس أثني او عرقي وتنبغي الاشاره الى ان القانون في بابل تجاوز الكثير من بنود شريعة حمورابي وبلغ اوج تطوره في المرحله الأخمينيه واثر ايضا على صياغة القانون الروماني .. كما يقول ( محمد داندناماييف ) ( ولوكونين )وك ا نت هناك اعياد كثيره في بابل بما في ذلك عيد الشكر وعيد جز الصوف .

لكن اهم الاعياد كان عيد رأس السنه الجديده ، في العهد البابلي الجيد ( ايام نبوختنصر ) كان هذا العيد يُحتفل به في الآحد عشر يوما الأولى من نيسان البابلي ( وفي حسابنا يقع بين آذار ونيسان ) حيث يقع فيه الاعتدال الربيعي ، وفي اليوم الرابع من ايام هذا العيد تُمثل ملحمة الخليقه على غرار التمثيليات الأوربيه الدينيه في القرون الوسطى ، وفي اليوم الخامس يظهر الملك ، ولا يسمح له بالدخول إلا بعد ان ينزع شارة السلطان وينبغي ان يتعرض للأذلال ، منحنيا لكاهن الششكالّو ليضربه بكف قوي على خده ، وبعد ذلك يسحبه الكاهن من إذنه ويجبره على الركوع الى الارض ، ويتعين على الملك ان ينطق بالكلمات الأتيه امام الأله مردوخ ، (لم ارتكب خطيئه يا إله البلدان ، ولم اشكك في الوهيتك ، لم ادمر بابل ، لم اتسبب في سقوطها .. معبد ايساجيلا لم اهمل طقوسه .. لم أمطر خدود المواطنين بالصفعات ..لم اذلّهم ..كنت شديد الغيره على بابل .. لم ادمر اسوارها ) ...بعد ذلك يطمن الكاهن على الملك بقوله ..-لا تخف ..الأله بعل سيصغي لصلاتك ، سيباركك الى الابد ، سيقضي على عدوك ، وعلى خصمك ..ثم تعاد شارة السلطان الى الملك ، ويصفع مرة اخرى يصفعه الكاهن صفعه قويه على خده ، فاذا إنهالت الدموع من عيني الملك فمعنى ذلك ان بعل استجاب أما إذا لم تنهمر الدموع من عيني الملك فان بعلا غاضب وسيظهر العدو ليقضي على ملكه .إن اذلال الملك في عيد رأس السنه البابلي بتلقيه صفعتين قويتين على الخد ، وبجر اذنه ، يعني انه لم يكن مصونا وغير مسؤول ، او اذا كان كذلك في ايام السنه فان رنين الصفعه يبقى له وجعه البعيد في ذاكرته .. اذا استعرنا كلمات فؤاد التكرلي – وسيبقى يتوقع هذه الصفعه وجر الأذن كل عام وهذا في رأيننا يعكس شكلا من اشكال الرقابه على الملك في بابل يوم لم تكن الأسس الماديه للممارسه الديمقراطيه متوفره .لكن عيد الاكيتو او راس السنه الجديده في بابل استمر حتى ايامنا ،بعد ان طرأت عليه تغيرات كثيره كنا نحتفل به كل عام في بيوتنا ،نحن عربا واكرادا ..عند العرب هوعيد دورة السنه وعند الاكراد هو النوروز ..وفي واقع الحال ان الفرس والاكراد اخذوه من بابل واعتبروه عيد رأس السنه الجديده ،وفي ايام العباسيين كان اهل بغداد وسامراء وغيرهما من مدن العراق يحتفلون بأيام الاعياد الاسلاميه ..وغير الاسلاميه كعيد النوروز ..كما كانوا يسمونه ونّوه بذكره الشعراء قال البختري ..لا تخّلُ من عيش يكرّ سروره — ابدأ ونيروز عليك معادالى هنا ينتهي الجزء المستقطع من البحث المشار اليه وبقدر ما يخدم مداخلتنا حوله ، يبقى للعراقين ان يعيدوا شيئا من ذاكرة الماضي السحيق لكي يتطلعوا للمستقبل المشرق الموعود ، والموصوف حتما بالديمقراطيه وكلمة حتما لن أأتي بها من فراغ كما اتصورها ..! ولسبب بسيط ، وهو اني مؤمن بحركة التاريخ ، ومؤمن ايضا ان سير العالم قائم بهذا التوجه نحو التغيير ، وهو بتقديري كالسيل الهادر سيغطي بقاع الكره الارضيه عاجلا ام اجلا .. وشعب العراق هو جزء من هذا العالم ، ولا يقل شأنا عن باقي شعوبه ، اذا لم يكن هو المحرك الفاعل لها طالما يملك رصيد ثر من الوعي الثقافي والقانوني والتاريخي ، وحضاراته واطلالها ، تظل شاخصة حيه امام انظار اهل العراق وحافزا لهم ، فلا بد من الجديد لتحقيق الديمقراطيه والعداله الاجتماعيه ...

نشرت في وجهة نظر

كم يسعدنا ويفرحنا ونحن نتابع عن كثب جدية الحوارات الاخوية و اللقآات المحاورية والاجتماعات الشفافة الجادة المكثفة بين الاخوة الخيرين الحريصين على مصير وحدة الطائفة وأبنائها ومستقبلها ودفعها الى الامام نحو الرقي والتقدم و التنوير والازدهار والوئام والتآخي، وتقديم العون ومد يد المساعدة لأ هلنا المساكين المحاصرين المهددين في سوريا وانقاذهم من الموت بقدر ما نستطيع،، نتمنى ان تكون هذه المشاورات الرحبة بادرة خير وبركة وصفاء ومحبة ووفاق، بكل أمانة وصدق ومسؤولية على وحدة عملها وتجنيد جهودها الخلاقة، و لتنطوي جميعها تحت خيمة واحدة حصينة تحميها من هبوب الرياح الصفراء الجارفة التي لاتقف عند حد، و تقلل من الخسائر و من مسارب التشتت والضياع في مجتمع غريب عن تقاليدنا وسلوكيتنا والحفاظ على ابنائنا من الانزلاق في دروب الطيش حيث المغريات و عالم الملذات وأثارة الرغبات فيه لا تقف عند حد، ولهذا الخوف والحذر والتوجس من الآتي من قبل الخيرين الحريصين على مندائيتهم، هو توجه وارد في حساب الاهمية و مشروع، له ما يبرره طبعا من أمور تبدو للوهلة الاولى غير محسوبة ولكنها بفعلها المستور قد تمس جانب مهم من جوانب المجتمع المندائي، ومن الاهمية القصوى لتدارك هذا الخطب وحماية الطائفة والمجتمع هنا وتحصينهما من التبعثر والتشتت والخلاف الشكلي بين الاخوة الذي سبب الكثير من الجفاء وتقسيم الطائفة والمجتمع الى شرائح متباعدة متنافرة قد تأجج بين افرادها مع الاسف الكره والضغينة وأخذ الغيبة والتشهير والنفاق والنميمة ، والتقليل من اهمية اعمال الناس الخيرين البينة المعالم الذين ما بخلوا (رهنوا بيوتهم) و أرخصوا المال والوقت والجهد المتفاني وبدون كلل اوملل يشتغلون ليلا و نهارا لعدة أشهر وهم ينقلوا أنقاض البناء القديم على ظهورهم ، من اجل تأسيس كيان قائم يليق بالمندائيين هنا في استراليا وتأهيل (مندي شيخ دخيل) يجمعهم ويلم شتاتهم و يليق بهم كمقام و صرح حصين ناطق لهذه الطائفة الكريمة ، ألا يستحق هذا الانجاز الكبير التقييم الجميل ؟؟ ( قيمة الانسان ما يضيفه للحياة من أعمال لا أقوال ) والأن لنردم مستنقع التوجس و الضغائن و الشك والريبة من مرابعنا الخضراء الطيبة الزاهية ، ونمد بدلا عنها جسورا من الثقة العالية وصفاء النية الصادقة ونقاوة الضمير بعيدة عن الضنون والخوف من الآخر واحترام وسماع رأيه بشفافية واعية وبقلوب بيضاء مخلصة ونوايا حسنة نقية تكتنفها المحبة والتسامح والوئام والود وليكن شعارنا مصلحة الطائفة فوق الجميع،( الاعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى) ولنضع اليد باليد أخوة متحابين ، ولنرسم لنا خارطة عمل موحدة يشارك بها الجميع تعطر مساحاتها باقات من أريج الزهور البيضاء.

ولندرك جميعنا جيدا ان الفرصة الطيبة الأن قد حانت للم الشمل ونحن بأمس الحاجة لها في بلاد الغربة ،، وعلينا أن نغتنمها ،وان لا تضيع الجهود بوضع العصى في عجلة الوئام والتوافق والتقارب بين الاخوة وهذا ما ينشده الجميع ويتمناه ، ولنا في الماضي عبرة ،ومن التجارب خبرة، حيث المطالب التي هي تعجيزية و فوق مستوى القدرة والتحقيق في الوقت الحاضر، أو طرح موضوع عزل البعض،وهو مغاير لسماحة الطائفة وتوجهاتها ، وقد يكون هناك رأي أنفرادي متشنج النزعة فيه التحدي والغل و الكره من الاخر، وهذا قد يرجعنا الى المربع الاول ( ويا أبو زيد ما كأنك غزيت) وهذا التوجهات هي اشد اضرارا بالعملية التوافقية وضياع الوقت و جهود الخيرين في حوارات شخصية ذاتية لا فائدة منها سوى تعميق الخلاف ، والجميع يتلمس ان الظروف والحياة المعاشة حاليا وكثرة عدد المندائيون هنا وتواجدهم المكثف والتلاحم العائلي الخير، قد تفرض نفسها كحاجة ماسة الى تنظيم المجتمع المندائي المتنور في رواق الوفاق والوئام وتوحيد الجهود بين الاخوة المختلفين، وفق آليات وقواسم مشتركة و ثوابت ونظم تدرس جيدا ومن ثم تعمم، يتفق عليها الجميع ، بعيدة عن مزايدات الجاه والمنصب والسلطه و البهرجة والغطرسة واللف والدوران وتهميش أنجازات الآخر الواجبة الاحترام و الواضحة للعيان والاعترف بها كأنجاز تاريخي من معالم الطائفة المهم يتواجد فيه المندائيون كل يوم ، ان الذي لا يفكر ويعي جيدا بما هو بعيد بعقل وحكمة في المستقبل سيجد الواقعة والألم والندم قريبة منه.

ينبغي نكث سلبيات الماضي النكد ، وتنقية الاجواء الضبابية التي حالت دون الوضوح في الروؤيا وقراءة موضوعية واضحة مدروسة لمستقبل الطائفة ووحدة أبنائها ولملمة ما تبعثر منها وتشتت، وما يواجهها من تحديات خطرة و نحن نعوم في خضم امواج البحر الجارف ومن المؤكد اننا سوف نغرق جميعا اذا تشتتنا وتشرذمنا الى عشائر وأفخاذ و كتل وتجمعات ووحدات وفصائل ، قوتنا في وحدتنا، ومع الأسف الشديد والحزن صار زادنا اليومي هو تصيد الخبر وفبركته وتصعيده وتكييفه حسب ما مطلوب منه ، ومن ثم نشره بعد تمليحه ورشه بالبهارات و(رندجته) بشكل ربما قد يصدقه بعض البسطاء الطيبون، وشغلنا الشاغل اليوم هوالقيل والقال والتشهير بالناس والتعرض للاعمال الخيرة الجاهزة التي يجب ان نقف امام منجزيها بكل احترام وأمتنان ، وبالتالي من الحكمة علينا ان ندرك جيدا وبمسؤولية تاريخية عالية ان قضيتنا واحدة ومصيرنا وهدفنا واحد، وكلنا شركاء في ما يؤول إليه مستقبلنا في نهاية المطاف ، لذلك من الامانة والحرص الشديد ان لا يستثنا أحدا منا من المساهمة الجادة والفاعلة في العمل لوحدة الصف و بناء البيت المندائي، الحزم هو التفكير بالعواقب، عطاء المندائيون كثير، وقوتهم في وحدتهم وهم اهل شيمة وغيرة على اهلهم ودينهم ومستقبل اولادهم، لقد آن الأوان ان نشعل شمعة تبدد نفق وحشة الظلمة الخانقة، و تنير لنا الطريق المعبد ببريق المحبة والتسامح والود والتلاقي كي نعانق بعضنا البعض بحرارة مندائية معطرة بعبق الياس، وتعم الفرحة

نشرت في وجهة نظر
الإثنين, 06 أيار 2013 21:17

تحية من الدكتور كاظم حبيب

إلى الأحبة من أتباع الديانة المندائية بالعراق وخارجه

الأخوات والأخوة الأفاضل 

الصديقات والأصدقاء الكرام

يسعدني أن أهنئكم على مرور عشر سنوات على إنشاء موقعكم الذي سيواصل دوره الفعال كرافد متميز من روافد الفكر والثقافة والدفاع عن حقوق الإنسان وحريته وكرامته. إن موقعكم الإنساني كان له حتى الآن الشأن الكبير والمهم في مجال الثقافة العامة والفنون الإبداعية والتعبير عن حياة ونشاطات ومشكلات أتباع الديانة المندائية بالعراق وخارجه. إن موقعكم, وأنتم معه, تنطلقون في عملكم ونضالكم الوطني من الحكمة المندائية الرائعة التي تقول لكل الناس ما يلي: 

""ويل لعِالمٍ لا ينفتح على غيره, وجاهلٍ منغلق على نفسه".

إن موقعكم سيكون رافداً من روافد النضال في سبيل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والسلام, وهي مسائل وقيم عامة وشاملة يشترك معكم فيها كل الخيرين من الناس في سائر بقاع العالم ودفاعاً عن حقكم الكامل في ممارسة طقوسكم الدينية المندائية بالعراق كله وفي ميسان بالذات, وعلى ضفاف نهري الفرات ودجلة.

أحمل معي هم الذين أجبروا على الهجرة من العراق أو فرضت عليهم الهجرة وهجروا قسراً إلى الشتات العراقي. أحمل معي هم أتباع الديانة المندائية وغيرهم من العراقيين الذين يعانون الأمرين في سوريا من جراء الصراع الدائر هناك بين الخير والشر , بين المظلوم والظالم ومعه كل الإرهابيين الذين يقتلون الناس الأبرياء بغير حق.

أحييكم جميعاً وأحيي فيكم النخوة والشهامة والتضامن والتواضع وحب العمل والسلم, أحيي فيكم حب العلم والمعرفة وحب التواصل مع كل الناس من أتباع جميع الديانات والمذاهب وجميع الأقوام, أحيي فيكم الإخلاص للصداقة والأمانة.

أحيي علماؤكم الذين اختطفهم الموت منا مبكراً وهم من صفوة مثقفيكم وعلى رأسهم العالم الفذ والمثقف الكبير الأستاذ الدكتور عبد الجبار عبد الله والمثقف الكبير والمميز نعيم بدوي وغضبان رومي الناشئ وهم علامات مضيئة في الثقافة العراقية والعربية.

أنحني إجلالاً للشهداء الأبرار الذين سقطوا وهم يدافعون عن الإنسان العراقي وحريته وحقوقه وكرامته, ولأتباع الديانة المندائية قسط مهم ضمن هؤلاء الشهداء.

مرة أخرى أشد على أيديكم وأرجو لموقعكم النجاح في تأدية مهماته النبيلة 

مع خالص الود والاعتزاز بأبناء وبنات وطننا الحبيب.

 

أخوكم كاظم حبيب 

برلين في السادس من شهر أيار/ مايس 2013       

 

نشرت في وجهة نظر
الأحد, 28 نيسان/أبريل 2013 08:52

عـندما يكون منطق الحوار هـو صوت العقل !

تفشى الخصام بين أبناء البشر منذ زمن بعيد توسع واستمر ودخل اطار الحروب والاقتتال وسفك الدماء والعداوة المستمرة ، ولازال مستمراً ليومنا هذا برغم من التقدم العلمي والتكنلوجي ، بل على العكس اصبحت حروب اليوم اكثر خطورة وكارثي بعد التطور التكنيكي والتكنلوجي لآلت الحرب والقتال . ان الاسباب المؤدية لهذا التخاصم كثيرة ومتنوعة اذ توصل المراقبون والباحثون الاكاديميون المتخصصون في هذا المجال من مؤرخين وسايكلوجيين وروحانيين ورجال دين الى نتيجة واحدة وهو ان السبب الرئيسي يعود الى أقامة الحواجز والتباعد بين شرائح المجتمع البشري ، الذي انعكس سلبياً على تقبل الاخر و فهم ايدلوجيته في الحياة مما ساعد بانبثاق الانانية وهي مصدر من مصادر الخصام التي احدثة شقا في علاقة ونفسية الانسان بأخيه الانسان حيث قال الكاتب والاديب عباس محمود العقاد في كتاباته عن الخصام وانواعه (( التخاصم على الآمال والأماني اكثر بين الناس وأقوى من التخاصم على الوقائع والأشياء ، فالتخاصم على شيء من الاشياء عداوة موقوتة ، تزال بزوال ذلك الشيء ، أو تنقضي بانقضاء الحاجة إليه . اما الخصومة الباقية التي لا تزول فهي الخصومة على الامال والمطامع ، والانانية هي المصدر الوحيد التي تأتي من النقيضين . الاول الناس يتخاصمون لانهم أنانيون ؛ والثاني يتخاصمون لانهم محبون للاخرين . اما تخاصم الاول اصحاب (الانانية ) فلا غرابة فيه ، لان الرجل الذي يحب نفسه يستأثر لها بكل منفعة ، ويجهل شعور غيره ، اما الثاني فهو الغريب ان يتخاصم الناس لانهم براء من الانانية او لانهم يحبون الخير للاخرين . ولفتة واحدة الى الحقيفة تنفي هذه الغرابة وترينا ان الخصومة من حب الخير للاخرين ،كالخصومة من حب الخير للنفس ، في القسوة والشدة والكثرة ووبال العاقبة لانها اكبر واقوى ،تنتقل بالناس من انانية آحاد الى انانية جموع وشعوب . فكم من الحروب ثارت في هذه الدنيا على ايدي المصلحين ؟ وكم من المجازر البشرية سالت فيها الدماء كالانهار لان جماعة من طلاب الخير يريدون لغيرهم الخير الذي لم يريدوه ، ويفرضون عليهم الحق الذي لم يفرضوه ؟... وهل اشد من خصومات البشر على السماء بعد الموت ؟!... وهل اعنف من نزاع البشر على رضوان الله ؟ ))... اعتقد لانهم متناسين بأن الإنسان ينتمي بأنسانيته (التي وهبها الله له والتي ميزته عن باقي المخلوقات ) الى اخيه الإنسان على اساس التكافئ مع وحدة الوجود بكل ماتحمله من عناصر الحياة المشتركة في هذا العالم الواسع ، من حرية وقوة بلا تسلط ، والتمتع بكل حقوقه الدينية والدنيوية بالتساوي وبلا تمييز ، ملتزم ومحافظ على القيم والاخلاق الانسانية بلا تعصب ، مؤمن بالحوار والتقارب وتفهم الاخربلا تجاهل او أنانيـة . بهذا يكون الانسان قد توصل الى مرحلة الأدراك بأنه جزء لايتجزء من هذا الوجود الشاسع وانه لايختلف عن اخيه الانسان بشئ مهما تنوعة عقائدهم وافكارهم ودياناتهم ولغاتهم والوانهم يبقى عنصر البشر واحد خلق من طينة واحدة والى ربٌ واحد يرفعون الصلوات ، وامام ربٌ واحد سيقفون في اليوم العظيم .

بما ان البشر خلقوا مختلفين ( هذه حكمة الخالق ) أذن اثبت ان منطق الحوار المبني على اساس التفاهم والاتفاق هوالوسيلة الوحيدة لإزالت الخلافات والحواجز بين ابناء البشر وبناء جسور التقارب التي تسيرعليها قرارات صوت الحكمة والعقل ، في هذه الصفوة الإنسانية وعندما ينزوي صوت الباطل ويعلو صوت الحق يعم الامان والسلام لكل البشر . بما ان للاديان قوة خاصة وطبيعة خاصة ، مستمدة من الحي الازلي ، ليس فيها ما ينقض السلام ، او يلغي الاخر ، لها دور الكبير في تنظيم الحياة الدنيوية للبشر ومساعدتهم بتفتح طاقات الخير والمحبة في داخلهم ؛ والصابئة المندائيون هم شريحة من شرائح طيف الوجود وهم من اول الدعات للسلام ، يؤمنون بحقوق الاخر الدينية والدنيوية ، والدليل على هذا انهم تعايشوا ومنذو فجر التاريخ بسلام واحترام مع اقوام تخالفهم في الفكر والمعتقد والدين ولم يكن للخصام وجود بينهم . يعتبر المندائيون من سلالة المكافحين والمناظلين من اجل استمرار الحياة الصحيحة والكريمة للعنصر البشري لان تعاليهم وكتبهم الدينية تفرض عليهم السلام والمحبة والرأفة لكل المخلوقات والإنسان خاصة ، وسيبقون ينشدون للسلام ويعملون من اجله ، لانه الامل في ادامة الحياة .

 في تشرين الاول من عام 1991 انعقده مؤتمر السلام العالمي في مالطا وكان الحاظرون من بلدان عدة واديان متنوعة ولكل منها خلفية تاريخية مميزة يدفعهم حب السلام والتواصل بين جميع اطياف وامم هذه الارض ، وكان للصابئة المندائيين حظور متميز مثله فضيلة رجل الدين الروحاني الترميذا رافـد ابن الاب الروحي لكل المندائيين الشيخ عبدالله (بارك الرب في عمره) ، حيث قال بكلمته التي القاها في المؤتمر حول السلام في العالـم وهذا بعض مما نُوشر من هذه الكلة في مجلة المندائي العدد السبع التي صدرت في كندا سنة 1992~~~~~~((( لقد انسجمنا في مسيرة خير ابتدأت منذ سنين عدة بالدعاء الى الله مبارك اسمه من اجل السلام ، إننا نمثل أمام أبناء جيلنا ، وكساعين للسلام ولا نملك أية وسيلة نقهر بها احداً ، بيد اننا على ثقة ان في أعماق تعاليمنا الدينية ، ينابيع طاقة إيمان عميقة قادرة على ان تصل الى قلوب المؤمنين ، وباستطاعتها ان تمس ضمائر الكثيرين ، لان قوة الاديان الروحية تختلف كثيراً عن قوة العالم . إننا نتوجه الى الرجال والنساء وبخاصة الى من له مسؤلية حكومية ، ويتوجه نداؤنا الى الشمال والجنوب ، ثم الشرق والغرب ليقيم روابط دولية مؤسسة على الامن والعدالة، ونرغب بإلحاح في ان يقوي نداؤنا ليسمع لكي نجد حلاً للمشاكل العالقة من حروب وظلمات مستمرة ترافقها آلام كثيرة يسببها العنف والنقص في ضروريات الحياة . . لقد شهد التاريخ حروباً كثيرة اشتركت فيها مختلف الشعوب بشكل جنوني ودموي فلا نقوى اليوم ان نشعر بالطمأنينة ، ان السلام مازال همساً بعدُ، وهو ينتظر المزيد من التأصل كما ينتظر من يلتزم ببنائه في كل مكان ... نرفع صوتنا طالبين من المؤمنين كلهم ، بأن يجعلوا من ذواتهم ادوات سلام دائم وأساساً لنظام دولي ثابت وعادل . نريد ان نشهد بأن الاديان لاترغب في الحرب ، لان من ثمار الحرب ، الشر ،والفوضى ، وان نشهد ايضاً بأن الاديان لا تبرر البغض والنزاعات ، بل تعمل لإرساء السلام في صميم القلوب . إ ننا على يقين من ان حياة الإنسان لاتنتهي على الارض ، بل تكتمل في ما بعد الحياة ، لهذا فالسلام هو هبة نسألها من الله الحي الازلي تعالى الذي في يديه توجيه تاريخ البشر وقيادة قلوبهم ... إ ن السلام الذي ننشـده نتعهـد بأن نحققه وأن ننشره في الارض كلها لذا فليبطل الحرب كحل للنزاعات بين الشعوب ، وليتلاشا كل حقد وكل ضغينة بين الناس ، وليشرق دائماً موسم من السلام العميم ، ومن العدالة الحقة ، تلك هي دعواتنا ، وهذا هو رجاؤنا الذي يرتفع من جزيرة مالطا قلب البحر الابيض المتوسط الى العالم كله .~~~~~))) بعد كل هذا الذي ُذكِـر علينا نحنوا العراقيون الاستفادة من تجارب الحياة ونقف وقفة صادقة مع ظمائرنا وانفسنا في سبيل تحقيق الامن والسلام لبلدنا الحبيب عن طريق نبذ العنف وعدم الغاء الآخر واتخاذ الحوار سبيل لتحقيق المبادئ الإنسانية في الحرية والديمقراطية الحـقـة .

 

نشرت في وجهة نظر
الأحد, 28 نيسان/أبريل 2013 12:48

عكد الصبه وحقوقهم المغتصبه

 جاءت مقالة لاخ الاخوان في يوم أمس على احد المواقع لتثبت أننا معشر الصابئة المندائيين كعراقيين اقحاح قد تجذرنا الى الاعماق في حبنا لهذا الوطن الغالي وأن التراب الذي أحتضن قبور أجدادنا هو واحد ونسمات هواءه واحدة.

 نعم يا أخي الفاضل جاءت مقالتكم بوقت شعر الصابئه والمندائييون بأنهم بأمس الحاجه الى أناس يتذكرونهم اؤلئك الناس الذين عاشوا معهم وتعايشوا... لم نضمر الاحقاد في قلوبنا ابدا بل ظلت قلوبنا مثل انهار العراق الصافيه تغتسل وتنظف الابدان والاروح في كل نزول للتعميد فيها ولترتوي النفوس من مياه دجله الخير والفرات المقدس العزيزين لدى طائفتنا حتى بعد جفاف نهر دجله او كاد ان يجف والذي كان يمر بمندي بغداد ... انك وربي قد شفيت بعضا من الجرح الذي يعصر قلوبنا ويملأ صدورنا غيظا حينما نرى الوطن وقد اصبح يضيق بنا حتى بعد أن تبددت تلك الظلمه الحالكه التي كانت تلبد سماءنا معا كأخوة نرتبط بالمصير الواحد نتقاسم الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه والنخيل الذي يداعب نظراتنا وخيالنا، انني احد هؤلاء الصبه الذين ذكرتهم في مقالكم المؤثر صدقني لو قلت لك انني من شده التأثر انهمرت دموعي لاأدري لماذا ربما من شدة الفرح بأنك ايها الاخ البار ذكرتنا وذكرت الاخوٌة بالخير وبقلب طاهر أنني اكاد أجزم بأن الصبي عندما كان يعيش في الشطرة او العمارة او البصرة أو أي مكان أخر.. ماكان يجد غير ناس أطيب منه يبادلونه نفس المشاعر وحتى إن لم يجد فكان يعطي هو الجميع من حوله كل ما يستطيع أن يعطيه من الحب والامان كما توصيه عقيدته.. واآسفاه على الواقع المر الذي وصلنا اليه اليوم.

 لقد ظل المندائي طوال عمره مسالما محبا لكل الناس يزرع الحب وروح التسامح اينما ذهب واين حل وبشهاده الطيبين والاخيار من أمثالكم.

 ها نحن نرى أن هذا التسامح والمسالمه لم تجر الا الوبال على اهلنا ، لقد أهدرت حقوقنا مثلما فعلها السابقون ممن وصلوا الى سده الحكم والان نرى بأعيننا أن من لم يداع بحقوقه فلن ينلها من مجلس الحكم الذي أعطى الحقوق لمعظمهم واستثنى الذين صمتوا وظلوا ينتظرون وكان نصيبهم الاهمال واللامبالاة والمكابرة وكأن الامر لا يعنيهم من بعيد او قريب نحن لسنا من الذين يحملون السلاح ضد الاخرين ولسنا من الذين يحتالون على الاخرين لأخذ الحقوق بالخداع والمراوغه نحن قوم مسالمون نؤمن الحق والمساواة والمحبة والالفة والتسامح والاخوة الا ان الاخرين أبو أن لا يفهموا من هم الصابئة المندائيين وهكذا نرى اننا أصبحنا اليوم بلا حقوق وقد يجوز ان يأتي ذلك اليوم الذي سنترحم على ما كنا نتمتع به سابقا مما كان يسمى بحقوق وان لم تكن حقوقا بالمعنى الصحيح .

 شكرا لك ايها الصديق الصدوق للصبه او الصابئة ومن خلالك لكل الشرفاء والمنصفين من ابناء وادي الرافدين الحبيب وهم كثر وبارك الله فيك ومن امثالك الطيبين والسلام

 

نشرت في وجهة نظر
الأحد, 28 نيسان/أبريل 2013 12:44

عكد الصبة

عكد الصبة ...انظف شوارعنا واجملها واكثرها لونا واشدها سحرا ...هوائي راديو بنت ورد الصبي يربطنا بقارات العالم ...ادخلت اسم الشطرة الى الاذاعات برسائلها ..كانت تطلب اغاني جميلة تهديها لاهل المدينة ولاقاربها على حافات الانهار في العمارة والناصرية والبصرة وبغداد

 

كانت الشطرة تثق بذهب الصبة كتميمة لاتخذل يوم العوز ويوم الضيج واليوم الاسود المخيم على النفوس دائما ...كان ذهب العرائس ياتي من تحت اناملهم ...لااحد يفحص او يختبر او يسال عما اذا كان الذهب دغش ام صحيح ...لان الصبي لايغش ....

 

لحية زرزور شيخ الصبة بيضاء كحليب الامهات تتدلى على صدره بانسيابية ....هي مصدر اساطير المدينة عن المشيخة التي تذهب عن زرزور اذا نتف احدهم شعرة واحدة من لحيته .... 

من وراء الزجاج المزدحم بالاساور والقلائد والخواتم يطل زرزور على السوق بمنظاره المزروع بعينه اليسرى كانه ينظر الى يحيى بن زكريا بنظرة حزن ووقار

 

 

النسوة المبهورات بوقار زرزور تطفر من افواهن بين الحين والاخر كلمة حجي ...كان في زمن ما يكتفي باغلاق الدكان وفي زمن اخر اقتنى خزنة وفي زمن لاحق بدا بحمل الذهب معه الى البيت عندها شعرنا ان شي ما بدا يتغير بالشطرة والجنوب والعراق وان روح شريرة بدات تحوم حولنا شرب الصبة قهوة فواتحنا وشربنا شربت اعراسهم ...

 

كانوا ينزلون الى الماء لكن لم نرهم مرة واحدة في حياتنا يفعلون ذلك ...كنا نحزن لجنائزهم ويضربون على افخاذهم عند مرور جنائزنا ...كنا نراهم يطوفون بالحسين والعباس وكانوا يزورون مواكب العزاء كان سوق الذهب للصبة دون غيرهم حتى رسخت في مخيلتنا صورة الصبي الصايغ وعندما اقتربنا من بغداد تفاجئنا بالصنعة التي بغير يد صاحبها وشعرنا بمرارة ثم تعودنا كنا نشعر بنوع من الاحاسيس الغامضة ونحن نرى المندي وكانت العجائز تعتقد انه يشور ايضا مثل اي مكان للعبادة ...

 

كنا نرى المدينة بلا صبي مثل خاتم بلا شذرة فيروزج ...كنا نرى في نسائهم العفاف ولم يخالجنا شعور قط ان الصبي ممكن ان يفكر تجاه النساء بالشر فكان منظر النساء امام الصبي مثل منظرهن امام الطبيب احبنا الصبة واحببناهم وعندما حط الموت بجناحه على المدينة وصل ريشه الى عكد الصبة ....عندها بدات اليافطات السود تشوه وجه بيوت الصبة وهي تنعى القتلى في جبهات الحروب ....

 

 

كثر الموت في الصبة ...قلوا ...انحسروا...قل بريق الذهب الاخاذ...قلت الاعراس ...هاجرنا الى المقابر ...شاركونا الهجرة...هربنا الى مدن الشتات ...كانوا باثرنا تصطادهم بنادق حرس الحدود والالغام وبطون القرش والغرف المظلمة في البلدان اللزجة ...

 

 

انا ام( ...)الصبية هل نسيتني قالت وهي تجر ايدي بنتين وولدين ...نسيت عندما اخفيناك في بيتنا ...اجهشت بالبكاء وتمتمت ...كلشي راح...كلشي راح... 

الله ياعكد الصبة...

نشرت في وجهة نظر
الأحد, 28 نيسان/أبريل 2013 12:20

دعوة خالصة الى الأمهات والآباء

 لقد عانى المندائيون وعلى عقود متوالية من التهميش والتمييز وطمس الهوية، وأجحاف في الحقوق ومازاده في السنين الأخيرة ، تعرضهم للأنقراض من خلال الأضطهاد الديني والأرهاب المنظم.

كما ان معاناة المندائيين لاتختلف عن معاناة باقي الشعب العراقي بأكمله ومايزيد عليه هو الأضطهاد الديني والذي أنعكس على الحياة الأقتصادية والأجتماعية وباقي نواحي الحياة ، أنعكس ذلك على العائلة المندائية في داخل العراق مما أضطرهم مجبرين ترك بيوتهم وأشغالهم ومحلاتهم والنزوح الى دول الجوار، وهنا تضاف اليهم معاناة أخرى ، هو عدم الأستقرار الأقتصادي ورداءة السكن وعدم وضوح مستقبل العائلة المندائية.

أما نحن في دول اللجوء وقد تشتتنا في بقاع العالم والذي جاء نتيجة الوضع المأساوي الذي مر ويمر به العراق ولقد أجبرنا على اللجوء والعيش في هذه الدول، وهي دول ذات عادات وتقاليد تختلف عنما تربينا عليه.

أننا كأمهات وآباء أمامنا هدف في هذه الدول هو الحفاظ على عوائلنا وأبنائنا وبناتنا، حيث في هذه الدول لدتنا معاناة كبيرة في كيفية الموازنة في التربية، لأننا تربينا وتعلمنا في عائلتنا ومدرستناومجتمعنا العراقي وحملنا معنا كل هذه الخبرة والتجربة الغنية والتي تسعفنا في الأهتمام بأولادنا في هذه الدول، ولكن لهذه الدول عادات وتقاليد تتسم بالأنفتاح الغير محدود ولذلك يتوجب علينا أن نتعلم كيف نوازن في تربيتنا في هذه المجتمعات المتعددة الثقافات.

أن تربية الأبناء تنطلق في الأساس من البيت، من الأم والأب ليهتموا كيف يحتضنوا أولادهم ويحيطوهم بجو من الألفة والمحبة ويجعلوا منهم أصدقاء لهم كي تكون هناك ثقة متبادلة لأعطاء الفرصة وبجرأة عن مختلف المواضيع والأسئلة المحيرة التي تدور في أذهان الأولاد والبنات، وخاصة تحديد الهوية( من أنا ، أنا هولندي، انا سويدي، أنا مندائي عراقي) كيف أكون ذلك وهنا تأتي أهمية الحديث الشيق والودي للأهل مع الولد أو البنت وخاصة في العمر الحرج والمحير وهو من سن عشر سنوات وحتى سن الواحد والعشرين، فلو تربى الأولاد بأساس قوي وبقوة شخصية سوف يسلكوا باقي حياتهم بنجاح. 

بعد أن تنتهي فترة الطفولة عند الأبناء يحب أن يأخذ أستقلاليته، في أخذ القرار والرأي الخاص به وله طريقته الخاصة في التفكير وله حرية الأختيار لباقي نواحي الحياة، ولكن نحتاج الى وقفة هنا حول الأستقلالية

وكيف تكون وماهي نسبة تمتع الأبناء بها، هناك أمور يجب أن يعتمد الأبناء على أنفسهم في الدراسة وتنظيم مكان تواجدهم وغرفهم وملابسهم ويختاروا الأصدقاء الجيدين ، كيف يكون هؤلاء الأصدقاء، حيث أن المحيط الخارجي له تأثير كبير على الأبناء ويتوجب علينا متابعة أبنائنا في علاقته بالمحيط الخارجي من خلال السؤال الدائم ومن الأبناء أنفسهم حول المستوى الدراسي ومتابعة غياباته وأجبارة على النوم بالوقت الذي يحدده له أهله ومن واجب الأهل الأطلاع على ماهية العلاقة مع الأصدقاء ومن يكون هؤلاء الأصدقاء وكيف يقضوا وقت الفراغ وبأي شأن تستخدم وسائل الأتصال الحديثة كالكومبيوتر والموبايل أي ( الجات والفيسبوك)  وليكن الأهل على أطلاع ومراقبة للأبناء في هذا الجانب بحيث يتم تسخير الكومبيوتر وبرامجه من أجل توسيع مدارك الأبناء بالأهتمامات الثقافية المتنوعة ، العلمية والمهنية وغيرها،ولتعطى وقت محدد لأستخدام الكومبيوتروبتواجد الأم أو الأب في البيت ولتتم المراقبة عن كثب .

 لهذا أتوجه بالدعوة للأخوات والأخوة من الآباء والأمهات الذين لم تتح لهم الفرصة لتعلم الكومبيوتر أن ينظموا الى دورات لتعلم هكذا برامج ولتتعاون الجمعيات المندائية في هذا الجانب، وبالأضافة الى دور لجان المرأة في الجمعيات المندائية لتكثيف برامجها التربوية والتي تعتني بالثقافات المتعددة.  

أن لجوئنا لهذه الدول هو من أجل أن نؤمن لأولادنا الدراسات ذات الأتجاهات التي تؤهلهم أن يعتمدوا على أنفسهم ويستقلوا أقتصاديا ويكونا مسؤولين عن تكوين عائلة يكتب لها النجاح، ليس هناك طفل غبي يمكن أن يكون له أمكانيات محدودة ومن الواجب علينا أن نساعده في توسيع مداركه وأستغلال طاقاته المكبوتة.

أن أعطاء الحرية، ليكن ضمن حدود معينة وحسب المرحلة العمرية،وتتلائم مع طلبات الأبناء وعند حد معين وليكن متفق عليها مسبقا، وأنه ليس من العيب أن يرى الأهل الحد الذي يوقوفا فيه الأبناء عند حد معين، كأن السهر والتأخر خارج البيت والذي يجر الى الغياب عن المدرسة والتخلف عن أقرانه في الدراسة ومايجعله لايتشجع الى الذهاب الى المدرسة ويبحث في أي وسيلة أخرى لمصدر العيش السريع والمتعب وبدون شهادة لمهنة معينة.

كما أن للأبناء الحق في الأعتماد على نفسهم ولكن ضمن نطاق وحدود العائلة وضمن القواعد التي يضعها الوالدان لهم،ومن هنا تأتي صعوبة الموازنة بين مايريده ويحدده الأهل وبين مايريده ويفكر به الأبناء.

أننا لايمكن أن نشبه ونقارن فلان مع فلان وحتى الأخ مع أخيه في البيت الواحد، حيث لكل فرد شخصية معينة ومنها من المتعب لأهلة ومنهم من الذي لديه أشكاليات بسيطة.

مهما كبر الأبناء يبقوا بحاجة الى الوالدين وأخذ رأي الوالدين في مختلف جوانب الحياة.

لنبدأ من الآن في الأهتمام الجدي بأبنائنا ولنفرح ونفخر بهم حيث كلما زرعنا بأساس قوي نحصد ثمار جيدة. 

أن تشكيل الجمعيات في دول المهجر ومن ضمن أهدافها هو العمل على المحافظة على الهوية المندائية الأصيلة وذلك من خلال تقديم البرامج التي تساعد في تحقيق ذلك.

 

نشرت في وجهة نظر
السبت, 27 نيسان/أبريل 2013 20:34

عزيز سباهي والشيوعيون الأبدييون!

علمت من الصديق الدكتور حسام صالح جبر مؤخراً بان الصديق عزيز سباهي مريض وفي حالة حرجة، قلقت عليه وتداعت في نفسي ذكريات كثيرة! كنت رفيقاً له في الحزب الشيوعي العراقي، أو بالأحرى كان قبل ما يقرب من أربعين عاماً يقود خليتنا الصغيرة في هذا الحزب الذي كان في عقدي الخمسينات والستينات كبيراً ( وإذا مشى يهز الأرض ) وقد جمعتنا أنشطة حزبية مختلفة ولسنين عديدة ثم تفرقت بنا السبل فكراً وأرضاً ومنذ زمن طويل أيضاً!


تجاوز عزيز الثانية والثمانين من العمر، دخل قبل أيام مستشفى جراحة القلب في كندا، وكان رجاؤه الوحيد من طبيبه أن يصلح قلبه بما يكفي ولو لأسابيع قليلة لينهي الجزء الثالث من كتابه الضخم عن تاريخ الحزب الشيوعي العراقي! وبعد أن تمت العملية الجراحية بنجاح قال له الطبيب إنه قد زرع في قلبه شرايين تكفي ليكتب بها تاريخ الحركة الشيوعية العالمية كلها! لكني أعتقد أن عزيز نفسه يعرف أن كتابة تاريخ الحزب الشيوعي العراقي وحده يقتضي شرايين من الفولاذ لا يعرفها أطباء العالم!
فالحزب الشيوعي العراقي لا يحمل فوق كتفيه أحزان ماضية وحسب بل ثقلاً كبيراً من أحزان العراق كله! لقد كان لا عباً رئيسياً في المسيرة الانقلابية أو التحديثية للعراق، وقد تألق على طريق الآلام التي سار عليها مثقفون ومبدعون كثيرون منهم من غادره لأحزان أخرى، ومنهم من بقي في المواقع الحالية وهؤلاء يشكلون الجانب الحساس أو الواعي من جسد الحزب الذي ترهل فترة وترشق فترة أخرى وهم من ينتظر منهم قول كلمة الحق والموضوعية في حجم مسؤوليته حول ما مضى أو ما آل إليه العرق اليوم!
لقد خاض سباهي غمار كتابة تاريخ الشيوعيين العراقيين هذا الذي ظل موضع نزاع وخلافات وأحجام وتلكؤ ومماطلة من قادة بارزين تعاقبوا على مراكز القرار في الحزب وكانوا لا يريدون الخوض أو حتى مقاربة مفاصل أساسية فيه ربما لأن بعضهم كان متورطاً بمواقف سابقة غامضة أو مشبوهة أو مدانة ولا يريدها أن تعكر مزاجه بينما هو كان يتربع على رأس الهرم الحزبي!

أعتقد إن ما دعا عزيز لخوض هذه المغامرة هو ليس حسمه للجدل المرير حول هذه الخطوة وهي ضرورية فعلاً، ولا حبه للظهور أو المنفعة المادية، فهو زاهد متقشف تتسم حياته باللطف والبساطة ( وعادة سينتفع من الكتاب ناشر معروف حتى لو كتبوا على الغلاف "لمصلحة عوائل شهداء الحزب ") إنما هو تكوينه الداخلي المرهف الخاص فهو شاعري المزاج فنان في بداياته ومنبثق من الديانة المندائية وهي ديانة أصيلة أقدم من الإسلام تقوم على جريان الماء وعلى النداوة والنور وحب النظافة وتطهير الذات، كما هو مؤمن عميق متبتل بالشيوعية وليس لديه ذرة شك أن الشيوعية هي الفكرة الأعظم في الكون وإن الشيوعيين العراقيين كانوا وما زالوا صفوة المناضلين وأن حلمهم في بناء الشيوعية في العراق وفي العالم وإن مني بنكسات وانهيارات وهزائم لكنه في النهاية سيتحقق لا محالة! وإن شجرة آدم لم تبق خضراء لآلاف السنين على ضفاف القرنة إلا بانتظار الشيوعيين العراقيين ليلحقوا بها كل نخيل العراق وبرتقاله وأعنابه ونسائه السمراوات اللدنات ويكونوا الجنة الموعودة فوق الأرض وتحت الشمس! وإن كل ما قام به الشيوعيون من أعمال وما قدموه من تضحيات وما سفحوه من آلام سيذكره الناس الذين سيولدون في الأزمان القادمة ويقيموا من أجله نصباً يناطح الكواكب ويؤدوا حوله كل طقوس الوفاء والعرفان بالجميل! لقد كان عزيز بهذه الكتابة الطوية التفصيلية يسرد حلمه الخاص وأمله الأكبر و يسمعه هو حكاية مشوقة من نفسه مع الآخرين! وبذا تظل الشيوعية له ولناسه توقاً وظمئاً مشبوباً إلى الأبد!
عزيز سباهي كما عرفته عن قرب لسنوات طويلة ينتمي لشريحة من الشيوعيين يمكن أن ندعوهم بالشيوعيين الأبديين! البعض يسميهم بالمخضرين، آخرون يسمونهم بالعتيقين أو المزمنين وخميرة الثورة الدائمة ثمة عراقيون يسمونهم بالعامية بالمسلكيين ويقصدون سلك الموظفين أو الحرس القديم ولكني أفضل تسمية عزيز ومن معه بالأبديين لأن لهم باصرة فكرية وقوة تخييل وتصور لا يستهان بها! فهم يعتقدون أنهم يمتلكون حلماً هائلاً وضميراً أكبر منه يستطيع أن يستوعبه ويمتد به من بدء ظهور الحياة البشرية على الأرض وقيام فردوس المشاعية البدائية ( تقابله في الأديان الجنة وسعادة آدم وحواء الذين طردا منها بسبب إدعاء خطيئتهما) وحتى وصول الإنسان ربما بعد مائة عام أو ألف عام للحياة الشيوعية المتألقة الحرة السعيدة ( والتي تقابلها في الأديان عودة آدم وحواء وذريتهما للجنة بعد توبتهما وطاعتهما للرب ) الشيوعيون الأبدييون يعتقدون أنهم الجسر الذي ينحنى لخطى الجموع الهادرة وهي تخب الخطى عليه في مسيرتها نحوا المستقبل الوضاء، وهم الأفق المنير العطر الذي يربط ظلمات الدنيا بالفجر التاريخي الباهر، وهم يؤمنون بالشيوعية وقادتها ورموزها وكتبها أيمان المتعبد بدينه وربه ونبيه واليوم الآخر! و يتصفون بالثبات على الفكرة والثبات على الموقف لحد كبير، لا يتزحزحون عنه مهما لاقوا من اضطهاد وأذى! عزيز سباهي سجن في العهد الملكي عشر سنوات قضاها في نقرة السلمان معزولاً مع رفاقه عن العالم تحيطهم صحراء السماوة وذئابها وأفاعيها وشرطتها ورمالها، وفي العهد الجمهوري سجنه قاسم أيضاً سنوات أخرى امتدت حتى انقلاب البعث الدموي في 1963 وقد حاول الحرس القومي في بغداد جلبه من الموصل لإعدامه في بغداد بعد أن أعدموا شقيقه صبيح عامل المطبعة الشيوعي في مذابحهم الشهيرة ولكن رئيس سجن الموصل رفض تسليمه امتثالاً لعادة عشائرية لديه تقضي بعدم جواز تسليم رجل يعرف إنه سيقتل! كل ذلك لم يجعله يتخلى عن فكرته على العكس زاد في إصراره عليها واليوم وقد انعطف التاريخ انعطافته الحاسمة الكبرى وأطاح بالاتحاد السوفيتي القلعة الأمامية الكبرى للشيوعية مع منظومتها المتراصة الطويلة خلفه، وراحت الزلازل الأيدلوجية تترى والبراكين الفكرية تقذف حممها والدماء تغلى والنظريات تتصادم وتتفجر وتتكشف حقائق وتنقلب مفاهيم وتتهتك مواقف وتنهار صروح فإن عزيز سباهي وغيره من الشيوعيين الأبديين ظلوا ثابتين على قناعاتهم الأولى بل صاروا أكثر عناداً وتمسكاً بها من ذي قبل وحجتهم في كل ما جرى إن الخلل في التطبيق وليس في النظرية وإن العلة في الرجال والمنفذين وليس في الخطة الشيوعية الأساسية بل هم ربما يعكسون المقولة الشيوعية المعروفة معتقدين بأن النظرية خضراء والحياة رمادية! محرمين الشك على أنفسهم وأتباعهم محورين مقولة ديكارت إلى (أنا شيوعي إذاً أنا موجود)!

هذا لا يعني أن الشيوعيين الأبديين غير أذكياء أو تعوزهم النباهة على العكس فكثير منهم قد عرف ببراعته ونجاحه بل وتفوقه في ميدانه الفكري أو العمل وبحوث عزيز سباهي في المسألة الزراعية أو الاقتصادية كانت جادة ومفيدة وتلقى ترحيباً وثناءً من المختصين!
ربما سبب هذه الرؤية التي قد نراها متحجرة أو جامدة هو أن الشيوعيين الأبديين يسكنون داخل الفكرة لا خارجها لذا من الصعب أو المستحيل عليهم أن يروا الفكرة على حقيقتها أو حجمها وكثافتها بين الأفكار والنظريات الأخرى، بل هم لا يرون من الحياة نفسها إلا ما يتعلق ببقايا نبض الفكرة في رحابها الواسعة!
إنهم يستمرئون آلامهم وعذاباتهم بل يحبونها لا لأنهم مازوشيين مولعين بتعذيب أنفسهم كما يحلوا للبعض وصمهم بل لأنهم يجدون أن من صميم الفكرة ومن طقوس منشأها تحمل الألم والعناء والصبر الجميل على البلوى ومجابهة التحديات ( يمكن الرجوع لحياة ماركس الذي اختار العذاب لنفسه ولعائلته في بيته الفقير البارد الرطب في لندن وهو الذي كان بإمكانه أن يعيش ثرياً منعماً ) أتذكر من الشيوعيين الأبديين الممثلة الرائدة الصديقة(زينب) لقد ضحت هذه الممثلة القديرة الجريئة بشهرتها وبيتها في العراق وخشبة المسرح التي كانت تحن إليها حنين فاختة لسدرة البيت وسكنت المنافي متمسكة بحزبها وفكرتها. كان السرطان ينهش أحشاءها وهي تبتسم وتقول ( أنا سعيدة سأموت وأنا شيوعية )، والفنان رشاد حاتم، كان ذا موهبة تشكيلية كبيرة لم يكن يشكوا من ثقل جدران السجن على صدره وإنما من ثقلها على فرشاته ولوحته، قال له فهد مؤسس الحزب وكان سجيناً معه (ادفع الجدران بعيداً عنك وسترى الأفق البعيد وترسم) بالطبع كانت نصيحة إرادوية كديدن فهد لم تجد نفعاً مع فنان يريد التجربة الخاصة والملاحظة البصرية الحقيقية والألوان والقماش والحرية.رشاد حاتم افتدى الحزب للأسف ليس فقط بروحه بل بقدراته الفنية الكبيرة التي يشهد لها فنانون حداثويون حتى اليوم، زرته في السبعينات في بيته في الكاظمية مع مجموعة من أعضاء خلية كانت تعمل في وسط الفنانين وقد صور هذا اللقاء وحواراته في فلم وثائقي مؤثر لا أدري أين هو الآن. كان في الرمق الأخير وما كان منشغلاً بلوحاتة القليلة النادرة بل كان يسأل عن آخر أخبار الحزب والحركة الشيوعية !كان شيوعياً أبدياً نقياً نقاء فجر الكاظمية على شاطئ دجلة في لوحته! وغير بعيد عنه أبن محلته أيضاً الأديب والصحفي إبراهيم الحريري الذي يظل شيوعياً أبدياً حتى داخل اللحظة العابرة، فهو جاد لا بد أن تحمل ابتسامته شيئاً من رصانة الأبدية.إنه روائي جيد قرأت له عمليين روائيين متميزين لكنه لم يشأ مواصلة الكتابة الروائية وجد متعته وراحته في رفد جريدة الحزب بمقالاته المركزة، بعد سقوط نظام صدام ترك عيشه الرغيد في كندا والتحق بالحزب الشيوعي في بغداد، هو مازال يعتقد إنه يستطيع حمل الطبقة العاملة العراقية على كتفيه المنهكين ليصعد بها جبل النظرية ويضعها في الجنة التي على قمته! كنت أراه يأتي لوزارة الثقافة في بغداد على دراجة هوائية بوجه غير حليق وثياب خشنة يتعمد فيها عدم الأناقة بينما يصل الوزير الشيوعي بسيارة مارسيدس وموكب وحراسة. ربما كان الوزير طالباً في المتوسطة لم يسمع بالشيوعية عندما كان الحريري منفياً في بدرة بسبب الشيوعية! الشيوعي الأبدي لا يفكر كم أعطى وكم أخذ بل إنه يفرح إذا أعطى أكثر مما أخذ! آرا خاجادور كان عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي قارب التسعين من عمره فهو من رعيل فهد ( على خلاف مع الحزب الآن ربما بسبب الموقف من نظام صدام وربما بسبب الموقف من الإمبريالية الأمريكية والرجعية والإقطاع إلخ..) إنه يتجاهل آلام شيخوخته، ومتطلبات رعاية نفسه وينهمك بكتابة مقالات طويلة عن الشيوعية البكر النقية وعن هموم ومواصفات الحركة النقابية العراقية المطلوبة ويوزعها عبر الانترنيت كأنه ما يزال ذلك النقابي النشيط في محطة السكك الحديد في منطقة الشالجية! أهم خصال الشيوعي الأبدي إنه ربما يسمع بدبيب نملة على ثوب بروليتاري لكنه لا يسمع هدير عجلات الزمن الأكثر هديراً ودهساً من كل قطارات الشالجية!

الشيوعيون الأبدييون أقرب لنساك ورهبان ومتصوفة في صوامع متباعدة، تشتعل في أعماقهم نار هادئة متواصلة تستقي زيتها مما تحلل في الأرض من رفات الأحياء والأموات! ومن أحبار الكتب القديمة المقروءة منها وغير المقروءة! يتحملون أن تكون أعمارهم احتضاراً طويلاً في مخاض ميلاد أملهم من أجل الدنيا ومن أجل الناس لكنهم لا يتحملون أن تولد فكرتهم ذاتها من جديد فذلك هو الاغتراب القاتل لهم وذلك هو الموت الحقيقي! لا يريدون أن يعرفوا أن الأفكار تولد خارج صوامعهم كما البنين والبنات يراهقون معاً ويتمازجون معاً، ويختلط النسل والذرية وتتفتح الحياة في كل يوم بألف فكرة وألف نهج وألف ساحة وطريق! بعضهم يقبع في حجرته بين غبار الكتب لكثرة ما هو غارق في لجة نفسه لا يسمع استغاثة المؤلفين وهم يريدون الخروج من كتبهم وقد ضاقت بهم وأصبحوا ينقضونها ويكرهونها ويحتاجون لمساعدة تلامذتهم لإنقاذهم ويطلقون الصرخات دون جدوى !
عشرات بل مئات من الشيوعيين العراقيين رايتهم أو سمعت عنهم تخلوا عن عوائلهم وأبنائهم وعن مواهبهم وطاقاتهم الإبداعية بل وعن ثرواتهم (ثمة أثرياء أنقياء ركلوا ثرواتهم والتحقوا بركب الشيوعية كأمل في أن تكون الثروة للجميع ) فلم يلقوا غير الملاحقات والسجون والتعذيب بينما ازداد الفقر والحرمان والألم وشمل للجميع! وتظل جنة الشيوعية تبتعد أكثر فأكثر فكانوا يعانون ويحتضرون وكل سعادتهم ونشوتهم أن أنهم سيموتون وهم شيوعيون!لقد صار حلمهم بالشيوعية تعويضاً عن الشيوعية ذاتها! إنهم كالمتدينين المنصهرين بمقدساتهم وكالعشاق الذاهلين الذائبين في أحبتهم! لم يقفوا مرة ليتلمسوا قلوبهم أو عقولهم كم تلقت من طعنات وضربات أو كم هي عن قصد أو غير قصد سددت من طعنات أو تسببت بويلات ؟ أو يتلمسوا فكرتهم هل هي حقيقة أم وهم؟ ماء أم سراب ؟ ممكنة التحقق أم مستحيلة؟ طريق إلى الكينونة والهوية أم إلى الهاوية ؟

شيوعيون أبدييون أزليون قادمون من مختلف قوميات العراق وأديانه ومذاهبه ( كان الحزب الشيوعي العراقي بوتقة صهر الجميع المتنوع ليخرجهم جميعاً سبيكة أخرى، ربما بالزي الموحد وإلى حين أيضاً، فما أن بردت بوتقته وارتخت أبوابه حتى عاد الكثيرون إلى آصالهم وجذورهم وقومياتهم وأديانهم وطوائفهم وعشائرهم وعنعناتهم)
التقيت عزيز سباهي عام 1969، يومها رٌحلت من إحدى منظمات الحزب للعمل في تنظيم الأدباء والصحفيين فوجدته هو الرفيق المجهول الذي قادتني إليه ورقة الترحيل كما تقود كتب التنجيم باحثاً عن حظه، وجدته في علاوي الحلة قريباً من سينما بغداد على ما أتذكر، يقف أمامي بقامته الطويلة ووجهه البيضوي الأسمر وابتسامته الحزينة على الدوام ( لم أجده يوماً ضاحكاً فرحاً كطفل إلا هو يحدثني قبل حوالي ربع قرن في الجزائر عن سهرة في التلفزيون شاهد فيها وردة الجزائرية في حفلة تغني باقة من أغانيها من ألحان بليغ حمدي ربما كان أمثال هذه الفرحة الصغيرة هي ما يقتات عليه في حياته في المنافي العديدة التي تنقل بينها ) كان يعمل آنذاك رئيساً لقسم الدراسات الاقتصادية في جريدة الثورة، ومثلما كان هو يعرف أن هذه الجريدة ناطقة باسم حزب البعث الحاكم كانوا هم يعرفون به كادراً شيوعياً.كان قادة البعث في تلك الأيام يدعون أنهم يريدون بدء عهد جديد من التعاون مع الشيوعيين وبناء دولة تقدمية ومجتمع جديد، لكنهم في الواقع كانوا يعذبون ويقتلون الشيوعيين من كلا التنظيمين اللجنة المركزية والقيادة المركزية وأصدقاءهم في أقبية سجونهم في قصر النهاية وغيرها من السجون السرية والتي هي بيوت وقصور عادية حورت من الداخل كمعتقلات وأقبية رهيبة للتعذيب والتصفيات الجسدية، وقد بدأت تتكاثر في العراق في عهدهم أكثر من دكاكين القصابين في أزمان بداية الجفاف وذبح الماشية!

كانت خليتنا تعمل آنذاك ضمن خطة الحزب لإعادة بناء تنظيماته بين الصحفيين والكتاب والفنانين بعد الاضطهاد والسحق الطويلين خاصة إثر انقلاب شباط عام 63. كان العمل صعباً ثم أضحى مستحيلاً تقريباً في ظل اعتقال وقتل أعضاء الحزب ومرشحيه وأصدقائه وإسقاطهم سياسياً في القواعد الحزبية والذي شمل حتى من يتجاوب مع الشيوعيين أو يتعاطف معهم بينما أبقوا على سكرتير وأعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية والكوادر المحيطة بها بل تركوا بعضهم يظهر بشكل علني متجولاً في شارع أبي نؤاس أو ملقياً محاضرات في المعهد الثقافي السوفيتي أو مطلقاً مقابلات صحفية أو حاضراً احتفالات مئوية لينين في السفارة السوفيتية وقرع كؤوس الأنخاب حتى مع ممثلي البعث المتدثرين بالماركسية آنذاك (اغتال صدام منهم من يعتقد إنه يعمل في الخط العسكري كعضوي اللجنة المركزية ستار خضير وشاكر محمود والكادر المتقدم محمد الخضري وآخرين كثيرين ) وبعد أن حطم صدام قيادة تنظيم القيادة المركزية الشيوعي وسحق كوادره وأعضاءه بهمجيته ووحشيته البعث المعهودتين كانت المهمة الكبرى المطروحة أمامه آنذاك التفاوض من أجل جبهة وطنية ( قال إنها ستناضل حتى آخر بعثي ضد الإمبريالية والصهيونية وتبني العراق على أسس تقدمية واشتراكية ) لكن حواره الحقيقي كان هو ذلك الذي أوكله للجلادين وأدواتهم المتطورة في التعذيب و(بعضها كان يستورد من الدول الاشتراكية) وبين رفاقنا المساكين في أقبية التعذيب وعلى طاولات قلع الأظافر والصعقات الكهربائية، كان صدام يشرف بنفسه على حفلات التعذيب ويغنيها بتوجيهاته القيمة! كل ذلك دعا الحزب عام 1970 لوقف الاجتماعات الخلوية وجعل النشاط الحزبي يقوم على الصلة الفردية وقد بقيت صلتي بعزيز في تلك الفترة وثيقة. كان آنذاك يركز لا على العمل وشكليته بل على جدواه ووضوحه والمضي به دون تجاهل الأخطار المحدقة أو محاولة تحديها بطرق عنترية فارغة وقد ظل محافظاً على دقة مواعيده معنا كخلية مفرقة رغم صعوبة الظروف. أتذكر إنني في عام 1970 نشرت في مجلة ألف باء الأسبوعية تحقيقاً واسعاً عن الدروايش بعنوان "الدراويش أشباح تبحث في دمها عن الحقيقة" أظهرهم بالعديد من الصور الملونة التي غطت غلافي المجلة وهم يخترقون بالسيوف بطونهم ونحورهم وأحشاءهم حتى تخرج من الطرف الآخر دون أن تحمل قطرة دم، لكن أخطر ما تطرق إليه التحقيق أو تورط فيه هو حديثه عن أساليبهم البشعة في استغلال الدين وممارساتهم السرية الجنسية الشاذة مع الغلمان والحيوانات إضافة لتخفى بعضهم في هيئات نساء لدخول البيوت ومخالطة النساء في حياتهن الخاصة! وقد لامني عزيز سباهي بصفته مسؤولي الحزبي على هذا التحقيق لأنه برأيه يصرف أنظار الناس بهذا الدم المزيف عن دماء حقيقية ينزفها رفاقنا الشيوعيون في سجون البعثيين ولم يقتنع بقولي له إنني أفضح دعاة الفكر المثالي من أجل فكرنا المادي! لكن حين هددني الدراويش بالقتل لما لحق بهم من هذا التحقيق الذي انتشر حيث صارت المجلة تباع في السوق السوداء بأضعاف سعرها وقف سباهي بجانبي ووجهني للخلاص من هذا المأزق الذي زججت نفسي فيه دون أن أدرك توازن قواي مع دولة يحكم الدراويش جانبها المعتم غير المرئي! كان معروفاً آنذاك إن عزة الدوري درويشاً وكما يقال مسؤول خط الدراويش في حزب البعث ومجلس قيادة الثورة ( تطور فيما بعد إلى انقلاب ديني داخل حزب البعث وحملة إيمانية شملت العراق كله حتى سقوط البعث فبعثت بالموجات الإرهابية والتدميرية الجارية الآن من غلاة ومتعصبي الطائفتين السنية والشيعية!)

كان سباهي مهما تمسك بالعقل البارد حريصاً على اللمسة الإنسانية التي رايتها للأسف ضعيفة أو معدومة لدى كثيرين من الكوادر والقياديين الشيوعيين ممن عملت أو عشت معهم في لا حق الأيام ( لكن كثير من الشيوعيين تمسكوا بها ودفعوا ثمنها، قال لي أحدهم ممن تركوا الحزب : لا شيء يلوث الروح ويفقدها نقاءها كرذاذ أفواه القياديين الحزبيين الأدعياء المتبجحين) بعد انهيار ما سمي بالجبهة الوطنية والقومية التقدمية وخروجنا أو هروبنا من العراق وجدته في الجزائر فواصلنا العمل سوية في قيادة تنظيم الحزب في الجزائر وقد اختار هو العمل في مجال البحوث والدراسات فكتب الكثير من البحوث والمقالات كان يوقعها باسم نصير الكاظمي خشية أن يلحق الأذى بابنه سعد الذي لم يستطع إخراجه من العراق وبقي أشبه برهينة لدى البعثيين وإن كان يعيش في بيت عمه عبد الإله!
بعد أن خرجت أنا من الحزب الشيوعي واخترت التفكير الحر والموقف الحر وعدم الانخراط بأي تنظيم والانصراف للكتابة سمعت إن عزيز رفيقي القديم قد امتعض مما أتخذت من فكر ومسار جديدين وقد أعطيته الحق في ذلك فالشيوعي الأبدي يحرص على صف الشيوعيين ويريده قوياً متراصاً لا يقبل أن يقلق أحد فيه أو يتململ أو يترك الركب فيتخلخل وينهار.
والشيوعي الأبدي إذ يحكم على نفسه بالسجن المؤبد داخل الفكرة مع الآشغال الشاقة طبعاً فإنه لا يقبل بأقل من السجن العادي للآخرين داخل الفكرة التي لا يدري كم هي مغلقة ومستحيلة! لكنني خابرت عزيز حين جاء إلى السويد بزيارة لإلقاء محاضرة في النادي المندائي في لوند فوجدته ذلك الصديق الذي يبقى دافئ القلب والروح مهما تلبدت الأيام والأرض والنفوس بالصقيع والظلام! وحين عاد إلى كندا وصلني منه كتابه المترجم ( مستقبل الرأسمالية : لستر ثورو ) حاملاً إهداءه العذب بخطه الجميل الذي عرف به!

كان عزيز سباهي في مطلع شبابه رساماً وخطاطاً بارعاً لكنه في مسيرته بين السجون حيث الحصول على الفرشاة والقماش والألوان صعب أو مستحيل، أو قد يبدو ترفاً برجوازياً أهمل موهبته الفنية كرشاد حاتم وتعلم الإنجليزية بديلاً عن الرسم ليترجم بها كتباً عن المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية وينشرها بعد إطلاق سراحه مسلسلة في جريدة النور التي كان يرأس تحريرها جلال الطالباني!
قد يبدو للبعض أن الحياة لا تحتاج الشيوعيين الأبديين! فغيابهم لن يعطلها أو يؤخرها أو حتى لن يغير في إيقاعها لكن وجودهم جميل بلا شك فهم يجترحون محاولات بشر طيبين ليكونوا ملائكة! المتصوفة ينطلقون من الفكر الغيبي والمثالي إلى رحاب ملائكي وأثيري والشيوعيون الأبديون ينطلقون من الحالة المادية إلى فضاء ملائكي أو أثيري! ويصعب الجزم أيهم عانى أكثر لكن معاناة الشيوعيين الأبديين والشيوعيين عموماً كانت مثقلة بكل جور الحكام وسجونهم وسياطهم ومشانقهم! يتهم البعض الشيوعيين بجرائم قتل وسحل لو راجع المنصفون التاريخ بموضوعية سيجدون أن الشيوعيين لم يرتكبوها أو في الأقل إن قياداتهم لم تأمر بها ولم تقرها! إن جناية الشيوعيين بحق أنفسهم وبحق مجتمعهم تنحصر في كونهم طرحوا وبإصرار ولجاجة طريقاً للتغير هو المستحيل بعينه فبددوا طاقاتهم وطاقات شعبهم واستفزوا الأعداء فافترسوهم وافترسوا الناس ومستقبلهم معهم!

الشيوعيون الأبدييون بطبيعتهم وبنهجهم المكتسب طهرانيون يفهمون النقاء على إنه وضوء للصلاة والحج والإنجاب لذلك فإن غالبيتهم غير راضين على تحلف حزبهم في بغداد مع الأمريكان لكنهم كأي متعبدين متبتلين لا تطاوعهم قلوبهم على المجاهرة في الخلاف بل هم يظلون يدعمون حزبهم ويأملون أن يجد يوماً طريقة علمية ديالكتيكية لبناء سفينة نوح يجمع فيها العراقيين ويعبر بهم الطوفان!


الشيوعيون الأبديون لا يستطيعون أن يعطوا مثالاً أو دروساً في النظرية التي أضحت متحجرة وعقيمة معهم أو بدونهم، بل هم يقدمون مثالاً في إصرار الإنسان على حلم كبير وأمل كبير وعالم آخر غير عالمنا المثقل بالاستغلال والحروب والضلالات الأخرى !

ربما كل منهم يغني بيت الشاعر المجهول على لحنه الخاص : (منى إن تحققت تكن أحسن المنى __وإلا فقد عشنا بها زمناً رغدا) ولكن عيش الشيوعين على كل حال لم يكن رغدا!
إنهم ليسوا عزاء عن خيبات وهزائم الماضي حيث لا يجدي أي عزاء أو مواساة ولا مثالاً حزيناً على حلم في العدالة انطوى غارقاً بالدماء والرماد ولكن كأناس يمكن أن يكون نقاؤهم وصدقهم نموذجاً يمكن أن يحتذى من قبل مفكرين حيويين ورادعاً للمفسدين ومخربي الحياة والروح! قد تكون الحكمة العامة أو الفكر النظري والتطبيقي قد فسد لدي الشيوعيين لكن خبرتهم الروحية والعاطفية يمكن أن تظل منهلاً للشرفاء والطيبين في عالمنا الملء بالشرور والمفاسد! عزيز سباهي في ما كتب من تاريخ لحزبه لا بد إنه يدرك أعمق من كل هذه الخواطر لذلك فهو يمس الكثير مما كان قديماً من المحرمات الحزبية بإضاءة جريئة !
يمكن القول إنه رغم ثقل أفكاره أو جسامة النظرية التي يعتنقها والتي لم تعد تتسع لها الأبواب أو هي تبدوا ضمن أفكار الزمن الذي مضى بزهوه وفتنته وبهائه القديم ما يزال هو يستطيع أن يمر في المحافل الصحفية وفي رحاب قلوب المثقفين بيسر النسمات، ليس فقط لمنجزه الصامت والقابل للنقاش في الفكر والصحافة كجندي مجهول بل لأنه أيضاً كان يحترم نفسه كمثقف أولاً ولم يلمس أحد منها تدخلاً حزبياً فظاً أو مؤذياً في مجري العملية الثقافية في بغداد أو المنافي، كان يتحلى بالتواضع ونكران الذات فهو مع كل ما قدم للشيوعية والشيوعيين في العراق لم يقل إنه الشيوعي الأبدي أو الشيوعي الأول أو الأخير!

عزيز سباهي لم يحظر مهرجاناً ولا تكريماً في بغداد، بينما كرم من هم ليسوا بقامته، وذلك لا يثير في نفسه أسى على العكس هو وكما أتذكره يهتم كثيراً بنيل المثقف لحقه ومكانته

هو الآن عضو بسيط في الحزب بين شيوعيين استمروا مع تعرجات طريق الحزب الطويل دون أن يمتلكوا وعيه أو تجربته وبين شيوعيين موسميين يأتون الحزب كالبقالين وفق الأجواء السياسة والفصول الملائمة (بعضهم الآن يكتب عن الأدب وزعامة التنظيمات الأدبية بتبجح وادعاء) وبين انتهازيين قادمين مع الفرص المواتية وبين شيوعيين جدد يافعين أبرياء ربا هم الآن نواة الحزب وصلبه الحقيقي والذين يعول عليهم في التجديد والتغيير وهم لا يعرفون عزيز وربما غير مكترثين بتجربته وآلامه القديمة وبين محترفين قدامى منخرطين في سلالم الحزب حالياً صعوداً ونزولاً لهم وللناس مزاياهم وعليهم وعلى الناس مثالبهم، ولكن مهما اختلفت معهم ومهما كان الرأي بأن ما يجري اليوم في العراق هو في جانب كبير منه من غرس حزب أتى بفكرة مستحيلة للعراق سدت مجرى التاريخ بعنفوانها وطيشها وجنونها لكن لا يسعك إلا أن تسجل لهم مأثرة العمل في العراق عبر غلواء الجهل والتخلف والعاصفة الدينية المتحجرة وعاصفة الدين السياسي برأسي الأفعى الإرهاب المسلط من التكفيريين السنة والميليشيات الطائفية الشيعية المسعورة !

ما تركه عزيز وغيره من الشيوعيين الأبديين من أبديتهم البعيدة للواقع الراهن خيط نور هو في الظروف الحالكة أكثر سطوعاً من نار عفوية غامضة أوقدت في صحراء البدو في شتاء قارس. إنها شعلة نار مقصودة واعية تعرف الصحراء وتعرف قبائلها و ليلها البهيم الطويل، وتبشرنا بكل صدق بأن فجر الإنسان العراقي الحقيقي قادم رغم كل النكسات والظلمات

نشرت في وجهة نظر